تحيي الجزائر هذا الخميس، اليوم الوطني للمسنين، حيث تحتفل به كل سنة بعد مناقشة البرلمان للمشروع التمهيدي للقانون المتعلق بحماية الأشخاص المسنين فكان هذا اليوم بمثابة عيد لكبار السن.
يكثر الحديث في مثل هذه المناسبة عن الفئة المحرومة من هذه الشريحة من المجتمع، إذ يعود الكلام عن واقع المسنين الذين غدر بهم أبناؤهم فكانت نهايتهم دور المسنين التي جمعت عددا كبيرا منهم، الذين لم يعرف فلذات أكبادهم معنى الوالدين وتعدوا على الطبيعة الإنسانية وتعاليم ديننا الحنيف بعدما صار المجتمع غابة للوحوش الشرسة وبعدما غاب الضمير وسيطرت المصالح الشخصية على ضعيفي النفوس.
العقوق ..عنوان واحد لقصص متنوعة
يتعجب كل من يسمع بابن او ابنة رميا بوالديهما في دور العجزة لأسباب مختلفة ومبررات ليس لها أصل من الصحة والتصديق. فهناك من وجد أن الاعتناء بالوالدين أمر شاق، وهناك من أراد الاستيلاء على ما يملكانه خاصة المنزل فتخلص منهما واصطحبهما إلى دور العجزة، كما يوجد من أطاع زوجته واتبع أوامرها بعدما رفضت أن تعيش بين والديه، هي قصص وحالات مختلفة نتيجتها واحدة وهي عقوق الوالدين حيث غلبت المصلحة الشخصية على حنان وعطف وإحسان الأبناء لآبائهم. ورغم كل هذا لا يجد هؤلاء المسنون سوى الدعاء لفلذات أكبادهم بالهداية وهم يعيشون كل يوم ألم قاسيا يحكي معاناة الشوق والحنين.
دُور العجزة ..أسوار تخفي وراءها أوجاع المسنين
تخفي دُور العجزة خلف أسوارها الكثير من القصص والحكايات لآباء وأمهات صاروا غير مرغوب فيهم بمنزلهم، وغير مرحب بهم من طرف أبنائهم لأسباب تعددت واختلفت بحسب كل حالة، جعلت نهاية من أوصى بهما الله عز وجل ورسوله الكريم، يتجرعون مرارة الألم كل يوم في دور المسنين التي تحولت من دُور تأوي من لا يملك منزلا أو ملجأ يأوي إليه إلى رمز لعقوق الوالدين.
لم يستطع الكثير من المسنين الذين تحدثت إليهم “الموعد اليومي” في زيارة سابقة إلى عدد من دور العجزة، إخفاء دموعهم وهم يروون قصصهم التي تقشعر لها الأبدان، ويتساءل كل من يسمع بها عن طينة هؤلاء الأبناء وسبب قساوة وجفاء قلوبهم ضد من تعبوا وفعلوا المستحيل ليعيشوا هم حياة كريمة فيقابلوا الإحسان بالإساءة ويهون عليهم والديهم، فكان الحل الأمثل من أجل التخلص منهم هو أخذهم إلى دار العجزة بدل رد الخير والاهتمام بمن لا مثيل لهم في هذه الدنيا.
من لم يرحمه ابنه.. القانون يرحمه
تعتبر دور العجزة المكان الأمثل لهذه الفئة كونها تقدم الرعاية الكافية والاهتمام المطلوب بشريحة المسنين الذين يجدون كل الظروف المناسبة للعيش من الجانب الغذائي والصحي، لكن حرقة القلب وحزن الروح قصة وألم لن يفهمهما سواهم.
يتضمن قانون حماية المسنين، 13 نصا تطبيقيا، حيث يسمح هذا القانون عبر نصوصه التطبيقية للأشخاص المسنين ببلوغ الكبر في وسطهم العائلي متمتعين بكرامتهم ومكانتهم، ويحارب كل أشكال التخلي حيث ينص على عقوبات تجاه الأبناء الذين يتخلون عن أوليائهم قد تصل إلى الحبس، كما يمكن من تقديم مساعدات للعائلات المعوزة التي لا تملك الإمكانات للتكفل بالمسن.
ويسعى هذا القانون لمكافحة الملل بتفضيل الاحتكاك بين الأشخاص المسنين الذين يعيشون داخل المؤسسات المتخصصة والأشخاص المسنين الذين يعيشون في الوسط العائلي، إضافة إلى ذلك سيتم بموجبه إنشاء جهاز جديد متمثل في المساعدة والمرافقة الاجتماعية والنفسية للأشخاص المسنين في المنازل.
من جهة أخرى ينص القانون على دعم الدولة لعائلات الاستقبال التي ترغب في التكفل بالمسنين المحرومين أو دون روابط أسرية، في ظل ارتفاع عدد المسنين في الجزائر حيث يمثل من يبلغون الستين سنة فما فوق 7 بالمائة من السكان أي حوالي 5,2 مليون نسمة، ويرتقب أن تصل النسبة إلى 40 بالمائة في آفاق 2025.
هذا القانون وقف أيضا في وجه تحايل بعض الأبناء مع آبائهم حيث يضعونهم في دار العجزة ولا يسألون عنهم سوى في فترة تقاضيهم منحة التقاعد بغرض الاستيلاء عليها ثم يُعيدونهم مرة ثانية إلى مراكز العجزة، وجاء هذا القانون خصيصا لحمايتهم من هذه السلوكيات التي تسيء للآباء، وفي هذا الصدد يخول القانون للمسن الاختيار بين إعطاء منحة تقاعده إلى مدير المركز أو الاحتفاظ بها فهذا القانون يوفر الحماية للمسن.
عقوبات جزائية للأبناء العاقين
ينص قانون حماية الأشخاص المسنين على تطبيق عقوبات جزائية ضد كل من يعتدي أو يمس بكرامة الشخص المسن، وتتمثل الإجراءات المتخذة في معاقبة الأصول الذين يعتدون على أوليائهم لاسيما فئة المسنين التي يجب حمايتها وصون كرامتها.
وينص قانون حماية الأشخاص المسنين الذي يحتوي على 40 مادة على معاقبة كل من ترك شخصا مسنا أو عرّضه للخطر بالعقوبات نفسها المنصوص عليها في قانون العقوبات لا سيما المادتين 314 و316 منه.
ويعاقب بموجب هذا القانون الأشخاص المخالفون لأحكامه بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية تتراوح ما بين 20 ألف دينار إلى 500 ألف دينار وذلك بحسب الحالات.
وينص القانون أيضا على حماية الشخص المسن من كل أشكال التخلي والعنف وسوء المعاملة والاعتداء والتهميش والإقصاء من الوسط الأسري والاجتماعي.
الى جانب هذا يمكن لكل أسرة تعاني من حالة هشة ولديها شخص مسن الاستفادة من إعانة من السلطات العمومية ومن المؤسسات المختصة المعنية حتى يتسنى لها القيام بواجبها تجاه الشخص المسن.
مركز سيدي موسى مثال التكفل بشريحة المسنين

يضم مركز المسنين لسيدي موسى 272 مقيما من بينهم 205 رجال و67 امرأة، ويشكل المسنون العاديون فيه 52 رجلا و15 امرأة، أما الأغلبية أي 114 مقيما هم مرضى عقليا، كما يقيم به معوقون حركيا وبصريا وسمعيا ومتأخرون عقليا، وبلغت نسبة الوفيات 5 بالمائة في سنة 2012 (10 رجال و4 نساء)، أما عدد حالات الإدماج في العائلات خلال السنة نفسها فقدرت بـ 5 رجال وامرأتين، بينما قدر العدد في 2011 بـ17 رجلا و9 نساء، ويحتضن المركز مقيمين من كل الولايات لكن أغلبهم من الجزائر العاصمة والمدية والبليدة.
أما متوسط العمر في المركز فالأرقام توضح أن 35 بالمائة منهم تتراوح أعمارهم بين 56 و65 سنة، و20 بالمائة بين 66 و75 سنة، و15 بالمائة بين 46 و55 سنة، و7 بالمائة بين 76 و85 سنة، و1 بالمائة بين 86 و95 سنة، فيما سجل وجود نسبة 8 بالمائة من البالغين بين 26 و35 سنة، و2 بالمائة بين 15 و25 سنة.
غياب الوازع الديني وراء انتشار الظاهرة
أكد جمع من الأئمة الذين سألتهم الموعد اليومي أن سبب انتشار ظاهرة التخلي عن الوالدين هو بعدُ المجتمع الجزائري عن تعاليم الدين الإسلامي التي تعتبر هذا الفعل عقوقا ومن أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، حيث أوصانا الله عز وجل بالإحسان بالوالدين في آيات كثيرة من القرآن الكريم وحذر حتى من رفع أصواتنا عليهم أو نهرهم في قوله تعالى”ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا”.
06 ملايين و7 آلاف شخص مسن في الجزائر عام 2030

توقعت أرقام الديوان الوطني للإحصاءات أن يبلغ عدد المسنين 6 ملايين و7 آلاف شخص في غضون 2030، ما يشكل نسبة 14 بالمائة من سكان الجزائر، فيما تقدر اليوم بـ 8 بالمائة،
ما يجعل إيجاد مؤسسات إستشفائية متخصصة في رعاية المسنين مطلبا ضروريا، على غرار ما هو معمول به في عدة دول أخرى من أجل تجنيب المسن عناء التنقل من مكان إلى آخر لإجراء الفحوصات اللازمة، خاصة أن هذه الفئة تزداد حساسيتها تجاه الأمراض بتقدمها في السن، حيث أن فئة الشيوخ تكون معرضة أكثر للنزيف العصبي والمخي، وكذا أمراض أخرى عديدة مثل مرض السكري والضغط والقلب، وكذا الصدمات غير المعالجة في وقتها.
هذا وقد أشارت منظمة الصحة العالمية عام 2000 إلى أن كل 100 شخص مكلفون برعاية 12 شخصا مسنا، وهذا العدد تضاعف عام 2002 ليصير 24 مسنا لكل 100 شخص، وتوقعت أن يرتفع متوسط العمر لدى الجزائريين في غضون السنوات الخمس القادمة إلى 81 سنة للنساء و75 سنة بالنسبة للرجال. فرغم أن نسبة 3 في المائة من عائدات المحروقات تذهب إلى صندوق خاص لرعاية الشيخوخة والمسنين، إلا أن هذا لا يكفي، لذا يجب تسطير سياسة لا تقتصر فقط على الاعتبارات الصحية بل تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للتكفل بفئة المسنين.
مؤسسات صحية واجتماعية لرعاية المسنين
دعا عدد من الحقوقيين والناشطين في الجمعيات المهتمة بشريحة المسنين إلى نشر ثقافة التكافل والتراحم وإحياء القيم التربوية التي تقضي باحترام الكبير والإحسان إلى الآباء وكبار العائلة للتقليل من ظاهرة التخلي عن الآباء، إضافة إلى هذا اقترح المتحدثون إنشاء مؤسسات صحية واجتماعية خاصة برعاية المسنين، مثل دور الحضانة ومراكز الراحة والمستشفيات النهارية، من أجل رعاية أكبر للمسنين كما تكون هذه المؤسسات والمراكز أدوات مساعدة للأسر لأداء أدوارها في رعاية كبار السن.