سارق الفرحة

اكتئاب ما بعد الولادة.. لحظات السعادة التي يخترقها الحزن

اكتئاب ما بعد الولادة.. لحظات السعادة التي يخترقها الحزن

تُعد ولادة طفل جديد من أبرز الأحداث السعيدة للآباء والأمهات، إلا أنها قد تسبب مجموعة متنوعة من المشاعر للسيدات، ما بين الفرح والخوف والقلق والارتباك. وفي بعض الأحيان، قد تؤدي إلى الأسوأ وهو الاكتئاب.

تعاني معظم الأمهات الجدد من “كآبة ما بعد الولادة”، التي تشمل عادة تقلبات المزاج ونوبات البكاء والقلق وصعوبة النوم. وتبدأ كآبة ما بعد الولادة عادة في غضون يومين إلى 3 أيام بعد الولادة، وقد تستمر لمدة تصل إلى أسبوعين.

وتناولت عدة دراسات الظاهرة وتباينت نتائجها حسب الحالات التي تتبعتها، فهناك من وجدت أن بعض الأمهات الجدد يعانين من شكل أكثر حدة وطويل الأمد من الاكتئاب يعرف باسم اكتئاب ما بعد الولادة. ورغم أنه لا يعد بأي شكل عيبا في الشخصية أو ضعفا، وفي بعض الأحيان يكون من مضاعفات الولادة فقط، فإن هناك عوامل جديدة للإصابة به اتضحت وتتضمن مثلا جنس المولود الجديد.

 

المولود الذكر يجعلك أكثر عرضة للاكتئاب

كشفت الأبحاث أن احتمالات إصابة المرأة بالاكتئاب بعد الولادة تزيد بنسبة مضاعفة عندما تنجب ذكورا مقارنة بالإناث، إذ حدد الباحثون في جامعة “كِنت” البريطانية أن النساء اللاتي ينجبن ذكورا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بعد الولادة بنسبة تتراوح بين 71% إلى 79%.

وعلاوة على ذلك، كانت النساء اللاتي تعرضن لمضاعفات أثناء الولادة أكثر عرضة بنسبة 174% للإصابة بالاكتئاب بعد الولادة، مقارنة بالنساء اللاتي لم يتعرضن لأي مضاعفات.

ونتيجة لهذه الأرقام الصادمة، قال مؤلفو الدراسة إن الاعتراف بأن كلا من الأطفال الذكور ومضاعفات الولادة من عوامل الخطر من شأنه أن يساعد المتخصصين في مجال الصحة في تحديد ودعم النساء اللاتي قد يكن أكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة.

وأظهر بحثهم أيضا أنه في حين أن النساء اللاتي لديهن ميل إلى أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر كن دائما أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بعد الولادة، فإن احتمالات إصابتهن به كانت أقل بعد التعرض لمضاعفات الولادة.

 

أسباب ارتفاع الإصابة بين أمهات الأطفال الذكور

بالبحث عما إذا كانت هناك علاقة بين جنس الأطفال واضطراب ما بعد الولادة بسبب الارتباط المعروف بين الاستجابة المناعية للالتهابات وتطور أعراض الاكتئاب، اتضح أن هناك علاقة طردية بين معدلات الالتهاب وإنجاب الذكور، وبين معدلات الالتهابات ومضاعفات الولادة بأنواعها.

وبالرغم من هذه المعلومات، فلم تتضح بعد العلاقة التي ربطت الأمرين ببعضهما، وارتباطهما المباشر بالإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وليست الأسباب واضحة حتى الآن، لكن هذا كله يرجّح أن هناك مزيدا من المعلومات المهمة التي ستكشفها الدراسات المستقبلية بهذا الخصوص.

 

أسباب اكتئاب ما بعد الولادة

بحسب عدد من الأطباء، فإن هناك عدة أسباب تدفع الأمهات للدخول في دوامة اكتئاب ما بعد الولادة، ومن بين الأسباب المحتملة:

– الإصابة باكتئاب الحمل، النساء اللائي يصبن باكتئاب الحمل أكثر عرضة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.

– العوامل الوراثية قد تتدخل أيضًا في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.

– انخفاض نسبة هرموني الاستروجين والبروجسترون، مما يؤثر على الحالة النفسية.

– تحمل الأم مسؤولية جديدة بعد الولادة.

– عدم وجود دعم من الزوج والأهل والأصدقاء.

– اضطرابات النوم والمجهود البدني بسبب وجود طفل رضيع.

 

اكتئاب ما بعد الولادة.. عقّد حياتها

“حنان” أم ثلاثينية عندما وضعت مولودها الأول، تحوّل الحلم لكابوس مرعب. فبعد الولادة، عاشت «حنان» حالة لم تمر بها من قبل، دون أن تجد تفسيرًا لما عانت منه، أو مساعدة من أسرتها التي لم تتفهم حالتها، بل زادت تعليقات أفرادها من تأزم وضعها ما جعلها تفكر في مغادرة المنزل، وهو فعل جنوني لم يخطر على بالها من قبل مطلقا، وفعلا خرجت من المنزل وهي ترغب في السير في الشوارع دون وجهة معينة، لكن صوت بكاء رضيعها أرجعها إلى بيتها، وما أن وصلت إلى رضيعها احتضنته بقوة، ودخل الاثنان في نوبة بكاء عارمة. وبالرغم من مرور 5 سنوات على الواقعة إلا أنها لم تخبر أحدًا بما حدث لأنها متأكدة من أنهم لن يفهموا دوافعها.

سيدة أخرى تدعى “رانيا” وهي أم عشرينية، تعاني من مشكلة أخرى دفعتها إلى اكتئاب ما بعد الولادة. فخلال الفترة التي أعقبت الوضع، زاد وزنها حوالي 15 كيلوغرامًا، وبدأت علامات ترهل الجلد في منطقة البطن تظهر عليها، نصحتها والدتها بارتداء حزام لتخسيس البطن، لكن هذا الحل فشل تمامًا في علاج مشكلتها، ففقدت “رانيا” الثقة في نفسها وكانت دائمًا ما تبكي كلما تحدث معها أحد حول مظهرها، وانطفأ جمال الشباب في وجهها وصارت كعجوز تجاوزت سن اليأس منذ فترة طويلة.

حاولت الأم العشرينية التغلب على مشكلتها بارتداء ملابس فضفاضة لكنها بقيت أمام نفسها «امرأةً بدينة»، ودخلت في دوامة الاكتئاب الذي كان سببًا في تناولها للمزيد من الطعام، خلال نوبات شره غريبة كان يعقبها غالبًا نوبات بكاء حزينة، وأثرت العوامل السابقة على علاقتها بزوجها وأسرتها، وهو ما جعل علاقتها الزوجية على المحك.

 

طريقتان لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة

وفقًا لعدد من الأطباء النفسيين، فإن هناك طريقتين لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة، وهما:1- العلاج المعرفي السلوكي: وهو نوع من أنواع العلاجات النفسية التي تعتمد على مخاطبة الأفكار والمشاعر، وتحليلها تحليلًا عميقًا، وعلاج الخلل الموجود، وينقسم العلاج إلى جلسات فردية، وأخرى جماعية. وتعتمد الجلسات الفردية على وجود معالج نفسي وليس بالضرورة طبيب، يقوم بعقد جلسات استماع تحكي فيها المريضة تجربتها وما تشعر به وما يدور في ذهنها، ويسجل المعالج ملاحظاته، ثم يطلب من المريضة القيام ببعض المهام قبل القدوم للجلسة القادمة، وتعتمد تلك المهام على سلوك التدوين وكتابة ما تشعر به إزاء بعض المواقف على وجه التحديد.

وفي الجلسة اللاحقة يقوم المعالج بتحليل تلك النتائج والحديث مع المريضة بشأنها، وإذا شعر المعالج بضرورة تناول بعض العقاقير المهدئة أو مضادة للاكتئاب، يقوم بتحويل المريضة إلى الطبيب المختص ومتابعة الحالة معه.

أما عن العلاج الجماعي: فيعتمد على ما يسمى بمجموعات الدعم وهم مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من نفس المشكلة ويتبادلون الحديث حولها، تحت إشراف معالج مختص يدير تلك الجلسات الدائرية ويتحكم في مجريات الأمور.

كما يوصي الأطباء باتباع عدد من الإرشادات لدعم الأمهات اللاتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وأبرزها: – المساندة والدعم من الزوج والأهل والأصدقاء. – القراءة والاطلاع حول المراحل المختلفة التي تخضع لها الأم وكذلك الطفل. – الخروج والجلوس في أشعة الشمس، ويعمل ذلك على طرد المشاعر والطاقة السلبية. – القيام ببعض الأنشطة وممارسة الرياضة. – الحرص على تناول الفيتامينات والمكملات الغذائية للحصول على صحة جيدة ومواصلة متاعب السهر والضغط العصبي والنفسي.- تناول غذاء صحي.

ق. م