إنّنا في هذا اللقاء نحيي اليوم الوطني للذاكرة، ونقف فيه وقفة إجلال وعرفان لشهدائنا الأبرار، ولتضحيات شعبنا الذي ابتلي بشرّ استدمار؛ فتحصّن بركن الإسلام، ولاذ بقلاعه الحصينة؛ وظلّ صامدا مرابطا لم تفتر فيه روح المقاومة والجهاد. لقد عرف من دينه أنّ الجهاد شرع في الإسلام دفعا للعدوان، وتأمينا لعقيدة الإيمان، وحماية لحرية الأوطان، وصيانة لكرامة الإنسان؛ فبذل ما بذل من طاقاته؛ وضحّى بما ضحّى من خيرة أبنائه؛ مضى قدما في ساحات الجهاد، لا يضرّه أن يلقى ما يلقى من الشّدائد والمصاعب؛ وقد أدرك أنّ الشهادة في سبيل الله ليست موتا، ولكنّها حياة. فالشهداء لا يموتون؛ بل هم أحياء عند ربّهم يرزقون. فطوبى للشهداء الأبرار، طوبى للمجاهدين الصادقين. هنيئا لهم ما أعدّه الله للمحسنين. وحسبهم شرفا أنّهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله، وأنّه سبحانه اشتراها منهم بنعيم مقيم، خير من الدنيا الفانية وما فيها. اشتراها منهم بجنّة عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتقين. قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” التوبة111. نحسب أنّ هذه الحاضنة، التي نلتقي فيها اليوم قلعة حصينة أخرى، من قلاع الوطنية، وإنجاز كبير من إنجازات الوطن، على طريق الوفاء بعهد الشهداء، وجواب من شهداء المحمّدية لمن دنّس أرضنا الطاهرة بأقدامه ما يزيد على قرن وثلث من الاحتلال. إنّ جامع الجزائر، الّذي هو حصن مرجعيتنا الدينية، هو كذلك رمز للذاكرة الوطنية، بمعماريته المتميّزة التي تقرأ فيها الأجيال الماضي والحاضر والمستقبل. ومن خلال متحف الحضارة الإسلامية، في منارة الجامع، نقرأ الذاكرة الإسلامية والوطنية. نلتقي اليوم، في هذه النّدوة، نتحدّث عن الإسلام باعتباره القوّة الروحية المحرّرة للوطن والموحّدة للأمّة. نتحدّث عن الوفاء لرسالة الشهداء وتبليغها إلى الأجيال، وضحّى في سبيلها الشهداء الأبرار، من عهد الأمير إلى ثورة التحرير.
الجزء الأول من كلمة السيّد عميد جامع الجزائر بمناسبة اليوم الوطني للذاكرة