طوى الجزائريون أولى أسابيع رمضان وسط تذمر واستياء شديدين طبعا كامل أيامهم التي لم تكن بردا وسلاما على جيوبهم، حيث تربع هذا الانزعاج على منصات مواقع التواصل الاجتماعي بنفس حدة المنشورات التي تتحدث عن الفساد السياسي بسبب أسعار السلع الاستهلاكية غير المنطقية التي فرضت عليهم، وحرمتهم من حقهم في قضاء أسعد شهر لديهم ضمن إطاره الروحي ورفعوا شعارات لأجل المقاطعة.
وفي هذا الصدد، دعا بعض المواطنين إلى متابعة قضائية للواقفين وراء هذه الظاهرة بعدما قللوا من شأن وزارة التجارة التي قالوا إنها كانت تغرد خارج السرب بتهديداتها للمضاربين تارة وتطميناتها للمستهلكين تارة أخرى، بما أن مافيا السوق ورغم كل الحديث الذي قيل عنها، فرضت منطقها وأجبرت المستهلكين على اقتناء الخضر والفواكه بأسعار تتجاوز قدرتهم الشرائية وسقطت في الماء كل التدابير التي وضعتها الوزارة الوصية بمعية شركائها الاجتماعيين وحتى الخبراء الذين وقفوا مصدومين أمام حقيقة واحدة وهي أن الفساد متجذر في قطاعات كثيرة كادت تفلت من القبضة الشعبية لولا الوخزة التي تلقوها مع الشهر الفضيل الذي تزداد فيه المصاريف
ويكثر الطلب على المواد الاستهلاكية.
ارتفاع الأسعار يصدم الصائمين ويلهب جيوبهم
عرفت جل أسعار الخضر والفواكه وكذا اللحوم بأسواق العاصمة ارتفاعا ملفتا في أولى أسابيع رمضان، خلافا للاعتقاد الذي ترسخ قبل أيام لدى كثير من المواطنين الذين اطمأنوا للتصريحات التي أطلقتها وزارة التجارة بشأن التدابير المتخذة للتحكم في سير الأسواق، ومعها تداعيات الحراك الشعبي الذي استطاع وضع حد لكثير من المتورطين في الفساد الذين أقحموا المال الفاسد في التعاملات التجارية فنخروا فيه لدرجة طال فيها حتى القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من الجزائريين ممن يتعذر عليهم مسايرة هذا الارتفاع لقلة مدخولهم، حيث وفي جولات سريعة إلى عدد من الأسواق على غرار بئر خادم وعلي ملاح وغيره، لمسنا حقيقة هذا الارتفاع الذي استقبل به التجار شهر الرحمة، حيث بلغ سعر البطاطا 70 دينارا للكيلوغرام الواحد، والبصل 75 دينارا، فيما سجل سعر الطماطم 120 دينارا، والخيار بـ 130 دينارا، أما اللوبية الخضراء فقد بلغ سعرها 260 دينارا والكوسة بـ130 دينارا، والبسباس واللفت بلغا 100 دينار، فيما وصل سعر الجزر 90 دينارا، و”الكرافس” 200 دينار والزيتون الأخضر 450 دينارا، الزيتون الأسود 400 دينار، وتراوح سعر التفاح والتمر ما بين 650 -800 دينار للكيلوغرام الواحد، والموز بـ 280 دينارا، فيما شهدت أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعا جنونيا مقارنة بالسعر الذي حددته وزارة التجارة، حيث يتم بيع لحم الغنم بـ1600 دينار الواحد، ولحم البقر بـ1400 دينار. ونفس الأمر بالنسبة إلى المنتجات الأخرى الرئيسية في شهر رمضان، كالفواكه المجففة والتوابل، فمثلا الزبيب بلغ 1400 دينار، الخوخ المجفف 900 دينار، المشمش المجفف 1400 دينار، الفول السوداني 450 دينار. وبذلك لم يحترم التجار السعر المرجعي الذي حددته وزارة التجارة وسجلوا ارتفاعا بلغ نسبته 50 بالمائة مستفيدين من تعليق أعوان الرقابة وقمع الغش لنشاطهم إلى حين النظر في لائحة المطالب الاجتماعية والمهنية المرفوعة لدى وزارة التجارة.
المضاربون والمحتكرون يستثمرون في غياب الأسواق الجوارية
نجح المضاربون والمحتكرون للسلع الاستهلاكية في فرض منطقهم على المستهلكين وعلى وزارة التجارة، رغم التهديدات الكثيرة التي أطلقتها هذه الأخيرة قبيل حلول الشهر الفضيل والتي توعدتهم فيها بعقوبات قاسية تصل حد إغلاق محلاتهم، حيث سيحال كل متعامل يضبط بصدد التخزين بغرض المضاربة على العدالة، وفي هذا الإطار تم إصدار تعليمة جديدة لتفريغ جميع المخازن من كل السلع بغية الحد من المضاربة في أسعار المواد الغذائية، حيث ستكون هناك فرق تسهر على عمليات تصريف المخزون على جميع المستويات.
وكان وزير القطاع قد أعلن قبل أيام عن إطلاق تطبيق في الهاتف الجوال تحت تسمية “أسواق” يحدد من خلاله موقع الأسواق بالعاصمة والأسعار المطروحة فيها، في انتظار تعميم التطبيق على باقي ولايات الوطن.
هذه الإجراءات سرعان ما تبين أنها مجرد قرارات لم تمتد فعاليتها لتمس الواقع المعاش، بما أن المضاربين تحكموا في أداء الأسواق وفرضوا أسعارا بعيدة كل البعد عن متناول الكثير من العائلات التي ساءها أن تحرم من اقتناء كثير من المواد وتكتفي بالقليل الذي لا يمكنها من قضاء هذا الشهر كما رسمت له.
وحسب متابعين للشأن الاقتصادي، فإن السبب الرئيسي في استمرار تغوّل المضاربين والمحتكرين وإرباكهم لحياة المواطنين المغلوبين على أمرهم، لاسيما في المواعيد الهامة على غرار شهر رمضان رغم التدابير المتخذة كل موسم واستمرار الحكومة في تشديد لهجتها إزاءهم وتهديدهم بعقوبات صارمة، هو افتقار كثير من البلديات لأسواق جوارية كفيلة بامتصاص الغلاء وتفعيل دور المنافسة الغائب الأكبر في المعاملات التجارية بالعاصمة التي لا تتوفر إلا على سوق جملة واحد وهو سوق الكاليتوس الذي يموّل حتى الولايات المجاورة، مقابل الافتقار إلى أسواق محلية تخفف الوطأة على الكثيرين.
أعوان الرقابة ووكلاء سوق الجملة يعلقون نشاطهم في أولى أسابيع رمضان
ساهمت الاضرابات والاحتجاجات التي شنها موظفو وزارة التجارة ممثلين في أعوان الرقابة وقمع الغش بمعية وكلاء سوق الجملة بالكاليتوس في تكريس الغلاء والفوضى على مستوى أسواق العاصمة، التي عرفت ارتفاعا كبيرا في أسعار الخضر والفواكه واللحوم وحتى المواد الغذائية كثيرة الاستهلاك في الشهر الفضيل، حيث نظم أعوان ومفتشو الرقابة التجارية، وقفات احتجاجية رافضين العمل في الظروف الحالية ومساندين المطالب التي رفعتها نقابات القطاع لوزارة التجارة، وانتفضوا ضد تماطل الوزارة في تلبية مطالبهم المرفوعة منذ أكثر من 10 سنوات، مرددين جملة من الشعارات خلال الأيام التي سجلوا فيها الوقفات الاجتجاجية تلخصت في “أعوان غاضبون للأوضاع رافضون”، “لا محاضر لا رقابة حتى تسقط العصابة”، “يا للعار يا للعار وزارة بلا قرار”، “مفتش الرقابة يراقب الملايير ويتقاضى الدنانير”.
وطالبوا بالإفراج عن المراسيم التنفيذية المتضمنة للنظام التعويضي والقانون الأساسي والتكوين الفعلي لموظفي القطاع، بالإضافة إلى تبيان كيفية تحسين منحة صندوق المداخيل التكميلية بصفة رسمية، محذرين من الزج بهم في الميدان في ظل هذه الظروف حفاظا على سلامتهم المعنوية والجسدية، كما اعتبروا أن تسخير القوة العمومية لمرافقتهم في كل الخرجات غير ممكن نظرا لكثرتها والعدد الكبير لفرق التفتيش، داعين إلى حل جميع المشاكل وعدم مطالبة مفتشي الرقابة من طرف المسؤولين بتحرير أكبر عدد ممكن من المحاضر.
من جانبهم، أقدم قرابة 100 وكيل تجاري بسوق الجملة بالكاليتوس على الاحتجاج، بداية من أول أيام رمضان، تنديدا بطريقة تسيير مسير السوق، وطالبوا بإقالته فورا، وهي العوامل التي عززت من هيمنة ظاهرة المضاربة والاحتكار، وبالتالي استمرار موجة ارتفاع الأسعار وسط عجز كلي من الوزارة التي أخذت أمام هذه التطورات دور المتفرج في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة.
وزارة التجارة تفشل في مهمتها أمام التقليد الموروث في طريقة التسيير
قبل أيام طمأن وزير التجارة سعيد جلاب، الجزائريين بتوفير كل الضمانات اللازمة لتسويق المنتوجات الاستهلاكية بالأسعار المتفق عليها مع كل الفاعلين، وأن التجار ملزمون باحترام أسعار الوزارة، مؤكدا بأنه تم اتخاذ كل الإحتياطات اللازمة لتجسيد ذلك، لكن هذه الوعود يبدو أنها ستجانب الواقع هذا العام أيضا، فأسعار جميع المنتجات في منحى تصاعدي، في أولى اسابيع رمضان، مع خيبة أمل كبيرة للمستهلكين الذين يستعدون لاستنزاف جيوبهم ككل عام، حيث سقطت تدابير الوزارة في الماء وفشلت قراءتها التي استندت إليها للسيطرة على السوق باعتمادها أسعارا مرجعية للخضروات وبعض الفواكه المصنفة في خانة المواد واسعة الاستهلاك تحسبا للشهر الفضيل، حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن ورغبة في ضرب المضاربين، تشمل ستة أنواع من الخضر وفاكهة الموز إلى جانب اللحوم.
منظمة حماية المستهلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه واتحاد التجار يتهم السلطات المحلية
وضعت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك خلية استماع ومتابعة تحت تصرف المواطنين للتبليغ عن تجاوزات التجار للأسعار المرجعية المحددة خلال رمضان، وذلك بغية تصحيحها من قبل الجهات الرقابية المختصة، حيث أن خطة الطريق الموضوعة تتضمن معاقبة كل من يتجاوز السعر المرجعي بتهمة المضاربة خلال شهر رمضان، وذلك لنقل التجاوزات الملحوظة وإخبار الجهات الرقابية المختصة بالعمل على إيقافها وتصحيحها، ولكثرة هذه التجاوزات وتعميمها على أغلب التجار، فلم يجد المستهلك الاستثناء الذي على أساسه تقام الحجة.
من جانبه، اتهم رئيس جمعية التجار والحرفيين حاج طاهر بلنوار المجالس الشعبية المحلية بالفوضى الحاصلة في الأسواق والعجز في التحكم في الأسعار خلال شهر رمضان بسبب إهمالها لدورها الأساسي في التكفل بمشاكل التجار الصغار الذين لم يجدوا محلات يزاولون فيها نشاطهم، لتنصل المسؤولين عن مسؤولية تأمين محلات الرئيس والأسواق الجوارية بالأساسيات بتمديدها بشبكات المياه والكهرباء وقنوات الصرف مع إدماج الباعة الفوضويين الذين لم يستطيعوا تغطية العجز لعدم قانونية ممارساتهم التجارية وإمكانية تهديدهم لصحة المستهلك في مقابل تكفل المضاربين بتعويض هذا النقص، وفق ما تقتضيه مصلحتهم وجشعهم إلى تحقيق الربح السريع.
روبورتاج: إسراء. أ