بين يديك كنز ثمين، هل جربت يومًا أن تتعرف على ذاك الكنز الثمين الذي بين يديك تعرفًا حقيقيًّا يليق به، ويثمر عن نفغٍ وأثر في قلبك وحياتك؟ هل جربت يومًا أن تذهب إليه عطشًا فترتشف بعضًا من أنوار هداه لترتوي؟ هل جربت يومًا أن يزورك حزن أو كرب فتطرق بابه لعلك تجد سلوى لقلبك وسط قصصه وعبره وآياته؟ إنه القرآن، رسالات الله إليك،إنه القرآن رسالات الله لكل زمان ومكان. إن القرآن الكريم لا يحمل بين صفحاته المباركة رسائل إلى أقوامٍ رحلوا، لا ينقل إلينا قصصًا وحكايات لزمانٍ انتهى، بل هو رسائل الله إلينا جميعًا في كل مكانٍ وزمانٍ. فهل وقفت من حين إلى حين عند قصص الأنبياء والصالحين وسألت نفسك: ما الذي تحمله لك من رسالات؟ هل تدبرت بعضًا من كلام ربك يومًا، متأملًا ما تأمرك به وما تنهاك عنه؟ ” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ” محمد: 24؛ يقول السعدي في تفسير هذه الآية: أي: فهلَّا يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله، ويتأملونه حق التأمل، فإنهم لو تدبروه، لدلهم على كل خير، ولحذَّرهم من كل شر، ولملأ قلوبهم من الإيمان، وأفئدتهم من الإيقان، ولأوصلهم إلى المطالب العالية، والمواهب الغالية، ولبيَّن لهم الطريق الموصلة إلى الله، وإلى جنته ومكملاتها ومفسداتها، والطريق الموصلة إلى العذاب، وبأي شيء تحذر، ولعرفهم بربهم، وأسمائه وصفاته وإحسانه.
ويقول السنيدي في كتابه تدبر القرآن: “ينبغي للمسلم وهو يقرأ القرآن أن يكون واعيًا بحقيقة أن القرآن يخاطبه هو شخصيًّا، وفي اللحظة التي يعيش فيها، وهو حين يخاطبه لا يقص له قصة ماضية عن أشخاص آخرين غيره عاشوا تجربتهم الخاصة، إنما التوجيهات التي يحملها الخطاب القرآني موجهة له شخصيًّا ليعيها ويستجيب لها، ويشكِّل مشاعره وأفكاره وسلوكه بمقتضاها، ويتربى على ضوئها ويقوم خطواته على طريق الله”. أيها الباحث عن الهدى، الراغب في الثبات على طريق الاستقامة، قُمْ من سباتك وأقبِل على القرآن بمشاعر الموقن المؤمن بأن آي القرآن ستحيي هِمَّتك تارة، وستثبت قلبك أمام ابتلاءٍ تمر به تارة أخرى، بل ستتغير بصحبة القرآن عقليتك وطريقة تفكيرك وستنضبط مفاهيمك ذاتها، حين تقرأ القرآن بشعور من يبحث عن الهداية والصلاح والتغيير، بإحساس الباحث عن النور وسط ظلمة الحياة، طالب الثبات وسط فتنها الكثيرة.



