أحيا العالم، أمس، اليوم العالمي للطفولة، الذي جاء هذه السنة في ظروف جد صعبة وقاسية يعيشها أطفال غزة، يجعل الحديث عن أطفال العالم غير عادل، ففي الوقت الذي يحتفل فيه أطفال المعمورة بيومهم العالمي، يموت أطفال غزة أمام مرأى العالم.
يأتي الاحتفال باليوم العالمي للطفولة في وقت يتعرض فيه أطفال فلسطين عامة وفي غزة بشكل خاص لاستهداف شرس وممنهج من قبل آلة الدمار الصهيونية التي لم تتوانَ عن استخدام القوة المفرطة إزاء هؤلاء الأطفال العزل.
ويواجه الأطفال في الضفة الغربية والقدس وغزة، أنواعاً مختلفة من الانتهاكات لحقوقهم من طرف الاحتلال والتي لا تتوقف، بدءاً من الاعتقال والقتل ومرورا بالحرمان من الدراسة والتعليم بفعل الحواجز والمعابر ونقاط التفتيش وتدمير المدارس والحرمان من أبسط مقوّمات الحياة منها الغذاء والماء والدواء والحق في التطبيب، وهو ما يحدث في غزة منذ السابع أكتوبر الماضي، وذلك في إطار سياسة ممنهجة يتبّعها الكيان الصهيوني للقضاء على الوجود الفلسطيني.
صور صادمة وفاضحة لوحشية قوات الاحتلال
فضحت الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية والمتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، مدى الفظائع والشراسة التي يتعرض لها أطفال غزة الذين لم يسلم منهم حتى الرضع والخدج، حيث أصبحوا مركز استهداف مباشر من قبل قوات الاحتلال.
طفولة مُغتالة
أثّرت تلك الاعتداءات المتعددة الأشكال والأساليب على الصحة النفسية والجسدية لهؤلاء الأطفال، وقيدت حرياتهم و”اغتالت طفولة مئات الأطفال الفلسطينيين جرحاً وقتلاً واعتقالا وقضت على براءة أجيال كاملة جراء الحصار والعدوان المتكرر”، بحسب ما ذكرت بيانات وإحصاءات فلسطينية رسمية وحقوقية.
وفي ذات السياق، صرّح مدير “برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن أطفال فلسطين”، عائد أبو قطيش “أنّ أطفال غزة يواجهون أصنافاً عدة من الانتهاكات الصهيونية الخطيرة التي تنال من حقوقهم الأساسية كأطفال، وليس فقط الحق في الحياة، حيث يفتقر أطفال غزة للبيئة الآمنة نتيجة سنوات الحصار المتواصلة منذ نحو 17 عاماً، والتي تخللتها الكثير من حملات العدوان الصهيونية”، مشيراً إلى أنّ “سياسات الاحتلال العدائية شوهت حتى البيئة التي يفرض أن تكون آمنة كي ينشأ الطفل نشأة سليمة، يتمتع فيها بكافة حقوقه”.
من جهتها، أكدت الناشطة الحقوقية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مها الحسيني أنّ “الأطفال في غزة يعيشون صدمة مركبة وممتدة يزداد وقعها وآثارها خلال وبعد كل عدوان على القطاع”، ولعل صدمة العدوان الحالي والمستمر مند شهر أكتوبر من السنة الماضية “هو الأشرس من نوعه، وعليه يتوقع أن تكون آثاره “أشدّ وقعاً” على أطفال غزة، بحسب المنظمات الدولية المعنية بشؤون الطفولة.
واقع صحي مأساوي
المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، أشرف القدرة، أكد أن الأرقام المتعلقة بالإعاقات في صفوف الأطفال جراء الحرب تحتاج إلى وقت لرصدها، كون الإصابات يومية ومتواصلة، كما أن الوضع الميداني يصعّب عملية إحصاء الإصابات، ولهذا، فالأرقام التي سنذكرها المؤكد أنها ارتفعت لأن العدوان متواصل وفي كل ساعة هناك ضحايا جدد.
وأضاف: “الكثير من الإصابات تعتبر معقدة طبياً، وقد تؤدي إلى بتر فيما بعد، لذلك نقرر الإعاقة بعد استكمال كل التدخلات العلاجية والطبية الممكنة، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت، ولكن الأعداد ربما ستكون كبيرة”.
وتابع القدرة: “تبلغ نسبة الجرحى الكلية في قطاع غزة 67 ألف جريح، منهم 7000 جريح، وضعهم حرج وخطير، ومنهم ما نسبته 42% من الأطفال، أي ما يقارب 3000 طفل بحاجة إلى الخروج بصورة عاجلة للعلاج بالخارج”.
وأضاف: “يبلغ عدد الأطفال من النسبة الكلية للنازحين 900 ألف طفل، مناعتهم هشة وضعيفة وهم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض الموسمية والمعدية، وتم تسجيل 200 ألف حالة إسهال في صفوف الأطفال، وحوالي 700 ألف إصابة بالأمراض المعدية، حتى الأطفال الذين لم يولدوا يواجهون الخطر حيث أن لدينا 60 ألف سيدة حامل يعشن ظروفًا صعبة ومأساوية”.
وأشار القدرة إلى أن هناك ما يقارب 350 ألفاً ممن يعانون أمراضاً مزمنة، ومناعتهم هشة ومنهم مئات الأطفال، كما أن هناك 10 آلاف مريض سرطان في قطاع غزة بينهم أطفال.
17 ألف طفل دون ذويهم
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 12 ألف طفل لقوا مصرعهم منذ السابع من أكتوبر الماضي، كما أن هناك 7000 مفقود في القطاع، 70% منهم من الأطفال والنساء، بينما يعيش الأطفال ظروفاً مأساوية في مراكز الإيواء، في ظل الظروف الجوية الباردة، وانعدام مقومات الحياة كافة.
وحذَّر المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، من خطورة الوضع مع استمرار الحرب، وانعكاساتها، وقال: “آلاف الأطفال يعيشون ظروفًا إنسانية مأساوية بسبب الحرب، منهم من فقدوا أطرافهم، ومنهم من يعانون أمراضاً مزمنة”.
وأضاف الثوابتة: “يعيش قرابة 17 ألف طفل في قطاع غزة بدون ذويهم منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، فمنهم من استشهد والداه أو أحدهما، ومنهم من اعتقل والداه أو أحدهما، ومنهم من لا يزال والداه أو أحدهما في عداد المفقودين، إما تحت الأنقاض، أو أن مصيرهم ما زال مجهولاً نتيجة العدوان المتواصل”.
صدمات مستمرة منذ أزيد من 200
الخبير النفسي الدكتور محمد مرعي، شدد على أن ما يتعرض له الأطفال في قطاع غزة، “إبادة جماعية” بطرق مباشرة بالقصف المتواصل، أو بطرق غير مباشرة؛ بسبب الظروف المروعة والمأساوية، حيث يواجه الأطفال الموت أكثر من مرة.
وتابع: “الأطفال في غزة يعيشون صدمات مستمرة يوميا منذ أزيد من 200 يوم، لذلك فإن التأثيرات والأبعاد لهذه الصدمات تحتاج إلى وقت لكي يُقَاس مدى تأثيرها فيهم، ويمكن القول إن قطاع غزة سيكون بحاجة إلى تدخل نفسي عاجل بعد الحرب”.
ويشير الخبير النفسي إلى دور مؤثر للأمراض النفسية على إصابة الأطفال بأمراض عضوية، وقال: “ما يمكن تأكيده أن ردة الفعل تختلف من طفل إلى آخر، فبعض الأطفال تنعكس عليهم هذه الصدمات في صورة أمراض كالسرطان والسكري والضغط، ومن الممكن أن تنعكس على آخرين بأمراض نفسية وسلوكية اجتماعية، ومن الممكن أن ينجو بعضهم منها، وكل ذلك يعتمد على الطفل والظروف التي عايشها وصلابته النفسية، لكن الجميع في غزة بحاجة إلى دعم نفسي بكل تأكيد”.
مليون طفل بحاجة إلى دعم نفسي
من جهته، أكد عمار عمار المتحدث الإقليمي باسم اليونيسف، أن المنظمة تعمل مع شركائها لدعم الأطفال في قطاع غزة نفسياً، لكن ذلك ليس كافياً بسبب استمرار القصف.
وقال: “لا يمكننا أن نزيد عملياتنا، وأن نقدم الخدمات اللازمة لهؤلاء الأطفال الذين يعيشون واقعاً مأساوياً، بدون وقف إطلاق نار إنساني فوري؛ فلا يمكن لأي شخص في قطاع غزة أن يتمتع بالصحة النفسية دون الشعور بالأمان، والحصول على الخدمات الأساسية”.
ل. ب