ما تزال الأخبار عبر صفحات الجرائد أو مواقع التواصل تطلعنا على خبر اختفاء الأطفال، وهو الكابوس الذي صارت تعاني منه الأسر الجزائرية، منذ عدة سنوات، هذا الاختفاء غالبا ما يوضع تحت عنوان “اختطاف الأطفال”، وهي الظاهرة التي لطالما اعتبرناها غريبة ودخيلة على مجتمعنا، لكنها أصبحت موجودة ولا يمكن لأحد نكرانها.
أرجع المختصون في علمي النفس والاجتماع تنامي ظاهرة اختطاف الأطفال لعدد من العوامل المجتمعية التي أثرت على النسيج الاجتماعي وعلى البنية النفسية للفرد، ويقولون إن العمليات الإجرامية هذه تكون غالبا لأسباب عديدة، أبرزها الدافع الانتقامي وذلك نتيجة نزاع بين طرفين وهنا الثأر يكون بالاختطاف، ومن الأمثلة التي سجلت مؤخرا أن أطراف النزاع تربطهم صلة قرابة .
إلى جانب ذلك يكون سبب الاختطاف في كثير من الأحيان الدافع الجنسي، حيث تم العثور على جُثث أغلب المعتدى عليهم جنسيا أو مشوهة، حتى لا يُتمكن من التعرّف على الفاعل، الذي غالبا ما يكون قريبا أو جارا أو مجنونا، وهناك فرضية أخرى يتحدث عنها الشارع لكن المصالح الأمنية نفتها جملة وتفصيلا، وهي أن يكون الاختطاف بهدف المتاجرة بأعضائهم البشرية لأغراض طبية أو لممارسة طقوس الشعوذة.
المختصة النفسية تاكليت: “أسباب نفسية ومادية وراء انتهاك براءة الأطفال في الجزائر”
ولتقصّي أسباب الانتشار الرهيب لظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر، قالت المختصة النفسية السيدة “تاكليت. ك”، إن لاستفحال هذه الظاهرة في مجتمعنا عدة دوافع، أهمها الدافع الانتقامي ويكون بين طرفين متنازعين، ويكون الهدف هنا هو الثأر، ويمكن أن يكون في حالة الطلاق أو في حالة الزواج المختلط، بقيام أحد الأطراف بخطف الأولاد والعودة بهم إلى بلده وحرمان الآخر منهـم.
وبالموازاة، أوعزت العديد من حالات الاختطاف إلى أسباب مادية، عن طريق طلب الفدية، بالنظر إلى الأوضاع المتأزمة التي يعيشها المجتمع الجزائري.
ويندرج في هذا الإطار أيضا المتاجرة بالأعضاء البشرية، سواء لأغراض طبية أو من أجل الشعوذة، وفي هذا السياق، تم اكتشاف جثث لأطفال استؤصلت أعضاؤهم، وهذا النوع من العمليات يتطلب دراسات وإمكانيات كبيرة، لذا فهي تدخل في إطار الجريمة المنظمة.
المحامي سمير إيزا: “عقوبة الخاطف تكون حسب ما قام به أثناء الاختطاف “
أما عن الجانب القانوني، فقد صرح الأستاذ سمير إيزا في اتصال هاتفي مع “الموعد اليومي” وفي سؤالنا عن عقوبة هروب الطفل أو اختطافه، أكد لنا محدثنا أن العقوبات في هذا المجال واسعة جدا ومختلفة باختلاف سبب اختفاء الطفل، فالطفل الذي يهرب ويرتكب جريمة ما، فإنه يقبض عليه ويعاقب بما تستدعيه فعلته وما ينص عليه قانون العقوبات الخاص بالأحداث، أما إذا هرب ولم يرتكب أي فعل أو جريمة، فإن قاضي الأحداث سيتدخل إذا ألقي عليه القبض ويسلمه لوالديه، وهذا التسليم، حسب نفس المتحدث، يعتبر عقوبة في حد ذاتها، وأما إذا كان الاختفاء بسبب الاختطاف، فإن القانون يعاقب على الاختطاف لكونه اختطافا فقط، أما إذا كان الاختطاف من أجل سرقة الأعضاء البشرية أو من أجل الاعتداء الجنسي أو غيرها من الجنح أو الجرائم، فإن العقوبة تكون بحسب الفعل الممارس مع الاختطاف، فتكون التهمة المنسوبة – إضافة إلى الاختطاف –هي ما يحدد العقوبة، كما أشار الأستاذ سمير إيزا إلى اختفاء بعض الأطفال بعد قيام أحد الوالدين بعد الطلاق باختطافهم، وهذا ما يحدث خاصة بالنسبة للمتزوجين بالأجانب .
وفي سؤالنا إن كانت القوانين والعقوبات المسلطة غير الردعية هي التي تكمن وراء الظاهرة، أكد لنا المحامي أن القانون الجزائري ردعي لكن هناك الكثير من الأسباب والظروف الاجتماعية هي التي تنشئ الظاهرة، كما أن هناك بعض الأشخاص الذين هم مجرمون بالفطرة، فرغم الظروف المعيشية الحسنة إلا أن نزعة الإجرام لديهم قوية، وهذا ما يفسره ما تطلعنا به الصحف من أخبار سواء هروب القصر أو اختطافهم .
الباحث في العلوم الإسلامية الأستاذ فاتح بوزكريا: التعامل مع الخاطف لابد أن يكون بقسوة تماثل قسوته عند اختطافه طفلا بريئا”
قال الأستاذ فاتح بوزكريا الباحث في العلوم الإسلامية إن اختطاف الأطفال الأبرياء يستحق عقوبة لا تقل عن حد الحرابة في الإسلام نكالا على ترويعه العائلة والمجتمع بخطف الطفل البريء والإسلام لا ينتظر حتى يصير اختفاء الأطفال ظاهرة، وإنما يكفيه أن يشتكي فرد واحد من ضرر حتى يجد له العلاج المناسب، كما أشار الأستاذ فاتح بوزكريا إلى أن الدين الإسلامي حرص حرصا شديدا على ضرورة تهيئة الجو لتربية الطفل تربية سليمة وطيبة، مؤكدا أن التعامل مع المذنب في حق الطفل يجب أن يكون بقسوة تماثل تلك التي ألحقها بالطفل وعائلته، وأكد الأستاذ أن من استهدف طفلا كأنما استهدف مجتمعا بأكمله، معتبرا أن جريمة الاختطاف من أكبر الجرائم لأن أخف شيء يرتكبه الخاطف هو إخراج الطفل من حضن عائلته، أما أكبر شيء فلا يعد ولا يحصى سواء القتل أو سرقة أعضائه أو الاعتداء الجسدي عليه .
لمياء. ب