إن الناظر في مواقف الجزائريين مهاجرين ومهجرين إبان ثورة التحرير، والذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الله، وقابلوا رصاص الظلمة بصدور عارية في سبيل قول كلمة الحق، يجد أن الدافع والمحرك لهم هو ارتباطهم بالإسلام عقيدة ومنهجا، وتشبعهم بالوطنية روحا ووجدانا، ولا نستطيع بحال من الأحوال أن نفصل بين الانتماء الإسلامي الأصيل؛ والانتماء الوطني الصادق، فكلاهما وجهان مشرقان لعملة واحدة. إن تشبع المهاجرين بقيم الإسلام ومبادئ الوطنية جعلهم امتدادا لإخوانهم في الأرض الأم، يعيشون الآلام والآمال نفسها. ولعمر الله: إن أشرف بقعة تعمل على تنمية روح الإسلام والحس الوطني في قلوب الناس في أرض الوطن وخارجه: هي بيت الله تعالى، فهو الذي يوحد القبلة، ويجمع الكلمة، ويعلم الحرف العربي، ويحفظ القرآن في الصدور بتلقينه إلى الأجيال، ويربي على مبادئ الإسلام والوطنية، ويعلق الأفئدة بتربة الأرض، ويدفع الأنفس للسخاء والجود من أجل الدين والوطن. فأقبلوا على بيوت الله تعالى عبادة وتعلما وتربية وتوجيها وعمارة؛ ونشرا لكل معاني الخير والفضيلة، ورغبوا فلذات أكبادكم على التعلق بها، والرتع في رياضها، ولا تنقطعوا عن هذه المنارات المشرقة لأي سبب كان، فإن الخير كل الخير في بيوت أذن الله أن ترفع لأجل ذكره، وإقامة شعائره، والدعوة لدينه، إننا بهذه المناسبة الأليمة نتوجه بندائنا المفعم بكل محبة وصدق لجيل الاستقلال الذين يعيشون في أرض المهجر من جالياتنا المسلمة: “ألا، لا تنقطعوا عن دينكم ووطنكم، واجعلوهما في سويداء قلوبكم، وتمسكوا بأصالتكم، واجعلوا بيوت الله قبلتكم، وافتحوا جسور التواصل من خلالها مع مجتمعكم، ولا تنسوا صلة أرحامكم في كل سانحة تلوح لكم، وهذه ذكرى ثورة التحرير المباركة قاب قوسين أو أدنى منكم، فعمقوا انتماءكم لأمكم الجزائر، وجددوا العهد لشهدائنا الأبرار على الذود عن الحمى بكل غال ونفيس، ورفع راية البناء والإعمار خفاقة في سماء العلا والمجد”. عباد الله: إني داع فأمنوا. اللهم لا تدع لنا في هذا المقام ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا عدوا إلا خذلته وقصمته، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين. اللهم خذ بيد إخواننا الفلسطينيين إلى البر والتقوى، اللهم أطعم جائعهم، واستر عاريهم، وأمن خائفهم، وتقبل شهيدهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم نصرا مؤزرا. اللهم احفظ حاكم البلاد بحفظك، واكلأه بكلاءتك، وأيده بتأييدك، وارزقه بطانة الخير التي تأخذ بناصيته للبر والتقوى. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار.
الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر