أثارت الأحكام الأخيرة الصادرة عن محكمة الاستئناف بمراكش غضبًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والشبابية بالمغرب، بعد صدور أحكام بالسجن ضد 37 شابًا على خلفية مشاركتهم في احتجاجات الحركة الشبابية التي اجتاحت البلاد أواخر سبتمبر الماضي.
تراوحت الأحكام بين سنة واحدة وست سنوات، إضافة إلى فرض غرامات مالية، ما اعتبره ناشطون ومراقبون “قاسيًا وغير متناسب مع طبيعة الاحتجاجات السلمية”. ووفق وسائل الإعلام المحلية، قضت المحكمة على 11 متهمًا بست سنوات سجناً نافذا، فيما حكمت على 26 آخرين بسنة واحدة، وهو ما دفع عشرات المواطنين إلى تنظيم وقفات احتجاجية للتنديد بهذه الأحكام. المشاركون في الوقفات، شددوا على أن الأحكام الصادرة تمثل رسالة قمعية للشباب، وطالبوا بالإفراج عن جميع المعتقلين والاستجابة للمطالب الاجتماعية التي كانت وراء احتجاجات الشارع. وتشير إحصائيات الحركة الشبابية إلى أن الاحتجاجات أسفرت عن توقيف 2068 شابًا، من بينهم ألف يتابعون في حالة اعتقال، و330 قاصرًا يخضعون لمتابعات قضائية. هذه الأرقام تعكس حجم القمع الممارس ضد الشباب المشاركين في الحراك، وتثير تساؤلات حول مدى احترام السلطات المغربية للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وضمانات المحاكمة العادلة. في هذا السياق، حذرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من “سلسلة خروقات حقوقية” طالت المحتجين، مؤكدة أن الاعتقالات كانت “مكثفة وعشوائية”، وأن العديد من المواطنين، بمن فيهم عدد كبير من القصر، تعرضوا للملاحقة دون مراعاة الإجراءات القانونية اللازمة. وقالت الجمعية إن هذه الممارسات لا تتوافق مع الالتزامات الوطنية والدولية للمغرب في مجال حماية حقوق الإنسان، خاصة الحق في التعبير عن الرأي والمشاركة في الاحتجاجات السلمية. المحللون الحقوقيون يعتبرون، أن هذه الأحكام تعكس توجهًا سلطويًا لإسكات الأصوات الشبابية المطالبة بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، ويخشى البعض أن تؤدي إلى مزيد من الاحتقان الشعبي، خاصة في ظل أزمة البطالة وتراجع القدرة الشرائية وانتشار مظاهر الاحتجاج في المدن الكبرى. ويشير حقوقيون إلى أن معالجة المطالب الاجتماعية عبر القمع القضائي لن يحل الأزمة، بل قد يعمّق الهوة بين الشباب والسلطات ويزيد من تفاقم التوترات الاجتماعية. من جانبهم، الحقوقيون الدوليون والمنظمات الحقوقية، عبروا عن قلقهم من استمرار ملاحقة الشباب القاصر، مؤكدين أن الأطفال والمراهقين يجب أن يخضعوا لإجراءات خاصة تراعي سنهم، بما يضمن حماية حقوقهم وحقهم في التعليم والحياة الطبيعية دون خوف من العقاب، ويعتبرون أن متابعة القصر في قضايا مرتبطة بالتعبير عن الرأي أو المشاركة في احتجاجات سلمية تمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي لحقوق الطفل. بالإضافة إلى ذلك، يرى المراقبون، أن هذه الأحكام تأتي في سياق تراجع الحريات العامة في المغرب، وهو ما ينعكس في تضييق المجال أمام الاحتجاجات السلمية وحرية التعبير، في وقت يتطلع فيه الشباب إلى فرص أفضل للعمل والمشاركة في صنع القرار. ويؤكد خبراء حقوقيون، أن الحل الحقيقي للأزمات الاجتماعية في المغرب لا يكمن في القمع، بل في فتح حوار جاد وفعّال مع الشباب والاستجابة لمطالبهم المشروعة بما يضمن التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة.
أ.ر






