في اليوم العالمي لهم

أمهات الأطفال المصابين بالأمراض النادرة.. معاناة مع المرض وأخرى مع نظرة المجتمع

أمهات الأطفال المصابين بالأمراض النادرة.. معاناة مع المرض وأخرى مع نظرة المجتمع
  • الجزائر ملتزمة بالتكفل بالمصابين بالأمراض النادرة


 

ستُحيي الجزائر، يوم الجمعة المصادف لـ 28  فيفري، وعلى غرار دول العالم، اليوم العالمي للأمراض النادرة الذي يتناول معاناة المصابين مع المرض، ويسلط الضوء على الأبحاث العلمية الخاصة بالأمراض النادرة ومدى أهميتها في تيسير عملية تشخيصها وإيجاد علاج خاص بالمصابين.

تواجه أمهات الأطفال المرضى، العديد من الصعوبات في رعاية أطفالهن المرضى، وهو ما يجعلهن في مواجهة يومية مع المعاناة، وهذا على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، ورغم أن المرض مقدر على أطفالهن وليس اختيارا، إلا أن الكثير من الأمهات يجدن أنفسهن يقفن لوحدهن في مواجهة مصاعب المرض.

 

الدعم أول ما تحتاجه الأمهات

وتذكر السيدات اللواتي تحدثنا إليهن أنه من أبرز أوجه المعاناة هي عدم وقوف الأزواج إلى جانبهن، ولو بالدعم النفسي والمعنوي، ناهيك عن ضغط العائلة عليهن لأسباب متعددة، إلى جانب قلة المراكز المتخصصة التي تتكفل بالأبناء المرضى الذين يتم تصنيفهم كأطفال معاقين..

 

الأمراض النادرة… معاناة مضاعفة لدمج الأبناء

إذا كانت أم الطفل المعاق تعيش معاناة دائمة، فإن أم الطفل الذي يعاني من مرض نادر تكون معاناتها مضاعفة، سواء في التعامل مع طفلها أو نظرة المجتمع، والأكثر من كل هذا هو غياب المراكز المتخصصة لتوجيههن وإرشادهن لطرق التعامل مع أطفالهن، حيث يشكل نقص المراكز المتخصصة في استقبالهم أو انعدامها ببعض جهات الوطن نوعا آخر من المعاناة، وتتحدث أمهات الأطفال المصابين بالأمراض النادرة بالكثير من الحسرة عن أنفسهن وأبنائهن الذين يعانون بصفة مضاعفة من المرض، ومن نظرة المجتمع الذي يرفض أحيانا إدماج أولئك الأطفال في المدارس وحتى في محيطه العادي، كما يتسبب وجود طفل مصاب بمرض نادر في الأسرة في ضرب استقرارها، حيث تقر أغلب الأمهات بإهمالهن لباقي أفراد أسرهن في مقابل اهتمامهن بشكل خاص وكثيف بطفلهن المريض، يضاف إلى سعيهن الشخصي لتثقيف أنفسهن حول المرض في محاولة لمعرفة ما أصاب ابنها وجعله لا يشبه أقرانه، قالت السيدة سعيدة أم أحمد (7 سنوات)، المصاب بمتلازمة ويليامز: “أن صدمة تلقي خبر المرض النادر لم تكن سهلة ولم تتقبلها، بل أقنعت نفسها أن ابنها طفل عاد ولا يعاني من أي شيء، ولكن الحقيقة كانت أكثر مرارة لما أخبرها الطبيب بأن ابنها بحاجة إلى إجراء عملية جراحية مع احتمال عدم نجاحها، وهنا بدأت بعض المشاكل الأسرية تطفو إلى السطح لتزيد معاناتها، تقول المتحدثة: “مرض ابني جعلني اهتم به وأهملت بيتي وابنتيّ، ثم بدأ الحصار عليّ وأصبحت تحت الضغط مطالبة بإنجاب طفل آخر، ولكني رفضت خوفا من أن يكون المولود الجديد مريضا هو الآخر.. وبعد تقبلي لمرض ابني تثقفت حول طبيعته وبدأت أبحث عن عائلات لها أحد أطفالها مريض بمتلازمة ويليامز حتى انتفع من التجارب، تعرفت على جمعية (ساندروم ويليامز وبوران) بالعاصمة وأصبحت أحضر الملتقيات لألتقي بأسر أطفال مرضى لأخفف من الضغط النفسي عليّ”.

من جهتها، تحدثت السيدة فريدة أم الطفلة فريال 10 سنوات، المصابة هي الأخرى بذات المرض عن نظرة المجتمع القاسية تجاه الطفل المريض، وتطالب مؤسسات المجتمع المدني بتنظيم حملات لتوعية وتحسيس الأفراد حول هذه الأمراض حتى يغيروا من تعاملهم القاسي أحيانا مع الأطفال المرضى.

أما السيدة هاجر فتتحدث عن تجربتها الشخصية مع مرض ابنتها التي تعاني من متلازمة ويليامز هي الأخرى، حيث رُفضت ابنتها في المدرسة من طرف المعلمين وحتى من طرف أولياء التلاميذ، وقيل لها إن ابنتها مجنونة لأنها تعاني من تأخر ذهني بسبب مرضها، وهذه الكلمة أصابتها بصدمة واكتئاب شديدين، خاصة وأن ابنتها رُفضت أيضا في المسجد، ما جعل ابنتها تلازمها كظلها.

وتقول هذه السيدة عن صدمة تلقي نبأ إصابة طفلتها بمرض ليس له علاج، إنها ليست سهلة إطلاقا، فبعد هستيريا البكاء تقبلت الأمر، وبدأت معركة حقيقية لمعرفة طبيعة المرض نفسه وكيف ستتطور حالة ابنتها وتقول: “وهل ستصاب بالتخلف العقلي كون المرض يصيب المخ.. عشت حالة لا استقرار في أسرتي لمدة خاصة وأن زوجي لم يتقبل مرض ابنته، حتى أني صرت أتقمص دور الطبيب النفساني لزوجي، اصطحبته إلى إحدى الجمعيات ليتثقف حول المرض وليرى أولياء أطفال مرضى آخرين في محاولة لكسب الدعم النفسي”.

 

الجزائر ملتزمة بالتكفل بالمصابين بالأمراض النادرة

تلتزم الدولة الجزائرية بالتكفل بالأمراض النادرة، لا سيما من خلال وضع مخطط وطني خاص بهذا النوع من الأمراض، وهو ما أكدته البروفيسور محبوبة براح من مصلحة الطب الداخلي بالمركز الاستشفائي الجامعي “اسعد حساني” ببني مسوس، التي قالت إن “الدولة ملتزمة كليا بالتكفل بالأمراض النادرة والتي خصصت لها إمكانيات مالية معتبرة”، وأشارت إلى أن “جميع الأمراض المشخصة تتم متابعتها على مستوى هياكل الصحة العمومية والخاصة للبلد”.

وأضافت المتحدثة أنه علاوة على الجانب المالي، فقد تم وضع مخطط وطني مخصص لهذا النوع من الأمراض، حيث تم إنشاء سجل وطني خاص بهذه الأخيرة، حيث أن الرقم المسجل “قد انتقل من 28 مرضا نادرا في سنة 2013 إلى 113 في سنة 2023”.

هذا، وأشارت ذات المختصة إلى أن “هذا السجل يسمح كذلك بتحديد المخابر العمومية والخاصة وكذلك المراكز الجوارية التي تضمن التشخيص والمتابعة العلاجية للمرضى، وكذلك الأمر بالنسبة للمخابر المكلفة بالعلوم الوراثية مع التخطيط لإنشاء مراكز مرجعية وطنية ملائمة للأمراض النادرة”.

وذكرت السيدة براح، بأنه تم تشخيص أزيد من 8000 مرض نادر حتى اليوم، موضحة أنه “يتم دوريا اكتشاف أمراض أخرى وأنه يتم تشخيصها بفضل التقدم التكنولوجي، سيما الذكاء الاصطناعي وأن التكفل بها سيكون أقل تعقيدا في المستقبل”.

وخلصت في الأخير إلى التأكيد، بأن هذه الأمراض هي ذات طبيعة وراثية في أغلبها، موصية الأشخاص “الذين لديهم سوابق عائلية بعدم التردد في استشارة الطبيب، وأولئك الراغبين في عقد زيجات من الأقارب باستشارته قبل الإقدام على ذلك”.

 

تاريخ الاحتفال بالمرض

بدأ الاحتفال باليوم العالمي للأمراض النادرة عام 2008، وهو اليوم الأخير من فيفري من كل عام. وكانت المنظمة الأوروبية للأمراض النادرة «يورورديس» أطلقت «يوم الأمراض النادرة» للمرة الأولى عام 2008، وشاركت 18 دولة فقط بالنسخة الأولى، ثم ارتفع العدد تدريجيا سنويا إلى أن بلغ عدد المشاركة الآن 84 دولة. ويورورديس هي منظمة غير حكومية تمثل تحالفا يضم 738 منظمة للمصابين بالأمراض النادرة في 65 دولة.

وعادة تنجم الأمراض النادرة عن اضطرابات في الجينات، إذ يقدر أن 80 % منها ينجم عن مشاكل في المادة الوراثية، أما البقية فتنتج عن عوامل أخرى مثل العدوى أو الحساسية أو العوامل البيئية.

وحسب الخبراء يوجد في العالم بين 5 – 7 آلاف مرض نادر تشكل خطورة على حياة الإنسان. كما أن 50 % من المصابين بهذا المرض من الأطفال، كما أن 30% من المصابين يموتون قبل أن يحتفلوا بعيد ميلادهم الخامس. وتعمل مراكز البحوث الطبية والخبراء والمنظمات الاجتماعية المحلية والدولية على توضيح المشاكل المتعلقة بهذه الأمراض وأهمية تخصيص الأموال اللازمة لمعالجتها وضرورة تقديم المساعدات اللازمة إلى المصابين بها. ويقول الخبراء إنه على الرغم من اختلاف أعراض هذه الأمراض ونتائجها، تبقى المشاكل التي يواجهها أغلب المصابين متشابهة. من هذه المشاكل: عدم وجود تشخيص دقيق وصحيح وتأخره، وعدم وجود معلومات كافية ونوعية، وأحيانا معارف علمية عن هذه الأمراض، والمساعدات الطبية اللازمة وصعوبة الحصول على العلاج اللازم.

لمياء. ب