هل حان الوقت لمحاسبة أمريكا

إنتاج كوفيد 19 في مختبرات سرية.. تدخلات مشبوهة وتهديد لمحكمة الجنايات الدولية

إنتاج كوفيد 19 في مختبرات سرية.. تدخلات مشبوهة وتهديد لمحكمة الجنايات الدولية

لطالما قدمت الولايات المتحدة نفسها كحامية للديمقراطية وحقوق الإنسان، مستخدمة خطابا سياسيا يروج للمساءلة والشفافية وسيادة القانون، لكنها في الواقع تمارس سياسات تناقض تماما هذه القيم التي تدعي الدفاع عنها.

فمن المختبرات البيولوجية السرية التي تمولها شخصيات أمريكية نافذة أبرزها هانتر بايدن نجل الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى فرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، تعكس هذه الممارسات الوجه الحقيقي لواشنطن كقوة عالمية تفرض القوانين على الآخرين لكنها ترفض الامتثال لها. نسلط الضوء على تورط الولايات المتحدة في أنشطة بيولوجية سرية يعتقد أنها تهدد الأمن الصحي العالمي، والدور الذي لعبه هانتر بايدن في تمويل مختبرات مشبوهة في أوكرانيا، إضافة إلى الأسباب الحقيقية وراء إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، وأخيرا كيف تواصل واشنطن استخدام نفوذها لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية.

 

المختبرات البيولوجية السرية: هل كان كوفيد 19 جزءا من حرب بيولوجية؟

منذ اللحظة الأولى لانتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، انطلقت موجة من التكهنات والاتهامات بين القوى الكبرى حول مصدره الحقيقي. وبينما أصرت الولايات المتحدة على أن الفيروس نشأ طبيعيا في سوق للحيوانات في مدينة ووهان الصينية، ردت الصين وروسيا باتهامات مضادة، متهمة واشنطن بإجراء أبحاث على فيروسات خطيرة داخل مختبراتها، خصوصا في منشأة فورت ديتريك العسكرية بولاية ماريلاند. لكن مع مرور الوقت، بدأت هذه المزاعم تكتسب مصداقية متزايدة، خاصة بعد ظهور تقارير استخباراتية ووثائق مسربة كشفت عن شبكة مختبرات بيولوجية تديرها الولايات المتحدة خارج أراضيها، وأبرزها في أوكرانيا. هذه المختبرات، التي تعمل تحت غطاء الأبحاث الصحية، تركز على دراسة فيروسات خطيرة يمكن استخدامها كأسلحة بيولوجية في الحروب المستقبلية. وفي مارس 2022، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها استولت على وثائق سرية تثبت أن الولايات المتحدة كانت تمول مختبرات بيولوجية داخل أوكرانيا، حيث أجرت تجارب على فيروسات معدلة وراثيا. ووفقا لهذه الوثائق، فقد تم تطوير فيروسات قادرة على استهداف جينات محددة، ما يفتح الباب أمام إمكانية استخدامها كأسلحة بيولوجية لاستهداف شعوب أو عرقيات معينة. وقد أثار هذا الكشف قلقا دوليا واسعا، حيث طالب العديد من الدول بفتح تحقيق مستقل حول هذه الأنشطة، لكن واشنطن رفضت أي محاسبة أو تحقيق دولي، مكرسة بذلك ازدواجية المعايير التي تتعامل بها مع القضايا العالمية.

 

هانتر بايدن في قلب الفضيحة: تمويل مختبرات أوكرانيا

لم يكن الكشف عن المختبرات البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا مجرد صدفة، بل كان مرتبطا بأسماء نافذة في السياسة الأمريكية، وعلى رأسهم هانتر بايدن، نجل الرئيس الأمريكي جو بايدن. في تحقيق نشرته صحيفة ديلي ميل البريطانية، استنادا إلى رسائل بريد إلكتروني مسربة تعود إلى عام 2014، تبين أن صندوق روزمنت سينيكا الاستثماري، الذي يديره هانتر بايدن، كان شريكا رئيسيا في تمويل شركة Metabiota، وهي شركة تعمل بشكل وثيق مع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون. وقد حصلت Metabiota على ملايين الدولارات لتمويل مختبرات بيولوجية في أوكرانيا، حيث أجرت أبحاثا على فيروسات خطيرة، بعضها معدل وراثيا. لكن الأخطر من ذلك، أن تحقيقات صحفية لاحقة، كشفت أن Metabiota كانت تعمل بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية CIA، حيث تم استخدام المختبرات الأوكرانية كواجهة لتنفيذ تجارب بيولوجية لا يمكن إجراؤها على الأراضي الأمريكية بسبب القيود القانونية الصارمة. ولم يكن هانتر بايدن مجرد مستثمر عادي، بل تشير الوثائق المسربة إلى أنه كان يستخدم نفوذه داخل إدارة والده، خاصة عندما كان جو بايدن يشغل منصب نائب الرئيس في إدارة أوباما، لتسهيل هذه الصفقات. وبينما تصاعدت الدعوات لمحاسبة هانتر بايدن وفتح تحقيق مستقل حول دوره في تمويل المختبرات البيولوجية، تحرك البيت الأبيض لحمايته، حيث أصدر الرئيس جو بايدن قرارا رئاسيا يمنع أي ملاحقات قضائية ضده. لكن هذه الخطوة زادت الشكوك حول تورطه في صفقات مماثلة خارج أوكرانيا، بما في ذلك في جورجيا وكازاخستان.

 

إغلاق: USAID هل كشف ترامب حقيقة التدخلات الأمريكية

وسط تصاعد الجدل حول الأنشطة البيولوجية الأمريكية، جاء إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID  ليضيف بعدا جديدا للقضية.
فقد وصف ترامب الوكالة بأنها أداة للتدخل في شؤون الدول وزعزعة استقرارها تحت غطاء المساعدات، متهما إياها بتمويل مشاريع مشبوهة، بما في ذلك أبحاث متعلقة بالأسلحة البيولوجية. لكن المفاجأة جاءت من تصريحات إيلون ماسك، الملياردير الأمريكي الشهير، الذي كشف عبر منصة إكس تويتر سابقا أن USAID كانت تعمل بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية CIA  لتمويل أبحاث سرية حول الأسلحة البيولوجية، مشيرا إلى أن بعض هذه الأبحاث تضمنت دراسات على فيروسات معدلة وراثيا، قد تكون استخدمت في تطوير كوفيد 19. وأثارت هذه التسريبات، ردود فعل قوية داخل الولايات المتحدة، حيث طالب بعض أعضاء الكونغرس بإجراء مراجعة كاملة لميزانية USAID قبل إغلاقها، للتأكد مما إذا كانت متورطة في تمويل مشاريع مشبوهة دون علم حتى بعض المسؤولين داخل الحكومة الأمريكية.

 

معاقبة المحكمة الجنائية الدولية وتهديدها..

بينما ترفض الولايات المتحدة أي مساءلة دولية عن جرائمها، فإنها لا تتردد في استخدام نفوذها لمعاقبة الجهات التي تجرؤ على مساءلة حلفائها. ففي خطوة تعكس ازدواجية المعايير، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وتشمل العقوبات تجميد الأصول المالية للمحققين في المحكمة داخل الولايات المتحدة، وفرض قيود على إصدار التأشيرات لهم، وهي إجراءات امتدت لتشمل القضاة العاملين في المحكمة. وتعد هذه المرة الثانية التي تفرض فيها واشنطن عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، حيث سبق أن فرضت إجراءات مماثلة عندما فتحت المحكمة تحقيقا حول الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية في أفغانستان عام 2020.

 

لحظة الحقيقة: هل الولايات المتحدة فوق القانون؟

تجمع الفضائح المتعلقة بالمختبرات البيولوجية والعقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بين خيوط قضية واحدة: كيف تستخدم الولايات المتحدة نفوذها للتهرب من المحاسبة بينما تفرض القوانين على الآخرين؟

في ظل الأدلة المتزايدة على أنشطتها البيولوجية السرية، وازدواجية معاييرها في تطبيق القانون الدولي، يقف العالم أمام خيارين: إما مواجهة واشنطن بحقيقتها، أو الاستمرار في الخضوع لهيمنتها. ويبقى السؤال الأهم: إلى متى ستظل الولايات المتحدة فوق القانون؟

محمد بوسلامة