أنوار من جامع الجزائر.. المحبَّةَ الصّادقَةَ تقتضي الاقتدَاءَ -الجزء الثالث والأخير-

أنوار من جامع الجزائر.. المحبَّةَ الصّادقَةَ تقتضي الاقتدَاءَ -الجزء الثالث والأخير-

إنّ حَيَاةَ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأخلاقَهُ وسيرتَهُ مَعينٌ لا يَنْضَبُ، وبَحْرٌ لا سَاحِلَ له؛ ولا قَرَارَ، فهو الكَمَالُ والنُّورُ والضِّيَاءُ، تَمَثَّلَ في سلوكِهِ كُلَّ خُلُقٍ حَسَنٍ، وصِفَةٍ حميدَةٍ.

وإذا كان دليلُ المَحَبَّةِ الأصدَقُ، وبرهانُهَا السَّاطِعُ، طَاعَةَ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم، بامتثَالِ ما به أَمَرَ، واجتنَابِ ما عنه زَجَرَ، إذِ المُحِبُّ لمَن يُحِبُّ مُطِيعُ، مصدَاقًا لقولِهِ تعالى: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” آل عمران: 31، فإنّ هذه المحبَّةَ الصّادقَةَ تقتضي الاقتدَاءَ بهديِهِ، والاستنَانَ بِسنَّتِهِ، واقتفَاءَ أثرِهِ، ومنه كان لِزَامًا على كُلِّ مسلِمٍ أن يدرسَ سيرتَهُ العطِرَةَ، ويَتَمَثَّلَ شمائِلَهُ الزَّكِيَّةَ، في جوانب حياتِهِ كلِّهَا. أخي الشّاب:إذا نظرت لفترَةِ شبابِهِ وصبَاهُ صلّى اللّه عليه وسلّم وجدّتَهُ مثَالًا للشّابِّ القويمِ العفيفِ الشّريفِ، لا يغشى مَجَالِسَ اللّهوِ والمجونِ والرَّفَثِ والفسقِ، كما هو حالُ أقرانِهِ. أخي المعلّم:إذا تَأَمَّلْتَ جانِبَ المعلِّمِ والمُرَبِّي في شخصِ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم، وجَدْتَ خطَابَهُ يخترِقُ القُلُوبَ والأفئدَةَ، فيذيبُ جليدَهَا، ويُفَتِّحُ أقفالَهَا، وها هو في وصيَّتِهِ لمعَاذِ بنِ جبلٍ وأبي موسى الأشعريِّ رضي اللّه عنهما يوصيهمَا قائلًا: “يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا”، وكًلُّ مَنْ وَصَفَ الرّسولَ صلّى اللّه عليه وسلّم ذَكَرَ خُلُقَهُ الرّفِيعَ وأسلوبَهُ الرّاقِي. أخي الزّوج المسلم: إذا تمعّنْتَ جانبَ الزّوج فيه صلّى اللّه عليه وسلّم، وجدتَهُ نِعْمَ الزّوجُ خُلُقًا وأَدَبًا وعِشْرَةً، أليس هو القائلُ: ” خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”، إخوةَ الإيمان:ليس لنا حينما نَقِفُ أَمَامَ عظمَةِ رسولِنَا صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا أن تسجُدَ جباهُنَا لعظمَةِ مَنْ اصطفَاهُ واجتبَاهُ، وأرسلَهُ معلّمًا، ومربّيًا، وهاديًا، وبشيرًا، ونذيرًا، ثمّ تشهدَ قلوبُنَا وألسنتُنَا بشهادَةِ الحَقِّ له في محكَمِ التّبيَانِ “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ” القلم: 4.

 

الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر