في يومهم العالمي

أطفال “السوشيال ميديا”… ضحايا استغلال وانتهاك الخصوصية

أطفال “السوشيال ميديا”… ضحايا استغلال وانتهاك الخصوصية

يربح “المؤثرون الأطفال” في جميع أنحاء العالم مئات الآلاف، وربما ملايين الدولارات لوالديهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن السهل على الآباء فتح هذا الباب للدخل، إذ عليهم فقط فتح حساب على وسائل التواصل الاجتماعي وملئه بالصور ومقاطع الفيديو لجميع الحركات اللطيفة التي يؤديها أطفالهم، وعندما يكتسب الآباء ما يكفي من المتابعين، فإنهم يفتحون الباب للربح بترويج بعض العلامات التجارية.

 

استغلال وتعدي على الحقوق

يعتبر البعض استغلال الأطفال للشهرة والكسب المادي على مواقع التواصل الاجتماعي هو أحد صور الإساءة للطفل. فمع انتشار ظاهرة الشهرة ومشاركة الحياة اليومية والنشاطات المختلفة مع المتابعين، أصبح البعض يرى في أطفالهم مصدراً للشهرة لما لديهم من قوة تأثير على الناس لبراءتهم وعفويتهم، وعندما نقرأ عن استغلال الأطفال يذهب تفكيرنا إلى شخص غريب قد استغل طفلا ما في أعمال سيئة دون علم الأهل، ولكن هنا الأمر مختلف لأن من يستغل الأطفال هم الأهل أنفسهم، تماما كما حصل مع “نهار” ذي الخمس سنوات، ابن الفاشينيستا السعودية “نجلاء عبد العزيز” التي نشرت مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في الأول من شهر فيفري للعام 2021، وهي تقوم بتصوير ابنها بالقوة، طالبة منه أن يقوم ببعض الحركات على الرغم من اعتراضه وعدم رغبته بالتصوير إلا أنها لم تراع رغبته وظلت مصرة على أن تصوره لينخرط بعالم الشهرة.

وتبين من خلال الفيديو أنها ليست المرة الأولى التي تجبره على التصوير، وقد أبدى انزعاجه من الأمر حين قال إنه لا يريد أن يصبح مشهوراً لأن الناس يمسكونه من وجنتيه عند رؤيته. كما قامت صفحة “زقرتي نيوز” بنشر فيديو للطفل “نهار” على انستغرام وحصد 146,687 مشاهدة و550 تعليقا عليه. وتم تداول الصور ومقاطع الفيديو من قبل النشطاء، وحصد 200,000 مشاهد على يوتيوب خلال أسبوعين، ما تسبب بهجوم عنيف على نجلاء واتهمت بجنون الشهرة واستغلالها الأطفال بغاية تحقيق الشهرة.

 

أطفال “التيك توك”.. أين براءتهم؟

أسماء كثيرة لأطفال بعضهم لا يتعدى 8 سنوات، اشتهروا مؤخرا على “التيك توك”، و”اليوتيوب”، وتفاقم استغلالهم من طرف عائلاتهم، في إضحاك الغير، أو إبهارهم بالكلام وبعض التصرفات، أو بعض المواهب، حيث تطور الأمر عند بعضهم إلى تقمص شخصيات لا تتناسب مع سنهم، كما وصل بهم ذلك إلى التزين بـ ”المكياج” وألبسة الكبار في سعي واضح لجلب أكبر عدد من المشاهدات والمتابعين دون الالتفات للوسيلة، فالمهم هنا هو تحقيق أعلى الأرقام. ودون الاكتراث لعواقب استغلال الأطفال الذي يهدد استقرارهم النفسي والاجتماعي، وقد يصل الأمر إلى أن يفقدوا براءتهم من خلال استغلالهم جنسيا من قبل الآخرين، أو التنمر عليهم من قبل أصدقائهم بسبب الفيديوهات. ومن هنا تبدأ الاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى انخفاض تقدير الطفل لذاته وعدم الشعور بالاستقلالية، مما قد يعرضه للاضطراب النفسي ومن أعراضه: الأرق، صعوبة في التركيز، فقدان الراحة، والقلق، أو الغرور والنرجسية.

ويعتبر المختصون أن القيام باستغلال الأطفال من قبل الأهل هو اعتداء عليهم، فمن أجل تحقيق غاية الشهرة يقومون بهذا الاعتداء بحق أطفالهم دون أن يعلموا مخاطر الأمر. أيضاً بالرغم من إذا كان هناك رغبة للطفل بالشهرة فقد يصل إلى وقت لا يتحمل هذا الضغط وعالم الشهرة والأضواء، ففي بلاد الغرب مثلاً منهم من توفوا “over dose” لعدم تحملهم الشهرة في عمر صغير، في حين لابد من الاعتراف بوجود نماذج لأطفال لم تؤثر عليهم الشهرة سلباً.

وبحسب التحليل النفسي لنشر صور الأطفال بطريقة إيجابية وطبيعية من دون تعريضهم للإساءة، كنشر الأمهات فيديو عن كيفية تربية أطفالها أو كيف تقضي النهار معهم، مثل عارضة الأزياء اللبنانية “نور عريضة” التي تنشر فيديوهات طريفة لابنتها “آيلا”، هذا يظهر حب الذات والأنانية لدى الأهل لأنهم يستغلون أطفالهم ليشهروا من أنفسهم من خلال الطفل. وهكذا تصبح هناك علاقة تبادلية بين الأهل والطفل.

 

عبد الرحمن عرعار: “واقع الطفل تسيطر عليه بعض النقاط السوداء”

وحول هذا الموضوع، قال عبد الرحمن عرعار رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل ”ندى”، إن واقع الطفل تسيطر عليه بعض النقاط السوداء، رغم ما تم انجازه من مشاريع قانونية ووقائية لحماية الطفولة، حيث انتشرت حسبه، في الآونة الأخيرة، ظاهرة هروب القصر من عائلاتهم إلى الشارع، وخاصة المراهقات اللواتي يتعرضن للعنف الأسري والتحرش الجنسي واللواتي يعشن في وسط تعاطي المخدرات.

وأوضح عرعار، أن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي رغم إيجابياتها، إلا أنها باتت وسائل لدى البعض لاستغلال الطفولة، فهروب حوالي 200 مراهقة أغلبهن قاصرات، منذ الـ 3 سنوات الأخيرة، ساعد بعض العصابات في استغلالهن عبر “التيك توك”، أو في الدعارة.

ويعتبر رئيس شبكة “ندى”، أن هذا الاستغلال بمثابة اتجار بالبشر، محملا بعض العائلات مسؤولية تشجيع أطفالهم على الظهور عبر “التيك توك”، من أجل جني الثروة والمال والشهرة، وبالتالي فتح طريق الانحراف والضياع لأبنائهم.

وأكد عرعار أن شبكة “ندى”، أحصت منذ جوان 2022، قرابة 700 طفل تم استقبالهم ومرافقتهم لإيجاد الحلول الصحية والقانونية، والاجتماعية لهم، نسبة كبيرة منهم استغلوا في ترويج المخدرات أو التشهير على “التيك توك” و”اليوتيوب”.

وحذر عرعار، من زيادة العنف ضد الأطفال، ووقوعهم ضحية الأنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وإهمال عائلاتهم لهم وتركهم محل استقطاب واستغلال من طرف عصابات وشبكات تنشط عبر الوسائط الجديدة.

 

حقوقيون يدقون ناقوس الخطر

دق حقوقيون وجمعيات حماية الطفولة، ناقوس الخطر، حول تفاقم استغلال الطفولة على “التيك توك”، معتبرين ذلك كسرا حقيقيا

وتشويها كليا لعالم البراءة، وتسولا غير مباشر بالأبناء، ودعا هؤلاء إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من هذه الظاهرة، وحماية الأطفال من مثل هذه الممارسات.

وقال محامون إن القانون الجزائري يمنع مثل هذه التصرفات ويدخلها في خانة استغلال القصر وتحريضهم على الفسق، وذلك بحسب المادة 342 إلى المادة 358 من قانون العقوبات.

واعتبر اللجوء إلى تكوين محتوى عبر “اليوتيوب” و”التيك توك” باستغلال الأطفال، بمثابة تسول غير مباشر عن طريق الأبناء، لأن الهدف في الغالب هو جلب الثروة من عدد المشاهدات والإعجاب، حيث يقوم الطفل بلعب دور المؤثر، مبديا موهبته في الكلام أو التفكير والمواهب.

خاصة وأن الطفل في هذه المرحلة لا يدرك تبعات ما يفعل، وهو يقع تحت سلطة الشخص الذي يستغله لإظهاره عبر وسائط التواصل الاجتماعي، والذي في الغالب يكون الأب أو الأم أو أحد الأقارب، وقد يكون شخصا غريبا.

 

حياة مزيفة

وفي ذات السياق، يرى المختصون في علم النفس التربوي والتنمية الاجتماعية، بأن التشهير بالأطفال على “التيك توك”، أمور غير إيجابية تجعل من هؤلاء شخصيات مستقبلية غير طبيعية، وقد يندم هؤلاء بعد بلوغ سن الرشد على ما كانوا يقومون به من أجل الشهرة والتأثير على رواد منصات التواصل الاجتماعي.

فجلب الاهتمام والظهور المتكرر على “التيك توك“، يوقع الطفل في المبالغة للبحث عن التميز وأساليب التأثير القوي، وعندما لا يستطيع بعدها أن يحافظ على عدد المعجبين السابقين، يضطر إلى مجاراة وإرضاء الشريحة الأوسع من المتابعين، إلى درجة أن يصبحوا هم المؤثرين عليه، فينحرف إلى محتوى غير أخلاقي أو لا يتناسب مع عمره.

كما أن استغلال الأطفال على منصات التواصل الاجتماعي، خطر حقيقي يهدد مستقبل هذه الشريحة من الناحية النفسية والنمو الطبيعي لها، حيث تتولد لدى هؤلاء عقدة الشهرة، وقد يضيع مستقبله الدراسي، ولا يعيش طفولته.

وما يهدد الطفولة المستغلة على “التيك توك”، هو تقليدها للكبار من خلال “المكياج” والألبسة غير المناسبة لسنهم، والتي يتقمصون من خلالها شخصية متمردة، موضحا أن الحياة الطبيعية للطفل ينبغي أن يكون فيها مدح وذم وفشل ونجاح وخجل ونظرة إيجابية للحياة، و”التيك توك” يسرق منه كل هذه المميزات الطبيعية.

ل. ب