أنوار من جامع الجزائر

الأخوة الاسلامية والوحدة الوطنية – الجزء الأول –

الأخوة الاسلامية والوحدة الوطنية – الجزء الأول –

في قلْبِ تعَاليمِ الإسْلامِ، تنْبِضُ قِيمَةٌ عظِيمةٌ منْ أجَلِّ القِيَـمِ الاجتماعية وأسـْمَاها؛ ألا وهي الأُخوّة الإسْلاميَّةُ؛ إنَّها ليستْ مجرَّدَ رابطةٍ دمويّةٍ أوْ عرْقيَّةٍ، بل هي رِباطٌ إيمانيٌّ روحيٌّ يشدُّ المسلمينَ بعضَهمْ إلى بعضٍ، به تتآلفُ قلوبُهم وعلَى أساسِهِ تتوَحَّدُ صفُوفُهمْ وتشْتدُّ قُوَّتهُم. فهي الركيزَةُ الأساسيَّةُ لبناءِ المجتمَعاتِ القَويّةِ والأوطانِ الـمْزدهِرةِ، بقوّة تلاحُمِ أَفْرادِهَا وتـَماسُكِ نسيجِها الاجْتماعيِّ المتنوّعِ. وفي خِضمِّ الأحْداثِ الجِسامِ والاضطراباتِ التي يشْهدُها العالمُ اليومَ، والتي تنْعكِسُ حتْمًا على أوطانِنا ومـجْتمعاتِنَا، يصبِحُ التأكيدُ على هذه القيمةِ الجوْهَريَّةِ واجبًا؛ فهي حصْنُ الجبْهةِ الداخليَّةِ وصِمَامُ أمانِها. إنّ الأُخوَّةَ الإسلاميَّةَ تجاوزَتْ المفاهيمَ التقليديَّة السائدةَ، لتكونَ منهَجاً للحياةِ الإسلاميَّةِ تنْتظِمُ بهِ العلاقاتُ بينَ أفرادِ الأمَّةِ. ذلك لأنَّ أساسَهَا الأوَّلَ هو عقيدةُ التوحِيدِ الخالصِ للهِ تعالى، حيثُ يتساوَى الجميعُ أمامَ الخالقِ سبحانه، فلا فضْلَ لعربيٍّ على أعـْجَميٍّ، ولا لأَبيضَ على أسودَ إلَّا بالتقوى والعملِ الصالحِ. وهذا الإحساسُ بالمساواةِ المنزَّهَةِ عن كلِّ الرواسِبِ الطَّبقيَّة ِ، والاختلافاَتِ العرقيَّةِ، والفروقَاتِ الاجتماعيَّةِ، يشْرحُ القلُوبَ للتعَاوُنِ والتآزُرِ،ويدْفعُ عنهْا شرورَ الصِّراعاتِ والانقسَامَات القاتلةِ. ولقد أسّسَ القرآنُ الكريمُ والسنَّةُ النبويَّةُ الشريفةُ لهذه الأُخوَّةِ ومقوِّماتِها في نصُوصِهما الشَّريفةِ؛ قال تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّۗنها كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”. وقال أيضاً:”هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ “. فهتان الآيتانِ الكريمتَانِ فيهمَا إعلانٌ صريحُ بأنّ الأخوَّةَ الإسلاميَّةَ رابطةٌ مقدَّسةٌ عقَدَتْهَا العنايةُ الإلهيَّةُ الحكيمةُ، وهي نعْمةٌ ربّانيَّةٌ تقْتضِي من المؤْمنينَ رعَايتَها والحفاظَ عليْها، وفيها نهْيٌ صريحٌ عنْ فكِّ ربَاطِها بالتَّفرُّقِ المْفضِي إلى العداوةِ والبغضاءِ والرجوعِ إلى عهْدِ الجاهليَّةِ الأُولى ، ومنْ أرْوَع تجِّلياتِ هذه الأُخوَةِ ما قاله النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلـَّم: “المسلمُ أخُو المسلمِ، لا يظْلمُه ولا يُسْلِمُه، ومنْ كانَ في حاجَةِ أخيهِ كانَ اللهُ في حاجتِه” متفق عليه. ولو تتبَّعْنا نصُوصَ الكتابِ والسنَّةِ -وما أوْفرهَا في هذا البابِ- لألفَيناهَا  تُعْطي الأُخوَّةَ بعدًا روحيًّا عميقًا، يرتكزُ على الإيمانِ باللهِ، ورسولِه، واليومِ الآخرِ، وتؤكّدُ قيامها على الحقوقِ والواجباتِ، والإحسانِ، والإيثارِ، والمحبّةِ في اللهِ، والرحمةِ، والتسامحِ، وإصلاحِ ذاتِ البينِ، وتنفيسِ الكُرَبِ وجبْرِ الخواطرِ، ونحو ِذلك ممَّا هو مقرَّرٌ محفوظٌ في شريعةِ الإسلامِ،   هذا الإيمانُ هو ما يغْرسُ في النفُوسِ شعُورًا قويّاً بالوَحْدَةِ والتكافلِ، تـمامًا كما وصَفَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم الجسدَ الواحدَ: “إذا اشْتكَى منه عضْوٌ تدَاعَى لهُ سائرُ الجسدِ بالسهر والحـمَّى”.

 

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر