زملاء مخلوفي فرطوا في النجومية من أجل استقلال الجزائر

الأندية الجزائرية ومنتخب الأفلان.. عندما تسلّحت الثورة الجزائرية بـ “الرياضة”

الأندية الجزائرية ومنتخب الأفلان.. عندما تسلّحت الثورة الجزائرية بـ “الرياضة”

استعمل الجزائريون الرياضة، وكرة القدم على وجه التحديد، سلاحا من أجل مكافحة الاستعمار الفرنسي، قبل اندلاع الثورة التحريرية، وكانت واحدة من أبرز وسائل الكفاح لطرد الاستعمار الغاشم، الذي حاول طمس الهوية الجزائرية بكل الطرق، ما دفع الجزائريين إلى تأسيس أندية رياضية تحت عنوان “الأندية الإسلامية”، كما حدث مع مولودية الجزائر عام 1921، قبل أن يتم إنشاء منتخب جبهة التحرير الوطني عام 1958 وفق قصة تاريخية لم ينسَها العالم، خاصة أن هذا المنتخب كان بمثابة صوت الجزائر “الرياضي والسياسي” في نفس الوقت في طريق الاستقلال.

 

تأسيس مولودية الجزائر عام 1921

وكان نادي مولودية الجزائر أول نادي مسلم تم تأسيسه خلال فترة الاستعمار الفرنسي، ولم يكن سهلا تأسيس هذا الفريق المسلم، وحتى أسباب تأسيسه كانت بدوافع الكبرياء شهر أوت 1921، علما أن نشطاء سياسيين، اعتمدوا إنشاء جمعيات رياضية بأهداف سياسية بقصد التمويه على الاستعمار الفرنسي، ففي يوم 7 أوت 1921، اجتمع عبد الرحمن عوف رفقة أصدقائه من حي القصبة العتيق وباب الوادي من أجل تأسيس أوّل ناد جزائري، وقاموا باقتراح العديد من الأسماء على غرار البرق الرياضي الجزائري، الهلال الجزائري، النجم الرياضي، الشبيبة الرياضية، وقد وجدوا صعوبة في اختيار الاسم المناسب وفي لحظة لم يتوقعها أحد صعد صوت من داخل المقهى من شخص مجهول مناديا: “مولودية” نسبة للمولد النبوي الشريف الموافق لذلك اليوم، وهي التسمية التي لاقت تجاوبا لدى هؤلاء الشبان ليتم الاتفاق على تسمية الفريق “المولودية الشعبية الجزائرية”، واختيار ألوان العلم الوطني كألوان رسمية للفريق وهي الأخضر والذي يرمز للأمل، إضافة لكونه اللون الرمزي للإسلام، أما اللون الأحمر فهو يمثل حب الوطن والتضحية.

 

 

1926 ميلاد النادي الرياضي القسنطيني

في سنة 1926 بلغ الوعي الوطني ذروته وتم إنشاء “حزب نجم شمال إفريقيا ” برئاسة مصالي الحاج وبعد 3 أشهر من ذلك وبالضبط في 26 جوان 1926 تم الإعلان عن ميلاد النادي الرياضي القسنطيني “Csc”، وكان من ضمن الحاضرين في اجتماع التأسيس موفق عبد الرحمن، الحكيم زرقين، محمد السعيد لفقون، بن شريف حسين، بوحيرد حاج ادريس، بلحيمر الصغير، بن باديس الزبير، وأسندت الرئاسة إلى الفقون محمد، وتم الاحتفاظ باللونين الأسود والأخضر ليكون “سي. أس. سي” امتداداً تاريخياً “لجمعية إقبال” و”النجم المسلم القسنطيني”، لكن السلطات الفرنسية كعادتها تدخلت، ووضعت العديد من الشروط لقبول ملف اعتمادها ومنها ضرورة وجود عضوين فرنسيين ضمن مكتبها على الأقل.

 

تجميد النشاطات الرياضية بعد اندلاع ثورة نوفمبر

بعد اندلاع ثورة أوّل نوفمبر 1954، اضطرت كل النوادي الجزائرية على غرار اتحاد العاصمة ومولودية الجزائر وشبيبة القبائل إلى توقيف كامل نشاطاتها ورغم ذلك أكدت بعض الأندية، أنّها تلقت تهديدات من طرف أعضاء في الرابطة الجهوية الفرنسية، لكن ذلك لم يؤثر عليهم طالما أن العديد من اللاعبين والمؤسسين التحقوا بجيش التحرير الوطني، ليكون الموعد من جديد بعد سبع سنوات، أيّ بعد نيل الجزائر لاستقلالها وكانت العودة سريعة مع مرحلة جديدة في تاريخ الكرة الجزائرية.

 

منتخب الأفلان قصة كفاح بالأهداف بدل الرصاص

ساعد نجاح فكرة الأندية الرياضية التي تمكنت من نشر الهوية الجزائرية على المستوى القاري على غرار الشباب القسنطيني ومولودية الجزائر، في توسع فكرة المجال الرياضي وتحديداً كرة القدم لدى المناضلين السياسيين الذين أصروا على إنشاء منتخب وطني يمثل الجزائر في المحافل الدولية، وبعد انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 وصدور قراراته التي كان من بينها إنشاء منظمات خاصة بجبهة التحرير الوطني، وبعد تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والاتحاد العام للطلبة المسلمين، قررت جبهة التحرير الوطني تأسيس تنظيم رياضي يحمل رايتها وراية الثورة الجزائرية، ويمثلها في المحافل الدولية، فوقع الاختيار على رياضة كرة القدم نظراً لشعبيتها الكبيرة عبر أنحاء العالم.

وبعدما بحث الجزائريون عن فك الحصار المفروض على الناشطين السياسيين بعد اندلاع ثورة أول نوفمبر، قرر أحمد بومرزاق، أحد زعماء جبهة التحرير الوطني، تأسيس المنتخب الجزائري لكرة القدم سنة 1958، التي كان مقرها في فرنسا بالاتصال مع 10 من أبرز اللاعبين المحترفين من أصول جزائرية والناشطين في الدوري الفرنسي آنذاك، حيث طلب منهم مغادرة فرنسا سراً، والتوجه إلى تونس، حيث كان المنتخب الجزائري قد أنشئ في 13 أفريل سنة 1958.

قسّم قدور بخلوف، أعضاء فريق جبهة التحرير الوطني الذين تركوا أنديتهم للالتحاق بصفوف فريق جبهة التحرير الوطني إلى ثلاث مجموعات، مجموعة روما بقيادة بن تيفور، ومجموعة سويسرا بقيادة عريبي، ومجموعة بلجيكا بقيادة معوش.. وبشكل متسارع، التحق الجميع بتونس مقر الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية، حيث استوعب فرحات عباس، بسرعة الفوائد والمكاسب الكبيرة التي ستجنيها الثورة من مشروع محمد بومرزاق. وبعد ذلك، قال فرحات عباس: إن هذا الفريق أكسب الثورة الجزائرية عشر سنوات.

 

الهروب نحو سويسرا قبل الانتقال إلى تونس

شكل هروب اللاعبين الجزائريين المحترفين من فرنسا في 1958، والتحاقهم بصفوف ثورة التحرير المباركة أكبر مفاجأة للاستعمار، الذي أدرك آنذاك مدى قدرة جبهة التحرير الوطني على تجنيد الجزائريين الذين كانوا يعيشون لهيب الثورة في وجدانهم، وهمهم الوحيد في تلك الفترة هو طرد المحتل الذي اضطر إلى الانسحاب مدحوراً ومهزوماً أمام بسالة المجاهدين الأحرار، وتوجه رفاق مخلوفي، سراً إلى تونس عن طريق الدول المجاورة للتراب الفرنسي، وكان قرارهم بمثابة ضربة موجعة للشرطة الفرنسية، التي لم تتمكن من اكتشاف الأمر إلا بعد التحاق النواة الأولى للفريق بالعاصمة التونسية، حيث رافق هذا “الفرار الثوري” صدى إعلامي كبير على المستوى العالمي، لا سيما وأن الجمهور الرياضي وبالأخص عشاق الساحرة المستديرة كانوا يتأهبون لمعايشة أضخم حدث كروي والمتمثل في مونديال السويد عام 1958، إذ كان أحد أهم أطرافه المنتخب الفرنسي الذي دعم صفوفه في آخر لحظة باللاعبين الجزائريين رشيد مخلوفي، ومصطفى زيتوني، قبل أن يقرر هذا الثنائي الالتحاق بالثورة.

وشكلت هذه العملية صفعة حقيقية للاستعمار الفرنسي الذي حاول بشتى الطرق والوسائل عرقلة مهمة الفريق، حيث طلب من “الفيفا” معاقبة البلدان التي تستقبل فريق “الأفلان” وتسليط عقوبات صارمة قد تصل إلى حد الطرد من الهيئة الدولية.

 

تونس وليبيا تحتضنان زملاء رشيد مخلوفي

الجزائري رشيد مخلوفي يحتل وصافة أفضل الهدافين التاريخيين العرب في أوروبا -  ستاد نيوز Stade News

تقدمت جبهة التحرير في ماي 1958 بطلب انضمام إلى الفيفا، ولكن طلبها قوبل بالرفض وحتى انضمامها إلى الاتحاد الإفريقي لم ينجح لتدخل الاتحاد الفرنسي، الذي هدد أيضا أعضاءه بالعقوبات في حال لعب منتخباتها مع فريق الأفلان، فلم يجرؤ أي منتخب على مواجهة فريق الجبهة، ولا حتى ناد أو فريق مدينة، ولم تشذ عن هذه القاعدة سوى تونس وليبيا، فهما البلدان الوحيدان من كل القارة الإفريقية من قدم الدعم، ما نجم عنه تعليق مؤقت للبلدين بقرار من الاتحاد الدولي لكرة القدم.

أمين. ل