أرعب فرنسا وهو في سجنه

أحمد زبانة.. الشهيد الذي لم ترعبه المقصلة

أحمد زبانة.. الشهيد الذي لم ترعبه المقصلة

ولد أحمد زبانة سنة 1926 بزهانة بولاية معسكر، وعلى بعد 32 كم من وهران، وهو أول من نُفذ عليه حكم الإعدام بالمقصلة إبان ثورة التحرير في سجن سركاجي.

ونشأ وسط عائلة مكونة من ثمانية أطفال وهو تاسعهم، وكان والده يعمل في مجال الفلاحة، وعندما كان في الثانية من العمر فقط، غادرت عائلته قرية جنان مسكين، ليستقر بوهران بعد أن جردت الإدارة الفرنسية والده من أرضه مثله مثل آلاف الجزائريين. ودخل الشهيد الرمز زبانة، المدرسة الابتدائية باللغة الفرنسية، ولما تجاوز هذا المستوى الدراسي غير المسموح به للجزائريين فقد طرد من المدرسة، وبعد طرده التحق بمركز التكوين المهني، حيث تخرج من معهد للتكوين بحي _قرقينطاس بشهادة في التلحيم. وانضمام أحمد زبانة للكشافة الإسلامية الجزائرية، كان له دور في نمو الروح الوطنية في عمق ذاته، زيادة على شعوره بما كان يعانيه أبناء وطنه من قهر وظلم واحتقار. كما انضم لصفوف الحركة الوطنية عام 1941، وتطوع زبانة لنشر مبادئ الحركة وفضح جرائم الاستعمار الفرنسي. وبصفات القائد التي كان يمتلكها وشجاعته وإرادته، وبعد أن أثبت أهليته في الميدان العملي اختارته المنظمة السرية (الجناح العسكري) ليكون عضوا من أعضائها، وتمكن من تكوين خلايا للمنظمة بالنواحي التي كان يشرف عليها، وقد شارك زبانة في عملية البريد بوهران عام 1950.

وازداد نشاط زبانة السياسي وتحركاته ممّا أثار انتباه السلطات الاستعمارية التي ألقت القبض عليه وحوكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبالنفي من المدينة لمدة ثلاث سنوات أخرى قضاها ما بين معسكر ومستغانم والقصر. وبمجرد إطلاق سراحه، استأنف زبانة أنشطته السياسية بنفس القدر من الحماس وشارك في الاستعدادات لإطلاق ثورة التحرير المظفرة، فبعد حل اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 5 جويلية 1954، عيّن زبانة من قبل العربي بن مهيدي مسؤولاً على ناحية وهران وكلفه بالإعداد للثورة بما يلزمها من ذخيرة ورجال. وتجسيدا للأوامر التي أعطيت له كان اجتماع زهانة الذي جمعه بعبد المالك شعبان، وقد حدّدت مهام زبانة بعد هذا الاجتماع هيكلة الأفواج وتدريبها واختيار العناصر المناسبة وتحميلها مسؤولية قيادة الرجال وزيارة المواقع الاستراتيجية لاختيار الأماكن التي يمكن جعلها مراكز للثورة. ونجح زبانة في تكوين أفواج كل من زهانة، وهران، عين تموشنت، حمام بوحجر، حاسي الغلة، شعبة اللحم، السيق. وكلف هذه الأفواج، بجمع الاشتراكات لشراء الذخيرة والأسلحة، وأشرف بمعية عبد المالك رمضان على عمليات التدريب العسكري وكيفيات نصب الكمائن وشن الهجومات وصناعة القنابل. وفي الاجتماع الذي ترأسه العربي بن مهيدي بتاريخ 30 أكتوبر 1954 تم تحديد تاريخ اندلاع الثورة بالضبط وتحديد الأهداف التي يجب مهاجمتها ليلة أول نوفمبر. وفي 31 أكتوبر 1954، عقد زبانة اجتماع بأفواجه تم خلاله توزيع المهام وتحديد الأهداف وتحديد نقطة اللقاء بجبل القعدة.

وبعد تنفيذ العمليات الهجومية على الأهداف الفرنسية المتفق عليها، اجتمع زبانة مع قادة وأعضاء الأفواج المكلفة بتنفيذ العمليات لتقييمها والتخطيط فيما يجب القيام به في المراحل المقبلة. وفي 4 نوفمبر 1954، شنّ أحمد زبانة هجومًا على مركز لحراس الغابات بهدف الاستيلاء على أسلحتهم، أسفرت عن مقتل أحد الفرنسيين، وحينها، باشرت السلطات الاستعمارية عملية مطاردة حقيقية بحثًا عن مرتكبي هذه العملية. ومن العمليات الناجحة التي قادها زبانة هي عملية “لاماردو” في 1 نوفمبر 1954، ومعركة غار بوجليدة في 11 نوفمبر 1954 التي وقع فيها أحمد زبانة أسيرا بعد أن أصيب برصاصتين، حيث نقل إلى المستشفى ثم إلى سجن وهران. فبعد أسبوع من اندلاع الكفاح المسلح، وبعد مقاومة بطولية، تم اعتقال الشهيد في “غار بوجليدة” بدوار القعدة بولاية معسكر، حيث اختبأ فيه مع عشرات المجاهدين، ونُقل وسُجن على الفور في وهران أين حكمت عليه المحكمة بالإعدام في 21 أفريل 1955 وتم رفض جميع طلبات العفو المقدمة. وفي 3 ماي 1955 نقل زبانة إلى سجن برباروس بالجزائر العاصمة، وقدم للمرة الثانية للمحكمة لتثبيت الحكم السابق الصادر عن محكمة وهران، ومن سجن برباروس نقل زبانة إلى سجن سركاجي. وفي يوم 19 جوان 1956 في حدود الساعة الرابعة صباحا أخذ زبانة من زنزانته وسيق نحو المقصلة وهو يردّد بصوت عال أنني مسرور جدا أن أكون أول جزائري يصعد المقصلة، بوجودنا أو بغيرنا تعيش الجزائر حرة مستقلة، ثم كلف محاميه بتبليغ رسالته إلى أمه. وجاء في الرسالة: “فإن أصابني أي شيء فلا تظنوا أن كل شيء انتهى فإنما الموت في سبيل الله حياة أبدية، والموت في سبيل الوطن واجب، وقد أديتم واجبكم، حيث ضحيتم بأعز مخلوق لكم، فلا تبكوني بل افتخروا بي”. كما صرخ الناشط الشاب، البالغ من العمر 30 سنة آنذاك قائلا “فخور بكوني أول من صعد على هذه الآلة”. وكان لهذه العملية صداها الواسع على المستوى الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الخارجي أبرزت الصحف، صفحاتها الأولى صورة زبانة وتعاليق وافية حول حياته. أما داخليا فقد قام في اليوم الموالي أي 20 جوان 1956 جماعة من المجاهدين بناحية الغرب الجزائري، بعمليات فدائية جريئة كان من نتائجها قتل سبعة وأربعين عميلا وإعدام سجينين فرنسين. وليلة 19 جوان 1956 على الساعة الرابعة صباحاً وقت تنفيذ الحكم، اقتيد إلى المقصلة صرخ صرخته الخالدة: “أموت وتحيا الجزائر”. ولمرتين، سقطت قاطعة آلة القتل الرهيبة ولكن النصل بقي عالقا على بعد سنتيمترات من رقبة الشهيد وكما من المفروض، وكما يعمل به في كل دول العالم في مثل هذه الحالات، أن يلغى حكم الإعدام ويستبدل بالسجن مدى الحياة. غير أن الحال لم يكن كذلك بالنسبة لزبانة، فمحاولة ثالثة وأخيرة أنهت حياته ليستشهد لكي تحيا الجزائر.