منذ القديم، أحس الإنسان بضرورة تخليد الشخصيات التي أثرت في مجرى التاريخ بطريقة أو بأخرى، فاكتشف الكتابة والرسم والنحت، ومنه نحت التماثيل ليمنح عظماءه الخلود.
نحت التماثيل ثقافة متوارثة عبر الأجيال وموغلة في القدم، لعل أبرزها تماثيل الحضارة الفرعونية التي لازالت تخطف عقول الشغوفين لتاريخ الحضارات، لاسيما تلك التي ابتكرت العلوم وساهمت في تطوير حياة الإنسان عبر الزمن.
لقد استمر نحت التماثيل كثقافة أصيلة لها وزنها، وها هي الجزائر التي لم تتوان يوما عن تخليد أبطالها الذين ثاروا لأجل حريتها، تعود مجددا لتكريم بطل من أبطالها الذين دافعوا عنها ضد المستعمر الغاشم.
وتناقلت وسائل الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي عن والي وهران، قرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بتشييد تمثال للأمير عبد القادر الجزائري (1808-1883م)، رمز من رموز الوطنية والمقاومة الشعبية، بارتفاع يبلغ 42 مترا (أعلى ارتفاع في العالم ربما) وتكلفة قدرها 120 مليار سنتيم، وهو الأمر الذي أثار حفيظة أعداء الوطن الذين اتخذوا هذه الخطوة ذريعة للاستمرار في التطاول على الرموز التاريخية لهذا الوطن العظيم بتضحيات شعبه على مدار العصور وكفاحه ضد أي مستعمر غاشم.
إن معرفة الفرد لتاريخ بلده يجعله يُقدِّر جيدا أن ثمن الحرية التي يتنعم في ثناياها اليوم كان غاليا، فدراسة التاريخ دون إحساس تجعله جافا بلا روح، لهذا ينبغي لمن يريد الغوص فيه أن يتحلى بالروح الوطنية الكفيلة بإثارة الغيرة على الوطن، ويكفي أن هذه الأجيال التي عايشت ثورات الربيع العربي وترى ما يحدث لشعب فلسطين والصحراء الغربية المحتلين حتى يرى مدى بشاعة الاستعمار والظلم المسلط على الشعوب المحتلة، ومنه هل من السهل أن نطلب من هذه الشعوب نسيان ما حدث ببساطة أو أن نستكثر تكريم بطل من أبطال مقاومتها؟
إننا بذلك نكون جحودين للتضحيات التي قدمت من أجل أن نعيش في وطن مستقل حر ذي سيادة.
لهذا لابد أن نصغي لصوت العقل الذي يجب أن يرفض أي تشويه لأبطال المقاومة الجزائرية، وتلك التي تنادي بأننا لم نكن أمة قبل مجيء المستعمر.
يعد الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة التي أسسها على قواعد حديثة سابقة لعصرها، وهو شخصية بارزة في تاريخ الجزائر والبشرية جمعاء كقائد عسكري فذ ورمز للنضال والشجاعة التي قاوم بها الاستعمار والظلم طيلة ستة عشر سنة إلى حين اتفاقية دي ميشيل.
بعدها تم نفيه إلى فرنسا أسيرا ثم مرورا بتركيا استقر بدمشق أين عاش مناضلا وشاعرا متصوفا على خطى معلمه الأكبر الشيخ محيي الدين بن عربي الذي طلب أن يدفن إلى جانبه بعد وفاته.
“طوشة النصارى” معركة احتضنت أثناءها منازله ومنازل معارفه 15000 ألف مسيحيا فارين من الدروز، موقف كتب اسمه في تاريخ الإنسانية بحروف من ذهب، فقد انهالت عليه الأوسمة والنياشين من أبرز قادة العالم وشيدت قرى ومنشآت باسمه ولا يزال محرك البحث غوغل يحتفي بعيد ميلاده ووفاته وكل تاريخه.
إن شخصية تحمل رمزية السلم والتسامح العقائدي، شخصية عالمية كشخصية الأمير عبد القادر لا يمكن أن تخلد إلا بتمثال يليق بهذا البطل العظيم.
ب-ص



