سجلت الدبلوماسية الجزائر خلال سنة 2021، حضورا قويا في كافة الملفات الدولية والإقليمية خاصة العربية والإفريقية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وإعادة جمع الشمل العربي، وتجلى هذا الحضور بوضوح في تحركات كثيفة وزيارات متبادلة بين كبار مسؤولي الدولة الجزائرية ورؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، ومن أبرز بصمات الجزائر في العالم لسنة 2021، إعادة القضية المركزية، فلسطين، إلى الواجهة الدولية والوقوف أمام محاولات امتداد الكيان الصهيوني بالقارة الإفريقية مع الجهر بضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي من أجل ثمتيل عادل لهذه القارة، وميزت نفس السنة، نهاية مرحلة العتاب وعودة الجزائر إلى علاقات “الند للند” مع فرنسا، ناهيك عن عودة قوية للدبلوماسية الاقتصادية وإعادة تكتيف التعاون مع دول الجوار كتونس، موريتانيا، مالي، النجير والتشاد والاهتمام بشؤون الجالية في الخارج.
لا يختلف فيه اثنان، أن الدبلوماسية الجزائرية بقيادة الرئيس تبون خلال سنة 2021، قد أدت دورا قويا وعادت إلى مجدها التاريخي الذي تمتد جذوره لمرحلة الثورة التحريرية، وقد بدا هذا الدور واضحا في حضور الجزائر سواء ممثلة في رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون أو الوزير الأول، وزير المالية، أيمن عبد الرحمن أو وزير الشؤون الخارجية والجالية، رمطان لعمامرة، في أهم المواعيد الدولية والإقليمية والقارية والعربية، كان آخرها زيارة الدولة التي أداها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون إلى تونس وإعادة إعطاء دفع قوي للعلاقات التاريخية بين البلدين. وبالمقابل أيضا، كانت الجزائر خلال هذه السنة رغم الوضع الصحي الذي فرضته جائحة كورونا محطة لكبار قادة العالم آخرهم الرئيس الموريتاني ولد الغزواني وقبله رئيس دولة فلسطين محمود عباس والرئيس الإيطالي والعشرات من رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية ووزراء ومسؤولي هيئات ومؤسسات دولية.
استمرار الوقوف مع فلسطين ظالمة أو مظلومة مهما كلف الثمن

ومن أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية لهذه السنة هي إعادة القضية المركزية القضية الفلسطينية إلى واجهة ساحة الأحداث الدولية في زمن تهافت فيه بعض القادة العرب والمسلمين إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، فبعد أن أكد الرئيس عبد المجيد تبون، في أكثر من مناسبة رفض الجزائر القاطع، الهرولة إلى التطبيع مع الكيان المحتل، جدد فعلا التأكيد على استمرار الجزائر السير على نهج مقولة “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، رغم الظرف وما كلف من ثمن ممثل في مناورات يؤديها نيابة عن الكيان الصهويني، نظام المخزن الذي احتضن جماعات إرهابية، تسعى إلى زعزعة استقرار الجزائر بزيارة دولة ناجحة جدا أداها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وأعلن من خلالها الرئيس تبون عن احتضان الجزائر للقاء جامع للفصائل الفلسطينية، إلى جانب وضع القضية في مقدمة أولويات القمة العربية المقررة بالجزائر في مارس القادم. دعم الجزائر لفسطيين لن يتوقف مهما كلف الثمن والكل يعلم أن ما عشته الجزائر من حرائق غابات أخيرة وتقارير دولية مغلوطة يقف ورائه نظام المخزن وحليفه إسرائيل، الأمر الذي اضظر بالجزائر إلى تحصين وحدتها واستقرارها بوقف العلاقات مع المغرب لأن نظامه “جار سوء” لما يرتكبه من انزلاقات خطيرة لا تراعي العلاقات التاريخية بين الشعبين، آخرها الاعتداء على تجار جزائريين ناشطين عبر محور الجزائر-نواكشوط.
عودة علاقات “الند للند” مع فرنسا

ومن أهم ما ميز العلاقات الدولية للجزائر خلال هذه السنة تلك الأزمة السياسية والدبلوماسية التي تسببت فيها فرنسا وعاملتها الجزائر بـ”الند للند” من منطق البلد القوي في مواجهة بلد استعمار الأمس، وبدأ بمناورات فرنسا بعد انزلاقات إعلامية من طرف إعلامها الرسمي، الذي فتح الباب لتنظيمات إرهابية موالية للمغرب، مرورا بتقليص التأشيرات للرعايا الجزائريين، إلى أن وصل بها الحد إلى التشكيك على لسان رئيسها ماكرون في هوية الأمة الجزائرية، الأمر الذي رفضته الجزائر جملة وتفصيلا وانطلقت الدبلوماسية في معركة الشرف، حيث سحبت الجزائر سفيرها من باريس ثم قرر منع مرور الطائرات العسكرية الفرنسية عبر الأجواء الجزائرية، قوة الموقف جعل من الرئيس الفرنسي يسارع إلى محاولة إعادة دفئ العلاقات مع الجزائر من خلال إيفاد وزير خارجيته، جون ايف لودريان، قبل أسابيع لطلب الاعتذار عما بدر من فرنسا.
مواصلة الدفاع عن إفريقيا والشعوب المظلومة ووقف المد الصهيوني

وفي هذه السنة أيضا، واصلت الجزائر دورها البارز على الصعيد القاري، حيث واصلت بصوت قوي مطالبة الأمم المتحدة بضرورة الإسراع في إصلاح مجلس الأمن الأممي بثمتيل عادل ومتوازن للقارة الإفريقية وهو ما سجل بقوة في اجتماع وزراء خارجية إفريقيا بوهران، كما لم تتخلى الجزائر عن دورها في الدفاع عن حق الشعوب المستمرة في تقرير مصيرها وفق الشرعية وفي مقدمتها قضية الشعب الصحراوي المحتل من قبل الاستعمار المغربي.
وأعادت الجزائر خلال نفس السنة، تسجيل حضورها البارز في دول الجوار، فإلى جانب الوقوف مع مالي ودعم الاستقرار في أرجائه، تمكنت من فرض قرار بمنع التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا لما له خطورة من تعقيد الوضع، كما سعت إلى تعزيز علاقات التعاون وحسن الجوار القائمة بينها وبين موريتانيا وتونس والنجير والتشاد وتعزيز التبادلات الاقتصادية معهم في إطار دبلوماسية اقتصادية تعكف عليها الجزائر في أسواق القارة السمراء. وفي إطار تطبيق برنامج رئيس الجمهورية في الشق الخاص بالجالية الوطنية، أولت الخارجية اهتماما خاصة بالرعايا الجزائريين المقيمين بالخارج والعمل على ربط أواصر التواصل مع البلد الام الذي تجلى من الطرفين الدولة والجالية خلال الازمة الصحية الأخيرة. ومع نهاية سنة 2021، هناك العديد من المؤشرات التي تدل على مواصلة الجزائر لحضورها الدبلوماسي في العالم خلال السنة المقبلة، وأبرزها احتضان قمة عربية في مارس القادم، واجتماع قريب للفصائل الفلسطينية واجتماعات دولية، إقليمية وقارية، وأخرى سياسية واقتصادية وإنسانية، دأبت الجزائر على احتضانها كلما تطلب الأمر وكانت الحاجة لذلك.
دريس.م









