إيمانا منهم بأن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.. الجزائريون قدموا أرواحهم فداءً للوطن وثمنا للحرية

إيمانا منهم بأن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.. الجزائريون قدموا أرواحهم فداءً للوطن وثمنا للحرية

🔴  الشعب دعم الجيش في محاربته للاستعمار

🔴  مداشر أحرقت وقرى أبيدت وملايين استشهدوا في سبيل الأرض


 

 

آمن الجزائريون خلال الحقبة الاستعمارية بأن تحرير الوطن لن يكون إلا بتقديم أرواحهم قربانا للحرية التي نالوها، بعد أن قدموا في سبيلها النفيس والنفيس، فحق لهم بأن تكون ثورتهم ملهمة الأحرار في جميع بقاع العالم.

قدم الشعب الجزائري منذ اندلاع ثورة التحرير المظفرة، تضحيات كبيرة لا يمكن سردها في مقال أو الحديث عنها في بلاتوهات تلفزيونية، حيث جمعت الثورة التحريرية التي انطلقت شرارتها في أول نوفمبر 1954 كافة الشعب الجزائري الذي كان له الدافع الأكبر في نصرة المجاهدين ونجاح الثورة .

 

تلاحم الشعب مع الجيش لمقاومة المستعمر

تجلت تضحيات الشعب الجزائري في التفافه حول جيش وجبهة التحرير الوطني، خاصة وأن سياسة القهر التي مارستها فرنسا وأدت إلى نتائج وخيمة على الشعب الجزائري وتسببت في تدهور أوضاعه المعيشية، فتفشى الفقر، الأمية، البطالة والأمراض الخطيرة والفتاكة، وهي سياسة أرادت بها فرنسا كسر شوكة الثورة وعزل الشعب عن المجاهدين، لكنها تفاجأت بعكس ذلك، فالرغبة في الحرية واسترجاع الوطن جعلت الشعب يلتحم مع ثورته ويلتف حول قادتها، وتجلت مظاهر تلاحم وتآزر الشعب الجزائري مع الثوار، من خلال تقديم الأرواح والأموال، والأهم مساهمته في إفشال كل مخططات العدو بنقل أخباره للمجاهدين.

 

استقلال الجزائر… قصة كفاح كُتبت بالدم

وللجزائر واستقلالها قصة طويلة الفصول، حزينة الأحداث، تجمع بين البطولة والمأساة، بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار، بين الحرية والمطالبة بالاستقلال واسترجاع السيادة المسلوبة، كان أبطال هذه القصة الفريدة مليون ونصف المليون شهيد، وملايين اليتامى والثكالى والأرامل، وكُتبت أحداثها بدماء غزيرة أُريقت في ميادين الشرف والمقاومة، وفي المساجد، وفي الجبال الوعرة، حيث كان الأحرار هناك يقاومون ويناضلون من أجل الوطن.

 

الثورة الجزائرية…. لأن الحرية تؤخذ ولا تعطى

تجاوب الشعب الجزائري مع السياسة الفرنسية في جميع الجهات بدون استثناء، لا سيما في المناطق التي عرفت ضغطًا فرنسيًا مكثفًا لتحويل اتجاهها الوطني، فلم يكن للإعانات ولا المساعدات التي تقدمها الإرساليات التبشيرية ولا للتعليم الذي وفرته المدرسة الفرنسية، ولا للمستوطنين الفرنسيين، ولا للمهاجرين الجزائريين الذين تنقلهم السلطات للعمل في فرنسا، أثر في فرنسة الشعب الجزائري، وهو ما دفع مخططي السياسة الفرنسية إلى اتهام الجزائريين بأنهم شعب يعيش على هامش التاريخ.

وحارب الشعب سياسة التفرقة الطائفية برفع شعار “الإسلام ديننا، والعربية لغتنا والجزائر وطننا” الذي أعلنه العالِم والمجاهد الجليل عبد الحميد بن باديس، ورأى المصلحون من أبناء الجزائر في ظل فشل حركات المقاومة، أن العمل يجب أن يقوم -في البداية- على التربية الإسلامية لتكوين قاعدة صلبة يمكن أن يقوم عليها الجهاد في المستقبل، مع عدم اهمال الصراع السياسي، فتم تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بزعامة ابن باديس، التي افتتحت مدارس لتعليم ناشئة المسلمين، وهاجم ابن باديس الفرنسيين وظلمهم، وطالب بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، وأثمرت هذه الجهود، تكوين نواة قوية من الشباب المسلم يمكن الاعتماد عليها في تربية جيل قادم.

وعلى الصعيد السياسي، بدأ الجزائريون المقاومة من خلال التنظيم السياسي الذي خاض هذا الميدان بأفكار متعددة، فمنهم من يرى أن الغاية هي المساواة بالفرنسيين، ومنهم الشيوعيون، والوطنيون المتعصبون، وظهرت عدة تنظيمات سياسية منها: حزب نجم شمال إفريقيا بزعامة مصالي الحاج الذي عُرف بعد ذلك بحزب الشعب الجزائري، وبعدها تحول إلى الكفاح المسلح وكان هذا التحول تحولاً ليس إلا من أجل الحرية والاستقلال، إذ أدركوا أنه لا سبيل لتحقيق أهدافهم سوى العمل المسلح والثورة الشاملة، فانصرف الجهد إلى جمع الأسلحة وإعداد الخلايا السرية الثورية بتوجيه وتمويل ودعم عربي حتى يحين الوقت المناسب لتفجير الصراع المسلح وبتضافر الجهود على جميع الأصعدة والصمود أمام هذا الاحتلال الغاشم، تمكن الجزائريون رغم إمكانياتهم الضعيفة من هزم العدو وإخراجه من الجزائر إيمانا منهم بأن الحرية تؤخذ ولا تعطى.

 

جرائم إبادة وانتهاكات ضد الإنسانية

منذ احتلال فرنسا للجزائر، في 5 جويلية 1830، عملت فرنسا على طمس مقومات الهوية الجزائرية، وباشرت حرباً شرسة على المساجد والمدارس القرآنية، كما سنّت قوانين للفصل العنصري وصفت الجزائريين بالأهالي والمسلمين والعرب، وسخّرتهم كخدم عند المستعمرين، بعدما سلبتهم أراضيهم.

 

مجازر 8 ماي.. عندما قتل الاحتلال الفرنسي 45 ألف جزائري في أيام قليلة!

طيلة سنوات الاستعمار، استمر المحتل في تنفيذ جرائمه ووحشيته التي تثني من عزيمة الجزائريين، فاستمرت قوات الاحتلال الفرنسي في ارتكاب أفظع الجرائم بحق الشعب الجزائري، ولا تتردد في إبادة قرى كاملة، أو قتل الآلاف لمجرد ترويع وإرهاب أي شخص يفكر بمقاومة الاحتلال الفرنسي، كان أشهرها ما حدث يوم 8 ماي 1945، بعد وصول أنباء استسلام ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.

حيث خططت السلطات الفرنسية آنذاك لإقامة احتفال بمدينة “سطيف” بمناسبة هزيمة قوات المحور، ومن ضمن الاحتفال كان من المخطط رفع أعلام دول الحلفاء المنتصرين (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، الاتحاد السوفييتي، الصين، فرنسا، بولندا وكندا وغيرها).

حينها قرر بعض مؤيدي حزب الشعب الجزائري الوطني الذي أسسه مصالي الحاج في العام 1937، استغلال الاحتفال من أجل التذكير بقضيتهم العادلة، وهي إنهاء الاحتلال الفرنسي للجزائر، وذلك برفع العلم الجزائري في الاحتفال.

فقرر شاب جزائري يبلغ من العمر 26 عاماً يدعى “بوزيد سعال”، رفع العلم الجزائري، فأطلق شرطي يدعى “أوليفيري” النار عليه وأرداه قتيلاً، لتنطلق بعدها انتفاضة شعبية في عدة مدن ضد الاحتلال الفرنسي.

فكان الرد الفرنسي دموياً وعلى مدار عدّة أيام نفذت القوات الفرنسية عمليات قتل جماعية، بحق الجزائريين، في عدة مناطق، أبرزها: سطيف والمسيلة وقالمة وخراطة وسوق أهراس، ولم تستثنِ الأطفال ولا النساء ولا كبار السن.

وأعدمت القوات الفرنسية الكثير من المدنيين عن طريق إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، بينما نُقل آخرون في شاحنات ليتم دفعهم إلى الوديان، أو إخراجهم من المدن وإعدامهم قبل حرق جثثهم، ومن ثم دفنهم في مقابر جماعية، كما أن الفرنسيين استخدموا أيضاً أفران الجير؛ للتخلص من جثث الضحايا.

والرقم المعروف هو مقتل نحو 45 ألف جزائري خلال تلك المذبحة، في حين تقول بعض المصادر إن الأعداد تتجاوز ذلك الرقم بكثير.

 

جمبري بيغار” طريقة تعذيب ابتكرها ضابط فرنسي

Torture pendant la guerre d'Algérie - Wikiwand

خلال ثورة التحرير الجزائرية، وبشكل خاص في معركة مدينة الجزائر سنة 1957، كانت قوات الاحتلال الفرنسي تتفنن بتعذيب الجزائريين، واحدة من تلك الطرق عرفت باسم “جمبري بيغار” وهي طريقة تعذيب وموت وحشية ابتكرها الجنرال الفرنسي “مارسيل بيغار” ضد أفراد “جبهة وجيش التحرير الوطني الجزائري”.

تتمثّل تلك الطريقة في غرس أرجل الضحايا داخل قوالب إسمنتية وتركهم على هذه الحال حتى يجف الإسمنت، وبعدها يُحملون في طائرات عسكرية ويُرمون في عرض البحر الأبيض المتوسط، حيث يموتون غرقاً.

وقد كشفت رئيسة الهيئة الجزائرية لمناهضة الفكر الاستعماري، المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، أن بحارة وصيادين جزائريين عثروا على هذه القوالب الإسمنتية وبداخلها آثار أقدام.

وكانت تلك الطريقة، جزءاً من الحرب النفسية ضد خلايا الفدائيين لجبهة التحرير الجزائرية في العاصمة ولم يستثنِ بيغار منها أحداً شملت الشيوخ والنساء وحتى الأطفال وأحياناً كان يربط مع الضحية زوجته وأطفاله معاً قبل رميهم من الطائرة.

 

دماء الجزائريين سالت حتى في باريس

MASSACRES DU 17 OCTOBRE 1961 À PARIS : Le Président évoque des crimes  contre l'humanité – lecourrier-dalgerie.com

الفظائع التي ارتكبتها فرنسا بحق الجزائريين لم تتوقف عند حد التراب الجزائري، بل امتدت إلى شوارع باريس ذاتها، حيث تحول لون مياه نهر السين إلى “الأحمر” بلون الدم الجزائري الذي اختلط بمياه النهر، حسب وصف أحد شهود العيان على المجزرة.

كانت فرنسا قد فرضت يوم 5 أكتوبر عام 1961، حظر تجول على الجزائريين الذين يعيشون في باريس ومحيطها، تزامناً مع دخول حرب الاستقلال مراحلها الأخيرة.

في يوم 17 أكتوبر من العام نفسه، خرج أكثر من 300 ألف جزائري في مظاهرة سلمية، رفضاً لحظر التجول ودعماً لنضال بلدهم من أجل الاستقلال.

وبناءً على أوامر صادرة من رئيس شرطة باريس آنذاك، موريس بابون، تدخلت الشرطة بقوة في قمع المتظاهرين، وقتلت العشرات منهم عمداً في الشوارع ومحطات مترو الأنفاق، وألقت بعدد من المصابين من الجسور في نهر السين، ما أدى إلى مقتلهم، وهو ما بات يُعرف بعد ذلك بمجزرة “باريس عام 1961”.

بينما لم يُحدد رسمياً عدد قتلى الاحتجاج الذي أسفر عن إصابة آلاف الأشخاص واعتقال قرابة 14 ألف شخص، إلا أن شهود المجزرة ومصادر مستقلة ذكروا أن أكثر من 300 جزائري قُتلوا على يد الشرطة الفرنسية.

كل ما سبق لم يكن سوى قطرة في بحر جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر، بحسب مؤرخين جزائريين، استعملت باريس عظام مقاومين في صناعة الصابون والسكر.

 

.. وتجارب نووية في صحراء الجزائر

التجارب النووية الفرنسية في الجزائر: آثارها تلوث العلاقات بين البلدين - BBC  News عربي

وتشير مصادر تاريخية أخرى إلى أن سلطات الاستعمار الفرنسي أجرت سلسلة تجارب نووية في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966، وقامت خلال هذه الفترة بـ 17 تجربة نووية، بحسب مسؤولين فرنسيين، بينما يقول مؤرخون جزائريون إن العدد أكبر.

وخلّفت تلك التجارب آلاف الضحايا، من العمال الجزائريين والمواطنين الأصليين والبدو الرحل، وكذلك الجزائريين الذين تمّ استعمالهم كمختبر تجارب، وفق ما سجّله الباحث منصوري في العدد الأول من المجلة العلميّة “مصادر تاريخ الجزائر المعاصر”، الصادر عام 2019.

وكشف وزير الخارجية الجزائري الأسبق صبري بوقادوم أن هذه التفجيرات النووية عادلت 4 أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان. وبلغ عدد الضحايا الجزائريين لهذه التجارب 42 ألفاً على الأقل، بعد إصابتهم بأمراض ناجمة عن التعرض لنشاط إشعاعي وإحداث عاهات مستديمة؛ بسبب الإشعاعات النووية التي لا تزال تلوث المكان حتى اليوم، وترفض فرنسا تزويد الجزائر بالأماكن الدقيقة لتلك التجارب.

 

“جريمة إبادة” راح ضحيتها ثلثي سكان الأغواط

عام الخلية" في الأغواط - الذاكرة

في الفترة من 21 نوفمبر وحتى 4 ديسمبر 1852، أبادت ‏القوات الفرنسية ثلثي سكان منطقة الأغواط الجزائرية، حسب المراجع والمصادر الجزائرية.

استخدمت القوات الفرنسية موادا محرمة ارتكبت من خلالها أول “جريمة إبادة” في الجزائر، راح ضحيتها الآلاف، بما يمثل نحو ثلثي سكان المنطقة.

في وقت سابق، أكد رئيس حركة البناء الوطني بالجزائر، عبد القادر بن قرينة، أن “بلده لا يمكن أن تنسى جريمة الاحتلال الفرنسي، في حصار مدينة الأغواط في 21 نوفمبر 1852”.

وتعد جريمة “الأغواط” من بين أبشع الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر، في ظل مطالب جزائرية بضرورة الاعتراف والاعتذار عن تلك الجرائم.

واستخدمت فرنسا قذائف معبأة بـ “الكلوروفورم”، وهي مادة كيميائية سامة، تصبح قاتلة حينما يتم إعدادها بنسب مركزة، وتتسبب في تهيج الرئة والتهابات حادة في أنسجتها، ما يحدث اختناقا شديدا يؤدي إلى الوفاة.

وأدى القصف الكيماوي إلى مقتل نحو ثلثي سكان المنطقة نتيجة استنشاق الغازات السامة، وقدّر عدد الضحايا حينها بـ 2500 من مجموع 3500 نسمة، وهو تعداد سكان الأغواط حينها.

من ناحيته، قال المؤرخ الجزائري، الأستاذ الدكتور محمد الأمين بلغيث، إن “حصار “واحة الأغواط” الجزائرية من طرف الجنرال بيليسييه، يعد محطة أساسية في التوسع الاستعماري الفرنسي في الجنوب الجزائري، بعد الانتصارات الساحقة التي قام بها الجيش الفرنسي في بسكرة وواحة الزعاطشة عام 1849″.

وأضاف في حديثه لمواقع إعلامية أن “الجيش الفرنسي لجأ لمعاقبة أهالي “التل” ومشارف الصحراء التي ساعدت بسكرة عروس وعاصمة الزيبان في جهادهم أيام الجنرال هربيون والضابط سيروكا. كما أن القوات الفرنسية ارتكبت سلسلة من الأعمال الوحشية في الصحراء الشرقية والصحراء الجزائرية الوسطى”.

وأوضح أن “القوات الفرنسية الغازية لم تتوقف حينها عند مدينة بوسعادة وأحوازها، بل تقدمت للقضاء على مدينة “الأغواط”، حيث أنها تشكل نقطة مفترق الطرق التجارية الصحراوية بين الشمال الشرقي وغرب أوروبا”.

ولفت إلى أن “الجيش الفرنسي حاصر “الأغواط” من يوم 21 نوفمبر إلى 04 ديسمبر 1852، وهو ما يسمى في أدبيات المؤرخين الجزائريين “عام الخلية”، أي خراب الأغواط”.

و”كانت نتيجة الحصار والهجوم هو حرق “الواحة الهادئة”، وهي مركز حضري بامتياز لقبائل جبل عمور والقعدة وأشراف البوازيد، حيث قضت فرنسا بقيادة الجنرال بيليسييه على ثلثي السكان، ولأول مرة في تاريخ الحروب الاستراتيجية توظف كلمة أو مصطلح “إبادة”، بحسب المؤرخ.

وبحسب المؤرخ الجزائري، محمد الأمين بلغيث، “استخدمت القوات الفرنسية “الكلور المحرم” في إبادة ساكنة الأغواط من 2500 إلى 3500 من أصل 4500 نسمة”.

“كما استخدمت ما عرف بالحرب النووية والتفجيرات التي ستستخدمها فرنسا في المثلث الرهيب “رقان، إينكر، وحموي” وكذلك “اليرابيع الثلاث”، أي القنابل والتجارب الباطنية والفيزيائية التي قامت بها فرنسا في 13 فيفري 1960، وهي جرائم متعددة”، وفقا لبلغيث.

 

حقول الموت… ذكريات ومآسي ألغام المستعمر الفرنسي

فوق السلطة- متى ستفرج فرنسا عن خرائط ألغامها الأرضية في الجزائر؟ | البرامج  | الجزيرة نت

ما تزال ذكريات مآسي ألغام المستعمر الفرنسي عالقة في أذهان ضحايا “عبوات الموت” على مستوى المناطق الحدودية بولاية النعامة التي اجتازها خطا شارل وموريس والتي تعكس جرائم وحشية لا تمحى.

وتعكس أمثلة عديدة لأشخاص تعرضوا لإعاقات مختلفة وتشوهات بمجرد اختراقهم لحقول الموت وأصبحوا في مواجهة شظايا تلك العبوات المتطايرة من تحت أقدامهم، حجم المعاناة والأحزان التي لازمت السكان القاطنين بالمناطق الحدودية.

وكانت تلك الألغام المزروعة بالشريط الحدودي بولاية النعامة عنوانا لمأساة أخرى من مخلفات المستعمر الفرنسي، بعد أن أخذت تحصد ضحاياها حتى ما بعد الاستقلال.

ويؤكد سكان بعض القرى والمناطق النائية وخصوصا عبر بلديات النعامة ومكمن بن عمار وتيوت وجنين بورزق وعين الصفراء، أن الألغام التي زرعها المستعمر الفرنسي عزلت عدة مناطق أصبحت لعدة سنوات كمساحات محرمة وخصوصا على مستوى المراعي السهبية والشريط الحدودي.

وأبرز الضحايا تعرضوا لإصابات وتشوهات جراء انفجار لغم استعماري أثناء مزاولتهم لنشاطاتهم اليومية، وأغلبهم من رعاة الأغنام والبدو الرحل، كما أنهم عايشوا كابوس هذه الألغام لفترة طويلة وأصبح شبحا مفزعا أرّق حياتهم.

ويستفيد نحو 170 شخصا من ضحايا هذه الألغام المضادة للأشخاص بولاية النعامة من مساعدات اجتماعية مباشرة في شكل منح شهرية، إضافة إلى الرعاية الطبية والاجتماعية التي تقدم لهم كحصولهم المجاني على تركيب الأجهزة والأعضاء الإصطناعية والعلاج بواسطة التنشيط الحركي وغيرها، وفقا لما أبرزته مديرية المجاهدين.

وقد ألحقت بهم تلك العبوات عاهات جسمانية مستديمة ومآسي اجتماعية، وهو ما أكده فراجي 57 سنة، من منطقة فوناسة ببلدية جنين بورزق، قائلا: “تعرضت لهذا الحادث منتصف الثمانينيات حينما كنت أساعد جدي في نشاط الرعي، وقد بترت رجلي وأستعمل الآن رجلا اصطناعية”.

 

شهادات حية تروي حجم مأساة حقول الموت

ربيقة: الدولة عملت على التكفل بضحايا الألغام المزروعة من طرف الاستعمار  الفرنسي | الإذاعة الجزائرية

يعد ضحايا الألغام كثر، وقد اختلفت أعمارهم سواء كانوا رجالا أو نساء أو حتى أطفال، كما لم تنجُ الحيوانات أيضا من أغنام وجمال وحمير.

ويروي أحمد مربوعة (68 سنة) كيف فقد ذراعيه وبصره وكان سنه حينها 11 عاما قائلا: “عندما كنت أقوم بجمع الحطب بسفح جبل لنقار بتيوت، انفجر لغم أرضي مضاد للأشخاص وأصبت بشظية كبيرة وتم بتر ذراعي الإثنين، كما أصبحت كفيفا بعد الانفجار”.

من جهته، أبرز بودواية لحبيب 61 سنة الذي يعد ضحية أخرى من منطقة مسيف بالنعامة، أن الحادثة تركت آثارا نفسية مدمرة له شخصيا ولأسرته أيضا، فبعد العاهات التي أصيب بها أصبح غير قادر على العمل وعاجز عن السير والحركة.

وأضاف: “نشاط رعي الأغنام أو الصيد أو البحث عن الكمأ البري الذي يعرف محليا بالترفاس، كلها كانت سببا في انفجار بقايا تلك الألغام، إذ أن الضحية لا يمكنه تحديد أماكن وجودها”.

 

عمليات إزالة الألغام الناجعة للجيش الوطني الشعبي تعيد الأمل للسكان

تقرير جزائري: سبعة آلاف قتيل بألغام الاستعمار الفرنسي

ويقول الضحايا إنه بفضل عمليات إزالة الألغام التي جسدتها الفرق المختصة للجيش الوطني الشعبي، تحقق أمن سكان المناطق المعنية وخاصة بالمنحدرات الجبلية الوعرة.

وبالفعل، الوضع اليوم يختلف كثيرا عن الأمس، فقد تم استصلاح العديد من الأراضي كانت في السابق من “المناطق المحرمة” بعد أن طهرت من بقايا الألغام، وهو التحدي الذي رفعه أفراد فرق سلاح الهندسة التابعة للجيش الوطني الشعبي الذي حول مئات الهكتارات بالولاية إلى أراضي تساهم في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية لفائدة السكان.

ومكنت جهود الجيش الوطني الشعبي من تطهير هذه الأراضي كليا من تلك الألغام الاستعمارية من نوع المضادة للأفراد والمضادة للجماعات والألغام المضيئة، وذلك مع حلول منتصف سنة 2016 حيث سلمت لتسع بلديات من ولاية النعامة بمساحة تفوق 4.230 هكتارا تمتد على طول بنحو 957 كلم، وفق ما أشارت إليه مصالح الولاية.

وتبقى تلك الألغام المزروعة خلال الحقبة الاستعمارية بأراضي الولاية وصمة عار وشاهدا للأجيال القادمة، بأن هذه المساحات التي تحولت اليوم إلى مشاريع فلاحية واستثمارية كانت بالأمس عنوانا للموت والإعاقة.

وأكد الأستاذ الجامعي والباحث في التاريخ دردور سمير من عين الصفراء (النعامة) أن “فرنسا الاستعمارية تتحمل المسؤولية الكاملة بخصوص ما ارتكبته من جرائم وحشية وزرع تلك الألغام التي كانت خطة واضحة المعالم لعزل الثورة التحريرية”.

 

تاكوشت.. قرية أحرقتها فرنسا الاستعمارية بسبب مساندتها للثورة

تعتبر قرية “تاكوشت”، إحدى أكبر قرى بوزقان بتيزي وزو، من بين القرى المتعددة بالولاية التاريخية الثالثة التي قامت فرنسا الاستعمارية بحرقها وتدميرها بالكامل، خلال حرب التحرير الوطنية.

جيش فرنسا الاستعمارية، الذي لم يتمكن من قمع مساندة سكان تاكوشت للثورة والسيطرة على مقاومة القرويين، الذين التفوا جلهم حول الثورة من خلال تعزيز صفوف جيش التحرير الوطني وتوفير المعلومات والمأكل والمبيت وكل الوسائل المادية الضرورية للمجاهدين، قام بمعاقبة السكان من خلال طردهم من منازلهم وحرق قريتهم بالكامل.

وما يزال شيوخ القرية يتذكرون إلى يومنا هذا، ذلك اليوم المشؤوم الذي أجبروا فيه على مغادرة منازلهم وهم لا يحملون معهم سوى القليل من الأغراض، ليعيشوا بعدها حياة الرحل في القرى المجاورة.

وروى أحد الشيوخ أن أمر المغادرة جاءهم يوم 17 جوان 1958 ومنحت لهم مهلة 36 ساعة لإجلاء القرية. وأردف يقول “لقد هربنا كلنا إلى جهة معينة، في اتجاه القرى المجاورة، حيث استضافنا الأقارب إلى غاية الاستقلال”.

كما لا يزال القرويون يتذكرون “الطائرات الصفراء” التي كانت تحلق فوق رؤوسهم تجاه منازلهم التي غادروها. ولم ينسوا أبدا أصوات القنابل المدوية وهي تتهاطل على قريتهم وعلى أحيائهم الخالية على عروشها. كما احتفظت ذاكرتهم بتلك الصور المؤلمة لأعمدة الدخان والنيران المتصاعدة من احتراق بيوتهم، شاهدة على مدى الدمار والخراب الذي لحق بتاكوشت.

وكانت هذه العملية عقاب فرنسا لـ “جريمة” القرويين المتمثلة في استضافة المجاهدين ومساندتهم. ويعتبر بيت عائلة يحوي من بين أهم منازل القرية التي شكلت مأوى للمجاهدين خلال حرب التحرير الوطنية.

وأكد أهل القرية أن “المجاهدين كان يأوون إلى هذا البيت بعد كل عملية لهم في الضواحي وكانوا يجدون فيه الراحة والطعام. وكثيرا ما كان هذا البيت ملجأ للعقيد عميروش ورجاله”.

كما تم بنفس البيت أيضا سجن أحد جنود الجيش الفرنسي، الذي تم اعتقاله خلال معركة كبيرة بالمكان المسمى “تانعيمت” بقرية آث فراش ببوزقان، حيث تكبدت فرنسا خسائر معتبرة على يد عناصر جيش التحرير الوطني، قبل نقل السجين إلى مكان آخر، وفق نفس الشهادات.

ويتعلق الأمر بالعريف بول بونوم الذي تم اعتقاله خلال المعركة المذكورة يوم 30 أوت 1957، على مستوى الطريق الرابطة ما بين بوزقان وحورة بالمكان المسمى “مفترق طرق الجنرالات”، وذلك خلال كمين تم نصبه لموكب للسرية الرابعة التابعة للكتيبة الـ 27 لمقاتلي جبال الألب، من طرف حوالي مائة مجاهدين مزودين بأسلحة أوتوماتيكية وقاذفات القنابل اليدوية كانوا منتصبين على جانبي الطريق التي كان سيعبرها العدو.

وحسب نفس الشهادات، فإن المجاهدين قد اعتقلوا خلال هذه المعركة جنديا فرنسيا، لم نكن نعرف من يكون. وكان الجيش الفرنسي قد أرسل وقتها دوريات للبحث عنه، ولم يفلح في جلب أي معلومات عنه لدى السكان الذين بقوا أوفياء للثورة والتزموا بالصمت بالرغم من كل تهديدات المستعمر.

 

متحف يشهد على مجازر الاستعمار

وبادر الحرفي بوعرابة محمود، أحد سكان تاكوشت، في إطار المجهودات الرامية لتعريف الأجيال الصاعدة التي لم تعرف الثورة، بالمجازر التي ارتكبتها فرنسا في قريته، إلى انجاز متحف تاريخي على مستواها، يتم فيه عرض الترسانة العسكرية التي كان يستعملها الجيش الفرنسي ضد الشعب الجزائري.

وتعتبر كل الأسلحة المعروضة من إنجاز أنامل الحرفي بوعرابة، بما فيها الطيران الفرنسي، سيما “الطائرات الصفراء” وهي قاذفات القنابل المستعملة يوم 17 جوان 1958 لتدمير قرية تاكوشت.

وأكد الحرفي عن نيته من خلال هذا المتحف “إعطاء فكرة للأجيال الصاعدة عما عاشه أجدادهم تحت نير الاستعمار، وأن يعرفوا أن طموح الشعب الجزائري في العيش حرا مستقلا في بلده، كان أقوى بكثير من الترسانة العسكرية لرابع قوة عالمية آنذاك”.

وواصل مسترسلا: “لا يجب أبدا أن ننسى هذه الصفحة من تاريخنا”.

كما بادرت مديرية الثقافة الولائية شهر أوت 2008 إلى تدشين متحف آخر على مستوى الموقع القديم لـ “تاجماعت” الذي تمت إعادة الاعتبار له. ويتضمن هذا الموقع جرة كبيرة من الطين كانت تستعمل للاحتفاظ بالطعام للمجاهدين خلال حرب التحرير الوطنية، كشاهد على الدعم الذي كان يمنحه القرويون للمجاهدين، وفق جمعية اغنجور (وهو اسم الغابة المجاورة لتاكوشت والمنبع المائي الذي يمونها).

وكان القرويون يحتفظون بهذه الجرة (اكوفي بالقبائلية) مدفونة تحت أرضية المسجد، وكانوا يضعون فيها الأكل الموجه للمجاهدين قبل غلقها وتغطيتها بسجادة الصلاة.

وقام القرويون بعد عودتهم إلى القرية، غداة الاستقلال، باسترجاع هذه الجرة التي لم تصل إليها قنابل فرنسا، واحتفظوا بها إلى غاية وضعها في هذا المتحف.

وسجلت قرية تاكوشت سقوط 75 من أبنائها البررة في ميدان الشرف خلال حرب التحرير الوطنية، وتم تنصيب نصب تذكاري بالقرية تخليدا لذكراهم.

وفي عام 1964، عادت عائلات تاكوشت إلى قريتها فوجدوها حطاما ودمارا ذكّرهم بفظاعة الاستعمار الذي أحرق قرى بأكملها في محاولة يائسة منه من أجل إضعاف الثورة وثني السكان عن دعم ومساندة المجاهدين.

وتم إعادة بناء قرية تاكوشت، بكل صبر وتفان، حجرة تلو حجرة، بكل أزقتها الضيقة وموقع تاجماعت، وذلك بفضل جهد وعرق أبنائها الذين بذلوا كل ما بوسعهم من أجل إعادة إحياء المجتمع والذاكرة الجماعية لتاكوشت، القرية التي ولدت من جديد.

لمياء بن دعاس