أمام تمسك الشعب بمطالبه والمخاوف من الفراغ المؤسساتي… المسار الدستوري الحل الآمن لأزمة الجزائر

أمام تمسك الشعب بمطالبه والمخاوف من الفراغ المؤسساتي… المسار الدستوري الحل الآمن لأزمة الجزائر

الطبقة السياسية.. عين على الحراك وأخرى على الرئاسيات

الجزائر- تسارعت الأحداث في الجزائر، خلال الأسبوع الماضي، بتولي رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة بموجب المادة 102 من الدستور، لكن المطالب الشعبية كانت تتجاوز مجرد تعيين رئيس للدولة بوجه من أرشيف السلطة إلى ضرورة رحيل جميع رموز النظام، وصدح بذلك المتظاهرون في جمعة الحراك الثامنة، ما وضع البلاد أمام خيارين أحدها دستوري والآخر سياسي.

ولم تتمكن الإجراءات السريعة التي أعلن عنها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح الخاصة منها تأسيس لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات واستدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية التي تم تحديد موعدها في 04 جويلية المقبل، من كبح جماح الحراك الشعبي الذي أخرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشارع للمطالبة بتغيير الوجوه السابقة في السلطة التي يراها سببا مباشرا في تأزم الوضع في البلاد.

وأمام تمسك الشعب بتحقيق مطالبه ورفع سقفها بمرور الوقت، بغض النظر عن الإجراءات دستورية كانت أم سياسية واستمرار الاحتجاجات، تقف الجزائر بين خيارين، ففيما يطالب المتظاهرون بضرورة رحيل رؤساء مجلسي الأمة والدستوري والحكومة، يتمسك الجيش بالدستور الذي ينص على تولي رئيس مجلس الأمة حال فراغ منصب الرئيس.

ويطرح سياسيون وخبراء في القانون الدستوري جملة من الحلول الممكنة، حيث قال إبراهيم بولحية، القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، إن استمرار التظاهرات، يشير إلى رغبة الشارع في تنفيذ كافة مطالبه خارج إطار الدستور، إلا أن المؤسسة العسكرية اقترحت حلا يمكن أن يعبر بالجزائر إلى جمهورية جديدة، ينال رضا المواطن، وهو في إطار الدستور الجزائري.

 

بولحية: المؤسسة العسكرية ليست في صراع مع الشعب

وأوضح بولحية في تصريحات خاصة نقلتها وكالة “سبوتنيك”، أن الجيش يفضل هذا المسار حتى لا يحدث أي فراغ، كما حدث في بعض الدول التي لازالت تعيش حالة من الفوضى والحرب، في ظل تدخلات خارجية، وأن الجزائر في مرمى مطامع بعض الدول التي تحاول التدخل في الشؤون الداخلية، وتلوث المطالب الشعبية، مشيرا إلى أن الشباب يعي المخاطر التي تحوم حول الجزائر، وأن السيناريو الأفضل حاليا هو التوجه نحو مسار الانتخابات حسب الخريطة المعلنة، وأن استمرار التظاهرات لن يعيق الخارطة التي أعلن عنها الجيش.

وشدد على أن المؤسسة العسكرية ليست في صراع مع الشعب، بل لديها وجهة نظر تؤكد ضرورة التمسك بالدستور، لتنفيذ المناخ الملائم للانتخابات الرئاسية، وأن عبد القادر بن صالح مجرد واجهة لتنفيذ الدستور، كما أنه ليس لديه أي صلاحيات تتعلق باتخاذ قرارات تتعلق بمصير الشعب الجزائري، وأنه لا يملك تعيين أو عزل أي شخصيات في الدولة.

وأدى انقسام الساحة السياسية بين مؤيد للحل الدستوري ومرافع لحل سياسي يدعو للتوجه إلى خيار مجلس انتقالي أو مجلس تأسيسي، إلا أن أصحاب الحل والربط رجحوا الحل الدستوري.

 

بن عبو: الحل الدستوري واضح وله مراحل ويتم في هدوء

وهو ما ذهبت إليه الأستاذة في القانون الدستوري، فتيحة بن عبو، التي ترى في هذا الخيار وتحديدا المادة 102 الأنجع بالنسبة للجزائر، وتبرر رأيها بأن الحل الدستوري واضح وله مراحل ويتم في هدوء، ويختلف عن الحل السياسي الذي فيه خياران يتمثلان في الذهاب إلى مجلس انتقالي مثلما حدث عام 1992، خيار لم يكن موفقا حسبها أو “مجلس تأسيسي يترتب عنه حل كل المؤسسات”، كما أن “الحل السياسي يؤدي إلى الفوضى ومنها إلى العنف”.

والواقع يشير إلى أن الحراك الشعبي يؤيد الحل الدستوري كلية إنما رفض تطبيق الفقرة التي تتيح لرئيس مجلس الأمة قيادة المرحلة الانتقالية، كما أيدت بعض أحزاب المعارضة وتحديدا قوى التغيير الحل بدعوتها لتطبيق المادة 102 مرحبة بالحل الدستوري، وقدمت مقترحات تخص إما المبادرة بهيئة رئاسية أو بشخص شرط أن يحظى بقبول شعبي كحل بديل لرفض بن صالح.

 

الباحث خالد شبلي: توجد حلول سلمية دستورية حضارية

ويطرح خالد شبلي، الباحث في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية بكلية الحقوق في جامعة باجي مختار بعنابة، مجموعة من الحلول الدستورية للخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر عبر الاستثمار في رأسمال الحراك لإرساء “سيادة شعبية حقيقية”، تؤسس لسلطة جديدة أكثر تواؤمًا واستجابةً لمطالب الشعب المشروعة.

ويؤكد الباحث أنه توجد “حلول سلمية دستورية حضارية، ذلك أن الحراك الشعبي يرفض العنف بكل أشكاله، ويُؤمن بالحلول السياسية التوافقية، تتمثل في التوجه نحو تكريس ضمانات حقيقية للتحول الديمقراطي، ومن هاته المؤشرات ذهاب جميع الحروف الهجائية المرتبطة بالفساد السياسي والمالي، وفي مقدمتهم “الباءات الأربعة” قبل الاحتكام إلى “الصندوق”، ودون فراغ مؤسساتي أو شغور دستوري، أو إعطاء مساحات لثورات مضادة.

وفي هذا الإطار، اقترح خالد شبلي، مجموعة من الخطوات منها تعيين الثلث الرئاسي في مجلس الأمة واستقالة عبد القادر بن صالح بعد تعيين الثلث الرئاسي لمجلس الأمة بشخصيات وكفاءات وطنية، ومن هؤلاء الشخصيات الوطنية يتم انتخاب رئيس جديد لمجلس الأمة.

وفي  الوقت نفسه، يتوجب – بحسب الباحث- على رئيس المجلس الدستوري أن يقدم استقالته استجابة لمطالب الحراك الشعبي ملتزمًا بـــ”ثقافة رجل الدولة”، ولرئيس الدولة في هاته الحالة تعويضه بشخصية قانونية محايدة، ثم استقالة الحكومة الحالية، وتعويضها بحكومة توافقية انتقالية حيث أن الدستور الجزائري وفقًا للفقرة الأولى من المادة 104 من الدستور، لا يسمح بتعديل أو إقالة الحكومة في هذه الظروف، ولكن يمكن لها أن “تستقيل” إذا أخذنا بحرفية النص، وبالتالي يمكن لرئيس الدولة أن يقوم بتعيين “حكومة انتقالية جديدة”، لسد الفراغ المؤسساتي في هاته الحالة، بمقتضى مبدأ استمرارية سير المرافق العامة،  ولكن قبل ذلك باستصدار فتوى دستورية عن طريق آلية الإخطار التحفظي و/أو التفسيري، لأن الحكومة الحالية تفتقد للشرعية الشعبية والمشروعية القانونية.

أما رئيس المجلس الشعبي الوطني الحالي، فيمكن تغييره بطريقتين إما عن طريق “آلية الاستقالة” وإعادة انتخاب رئيس جديد، أو عن طريق إخطار رئيس الدولة للمجلس الدستوري، وإعطاء فتوى دستورية في مدى دستورية انتخابه عن طريق “سلطة الأمر الواقع”، وبالتالي إسقاط شرعيته دستوريًا، ورجوع الرئيس السابق و/أو انتخابات جديدة، بحسب الباحث.

وبخصوص اللَّجنة المستقلة للإشراف على الانتخابات ومراقبتها يقول الباحث أنه يمكن لرئيس الدولة إما إخطار المجلس الدستوري حول مدى دستورية مراسيم إلغاء تنصيب أعضاء الهيئة العليا المكلفة بمراقبة الانتخابات، سيما أن هذا القرار السياسي بحل الهيئة مخالف للقانون العضوي المنظم لعملها، لأن عضوية أعضائها دائمة لمدة 5 سنوات و/أو يمكن له تشكيل هيئة جديدة بأشخاص وكفاءات جديدة وفق ضمانات حقيقية للسير في العملية الانتخابية، كما تتم مراجعة القوانين العضوية المنظمة للانتخابات، حيث يمكن لرئيس الدولة و/أو الوزير الأول (الحكومة التوافقية) تقديم مشاريع قوانين عضوية تتضمن إصلاحات  للقانون العضوي المتضمن قانون الانتخابات، و/أو لعمل الهيئة العليا المشرفة على الانتخابات لتكريس ضمانات جديّة وحقيقية لنزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية القادمة.

وتبقي الطبقة السياسية، الآن، عينا على الحراك الشعبي، وأخرى على الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 جويلية المقبل، لاسيما وأن التحضيرات انطلقت رسميا، في انتظار حسمها في مسألة مشاركتها فيها، فيما ستقوم التشكيلات السياسية والشخصيات التي تعتزم المشاركة وحسمت أمرها  وهي خطوات تندرج في إطار حل دستوري، اختارته الجزائر لحل الأزمة التي تعيشها منذ أسابيع، في انتظار أن يخاطب رموز النظام المعنيون بمطالب الرحيل ضمائرهم ويستجيبوا لمطالب الشعب، والتضحية من أجل الجزائر، وللمصلحة العليا للوطن، بدل التعنت والتمسك بالمناصب.

أمين.ب