* كورونا والنفط.. أوحين تتحالف الأزمات
——————————————————————————————————
الجزائر -جثم شبح “كورونا”، طيلة سنة 2020، على حياة الجزائريين وبدا تأثيره واضحا على اقتصاد البلاد، ما دفع بالسلطات لاتخاذ قرارات غير مسبوقة لإنقاذ الوضع، خصوصا مع استمرار تذبذب أسعار النفط.
واستمرت الأزمة الاقتصادية التي دخلت فيها الجزائر منذ 6 سنوات، واشتد لهيبها خلال السنة الحالية، بفعل جائحة كورونا وتذبذب أسعار النفط، وتأثيرات قضايا فساد النظام السابق.
ومنذ الأشهر الأولى لسنة 2020 سارعت الحكومة لاتخاذ إجراءات استعجالية لإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار، عبر حزمة من القرارات الهادفة لتحصينه، خصوصاً من تآكل احتياطات الصرف، والبحث عن ملاذات اقتصادية للصادرات تعوض بها جزءا من الخسائر الناجمة عن تداعيات كورونا وتراجع أسعار النفط، وتبخر ملايين الدولارات في قضايا فساد من عهد النظام السابق.
ويعد تجاوز الجزائر لخلافاتها الغازية مع إسبانيا وإيطاليا بعد أن اتفقت مع البلدين الأوروبيين على إعادة ضخ الغاز الجزائري بعد سنوات من المفاوضات والخلافات، النقطة المضيئة الأبرز في اقتصاد الجزائر لعام 2020.
كورونا والنفط.. أو حين تتحالف الأزمات

لم تمهل جائحة كوفيد-19، رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، كثيرا لمباشرة الإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها في برنامجه الانتخابي، لمواجهة تركة اقتصاد هش مهدد بالإفلاس.
وكان فيروس كورونا أسرع من الخطوات الإصلاحية للرئيس، ما أجبر الحكومة على اتخاذ جملة من القرارات لاحتواء فيروس كورونا ومنع تفشيه، أثرت بشكل كبير على الوضع الاقتصادي، كان من بينها إغلاق كافة الحدود البرية والجوية والبحرية، وفرض حجر جزئي وشامل على عدد كبير من الولايات عقب تفشي فيروس كورونا، ما أثر على النشاط التجاري والاقتصادي للشركات العمومية والخاصة وكذا للتجار.
وقد أدى ذلك إلى تزايد في تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، التي تراجعت أصلا بنحو 50 بالمائة في السنوات الـ5 الأخيرة، فيما سارعت الحكومة لمنح تعويضات مالية للمتضررين من الجائحة.
كما فرضت جائحة كورونا على الحكومة اتخاذ مزيد من الإجراءات التقشفية بهدف التصدي لتداعيات كورونا، كان من أبرزها خفض الإنفاق العام بنسبة 30 بالمائة، وتأجيل المشاريع العمومية لمواكبة الضغوط الاقتصادية، وخفض نفقات شركة سوناطراك الخاصة بالاستثمار من 14 مليار دولار إلى 7 مليارات، بالإضافة إلى إلغاء إبرام عقود الدراسات والخدمات مع المكاتب الأجنبية في مختلف المشاريع والتي تكلف الجزائر سنوياً 7 مليارات دولار، وتجميد المشاريع الكبرى.
قرارات غير مسبوقة لحماية القدرة الشرائية والشركات

ومع التداعيات السلبية لجائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط التي كبدت الجزائر خسائر بنحو 10 مليارات دولار، اتخذت حزمة من الإجراءات اعتبرها الخبراء بـ”الجريئة”، هدفت لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، ولإنقاذ الشركات من الإفلاس.
وتقرر إلغاء الضريبة على الأجور التي تقل أو تساوي 30 ألف دينار، ورفع الأجر الوطني الأدنى المضمون بزيادة ألفي دينار ليصبح 20 ألف دينار، وكذا إلغاء نظام التصريح المراقب على المهن الحرة، كما رفعت معاشات المتقاعدين بنسبة 7 بالمائة، ومنحت تعويضات مالية لعدد من أصحاب المهن الحرة، بالإضافة إلى تجميد دفع ضرائب الشركات بهدف تخفيف آثار إجراءات العزل العام المرتبطة بفيروس كورونا على الشركات العمومية والخاصة.
7 حلول لعلاج الأزمة

وطيلة أشهر الأزمة الصحية والاقتصادية، عقد مجلس الوزراء اجتماعات ماراطونية لدارسة وبحث الإجراءات، سارعت على مراحل لاتخاذ قرارات إنقاذ على المديين المتوسط والبعيد، وصفها الخبراء بـ”الملاذات الآمنة من شبح الإفلاس”، من أبرزها قرار الجزائر التوجه نحو السوق الإفريقية بعد مصادقتها على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية أوائل 2020، وسطرت هدف رفع صادراتها خارج قطاع المحروقات إلى 5 ملايير دولار، وكذا تحويل من 10 إلى 12 مليار دولار من احتياطات الصرف لفائدة تمويل الاستثمار، وإحداث تغييرات على قانون الاستثمارات لجلب رؤوس الأموال الأجنبية في عدة قطاعات، بعضها تقرر فتحه للمرة الأولى أمام الخواص، مثل النقل الجوي والبحري، وإعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة العربية الحرة، ومراجعة الميزان التجاري للجزائر مع عدة دول، للحد من خسائر العجز في الميزان التجاري الذي يقارب الـ30 مليار دولار.
كما باشرت الجزائر إحصاء احتياطاتها من موارد طاقوية ومعدنية أخرى غير مستغلة بغرض الاستثمار فيها، بينها الذهب والفوسفات والنحاس والحديد وغيرها، للمرة الأولى في تاريخها، وفتح المجال أمام شراكات كبرى للمستثمرين الأجانب في معظم مناجم البلاد.
وتقرر كذلك استغلال منجم الحديد بمنطقة “غار جبيلات” الذي يعد من أكبر احتياطات العالم من الحديد، وكذا منجم الزنك والرصاص بمنطقة “واد أميزور” ببجاية، ومشروع آخر للفوسفات بولاية تبسة، مع الترخيص أيضا للمستثمرين المحليين باستغلال مناجم الذهب بمنطقة “جانت”.
كما تقرر وقف عمليات استيراد الوقود والمواد المكررة خلال الربع الأول من 2021 لتعزيز الإنتاج المحلي وخفض فاتورة الواردات، بشكل قد يوفر نحو 3 مليارات دولار، وكذا استرجاع احتياطات الذهب المحلية التي باتت أموالاً مجمدة على مستوى الجمارك منذ أكثر من 4 عقود في الموانئ والمطارات، وإدراجها كاحتياطات وطنية محلية، بالإضافة إلى إعداد خطة لإصلاح النظام المصرفي للبلاد، والتوجه نحو الصيرفة الإسلامية بعد طرح 9 منتجات مالية بهدف جذب رؤوس أموال المواطنين المودعة خارج البنوك الحكومية، وإدماج الاقتصاد غير الرسمي والسوق الموازية في النظام المالي.
ميزانية 2021 الأكثر تقشفا

ودفعت آثار كورونا وأسعار النفط السلبية الحكومة لإقرار أكثر الميزانيات تقشفاً وصرامة بنحو 62 مليار دولار لسنة 2021، بتراجع قيمته نحو 2 مليار دولار عن موازنة 2020.
وتوقعت وزارة الطاقة هبوط عائدات البلاد من المحروقات إلى نحو 23.5 مليار دولار مع نهاية العام الحالي، مقابل 34 مليار دولار نهاية 2019، وسط تحذيرات من نفاد 50 بالمائة من المخزون المكتشف من الغاز والبترول، في مقابل انخفاض حاد في رقم أعمال صادرات شركة سوناطراك النفطية بنحو 41 بالمائة.
كما تراجعت قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية في التعاملات البنكية الرسمية، وانخفض إجمالي الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 3.9 بالمائة، مع توقعات بأن يرتفع معدل البطالة مع نهاية العام إلى نحو 20 بالمائة وهو أعلى معدل تسجله البلاد منذ أكثر من 3 عقود.
وتوقعت الحكومة، أيضا، تراجع احتياطي الصرف مع نهاية العام الحالي إلى نحو 42 مليون دولار، رغم أن موازنة 2021 توقعت عودة ارتفاعها مع نهاية العام المقبل إلى 46.84 مليار دولار.
نهاية الخلافات الغازية مع الزبائن الأوروبيين

وتمكنت الحكومة، خلال شهري جوان وجويلية الماضيين، من إنهاء الخلافات الغازية مع إسبانيا وإيطاليا بعد سنتين من التفاوض حول قضية تتعلق بمدة عقد تصدير الغاز الطبيعي عبر “حل وسط” يضمن مصلحة جميع الأطراف.
وبموجب ذلك، وقعت شركة سوناطراك و”ناتيرجي” الإسبانية اتفاقية جديدة لتصدير الغاز إلى السوق الإسبانية لمدة 10 أعوام، قدرت كميتها بـ8 مليارات متر مكعب سنوياً، واتفاقية أخرى مع شركة “إيني” الإيطالية لتجديد عقد تصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإيطالية حتى عام 2049، لتوريد 1.5 مليار متر مكعب على مدار 29 عاماً من 3 حقول غازية، وكذا بين سوناطراك و”توتال” الفرنسية لتوريد الغاز الجزائري المسال بكمية تقدر بـ2 مليون طن سنوياً، لمدة 3 أعوام.
فيما توقعت وزارة الطاقة تراجع مداخيل البلاد من الغاز بنحو 4.7 بالمائة العام الجاري، بفعل تراجع الطلب من أوروبا والمنافسة من إمدادات أمريكية أرخص، في وقت تعتمد الجزائر على صادرات ومبيعات النفط والغاز في تمويل ميزانيتها العامة بنسبة تتجاوز 97 بالمائة من دخلها.
أمين.ب










