أعاد شهر رمضان ظاهرة انتشار الأسواق الفوضوية في عدد من ولايات الوطن، وعلى الرغم من ترحيب عدد من المواطنين بها بسبب تسويقها لسلع ذات استهلاك واسع بأسعار مخفضة، إلا أن هذه الأسواق تحولت
إلى كابوس بالنسبة لسكان المناطق المجاورة لها بسبب الإزعاج الذي أضحى يسببه الباعة الفوضويون من تفوه بكلام فاحش والنفايات التي يتركونها خلفهم، حيث أصبح تنظيم البلديات لأسواق باريسية الحل الوحيد الذي وعد به والي العاصمة عبد القادر زوخ ولم يفِ به.
كشف عدد من التجار الفوضويين لـ “الموعد اليومي” أن البطالة وظروف المعيشة دفعتهم إلى المغامرة بالمتاجرة في مختلف السلع وعرضها في نقاط بيع عشوائية، مضيفين أنهم لا يثقلون كاهل المواطنين باحتساب نسب فوائد كبيرة.
يقول “حسان”، صاحب طاولة لبيع الفواكه في حي باش جراح الشعبي إنه وضع عدة طلبات عمل في وكالات التوظيف ولم يتلق أي رد، وحاول عدة مرات مع البلدية من أجل تسهيل الحصول على محلٍ في الأسواق التجارية الجوارية، إلا أن المحسوبية وقفت بينه وبين المحل، وفق رأي الشاب الجزائري، مضيفا أن شهر رمضان هو فرصة له من أجل كسب الرزق، حيث اقترض بعض المال من أجل شراء الفواكه وعرضها في حيّه.
21 سوقا فوضوية تخنق العاصمة
عاد التجار غير الشرعيين للنشاط بقوة في رمضان، وأعادوا رسم خريطة انتشارهم بشكل أزعج السلطات المحلية والولائية التي وقفت عاجزة أمام قوة التواجد بالأسواق والأحياء وبين العمارات وفي الفضاءات الترفيهية وفي كل مساحة متوفرة يمكن على أساسها ممارسة تجارتهم التي عرفت تضييقا كبيرا منذ 2012، لتزداد وطأتها العام الماضي التي شهدت إزالة أكبر الأسواق الفوضوية، ودون سابق إنذار بسط التجار سوقهم مستقطبين العاصميين الذين يفضلون التوجه إليهم بدل الالتحاق بالأسواق النظامية بالنظر إلى أن الفوضويين يستلمون سلعهم مباشرة من المصدر خاصة منها السلع الفلاحية التي تصل الزبائن بأسعار منخفضة، أحيانا لا يربح فيها التاجر أكثر من 10 دنانير، كما أن هذه الأسواق التي تعود عليها العاصميون تأتيهم حتى منازلهم
وأحيائهم، وبعد أن قلصت المصالح المعنية عدد الأسواق غير النظامية إلى 21، سجلت عودتها بقوة رغم المطاردات والملاحقات الأمنية.
عقارات للتجار لمجابهة التجارة الموازية
ما يزال التجار النظاميون يترقبون فرصة الحصول على عقارات لإنشاء الأسواق التي وعدتهم بها مديرية التجارة لوقف زحف الأسواق الفوضوية خاصة في رمضان، وما يزالون ينتظرون المباشرة فيها مع دفع أجرها بالتقسيط قبيل انتهاء الشهر الفضيل، رغم أن تحقيقها على أرض الواقع لن يكون قبل ذلك بالنظر إلى التعقيدات الكثيرة التي سترافق تجسيد الفكرة التي لاقت استحسانا كبيرا كونها تضمن لهم الربح استنادا إلى ذهنية الاستهلاك لدى الجزائريين، بحيث تزداد أضعافا مضاعفة خلال الشهر الفضيل وكذا موسم الاصطياف.
ويستعجل الكثيرون المضي في المشروع المدعم من طرف مديرية التجارة خاصة في الفترة الحالية بالنظر إلى افتقار البلديات العاصمية لأسواق جوارية تستوعب الطلب المتزايد، في حين ما يزال الكثير منها غير مهيأ لممارسة النشاط التجاري بها وآخر لم يفصل في هوية المستفيدين، ضف إليها المحلات التي لم تستفد من التيار الكهربائي وشبكات المياه وغاز المدينة، ما جعل الباعة الفوضويين يستثمرون في هذا الخلل وينشرون تجارتهم غير النظامية في نقاط كثيرة مستفيدين من شدة الإقبال عليها نظرا لمعقولية أسعارها وكذا قربها من الأحياء، باعتبار أن الباعة يتنقلون عبر عربات صغيرة تخترق الشوارع والأحياء وتبلغ العمارات واحدة بواحدة، وأحيانا كثيرة يسوقون خضرا وفواكه آتية من المستثمرات الفلاحية والمزارع مباشرة.
مخلفات الباعة الفوضويين تؤلب المواطنين عليهم
يتورط الباعة الفوضويون في تسويق منتوجاتهم دون تكليف أنفسهم عناء التخلص من بقاياهم بشكل يحفظ للمحيط نظافته، إذ يتسببون في مضاعفة أكوام النفايات وأحيانا تترك في مكانها تتعفن أو تتطاير مع الرياح في سلوكات ألّبت عليهم السكان الذين يعانون الأمّرين مع الروائح الكريهة والمناظر التي تشمئز لها الأنفس، وهي النقطة التي ضاعفت مشاعر السخط، خاصة مع جهود الولاية للقضاء على هذه العراقيل التي تقف أمام حلم ترقية العاصمة إلى مصاف العواصم العالمية.
ومشاهد النفايات في باش جراح والحراش، لابروفال بالقبة، السوريكال بباب الزوار، بومعطي، حي القارص بجسر قسنطينة وغيرها التي تزداد وطأة في رمضان، أسباب حقيقية تجعل الكثيرين يطالبون بتدخل السلطات المحلية لوضع حد لمثل هذه التجاوزات.
التجار الفوضويون بالعاصمة يهزمون الأميار
لم يستطع رؤساء المجالس البلدية على مستوى 57 بلدية الذين بذلوا جهودا جبارة موازاة مع الحملة الولائية القضاء على التجارة الفوضوية التي تفرض نفسها في كل حي وكل شارع والتي زادت منذ حلول الشهر الفضيل بسبب غياب البديل الذي يدفع بالتاجر الفوضوي إلى التخلي عنها، حيث نوه كثير من الباعة إلى أن نشاطهم يتضاعف في رمضان كونه الوقت الوحيد الذي يحققون فيه ربحا مضمونا وهي فرصتهم لتحقيق الربح، وأشاروا في أكثر من مناسبة أنهم امتثلوا للتعليمة الوزارية التي تعهدت لهم بالإدماج فور كفهم عن ممارسة التجارة الموازية، وهو ما لم يتحقق وصدمهم غياب البديل رغم تعطلهم لأشهر، فلا الأسواق الجوارية تحققت ولا غالبية التجار اندمجوا في السوق النظامي ولا المسؤولين غضوا الطرف عن الباعة المتجولين، الأمر الذي جعلهم في عجالة دائمة من أمرهم ودون الالتزام بمكان يجبرهم على الاحتفاظ به نظيفا، فكل نشاطهم التنقل عبر عربات وشاحنات صغيرة نحو فضاء لبيع سلعهم قد يكون في أسفل العمارات بين الأحياء، الشوارع وغيرها وفور انتهائهم من تجارتهم يخلفون أكواما من سلعهم ويغادرون بحثا عن فضاء آخر.
اعادة ترتيب الانتشار الأمني لملاحقة الباعة المتجولين بالعاصمة
سطرت مديرية الأمن بالعاصمة مخططا استثنائيا في رمضان لضمان تأدية هذه الفريضة في ظروف مريحة، اشتملت عدة محاور منها ملاحقة الباعة الفوضويين المسجلين في دائرة الاتيان بنشاطات محظورة، وهي نشاطات دائمة لدى الباعة لكنها تتضاعف في رمضان، وعمدت إلى تعزيز تواجدها في أهم نقاط توزع هؤلاء بعدما اعتبرت وزارة التجارة هذا المسعى أولوية قصوى تتمة للمشروع الذي اتخذته الولاية والقاضي بإزالة مناطق نشاط التجار غير النظاميين للحيلولة دون تسجيل خسائر أكثر على الاقتصاد الوطني، وكثفت العناصر الأمنية من تواجدها بمختلف الأسواق، الشارع، الأحياء، امتثالا للتعليمة الوزارية المشتركة التي تم تجديدها بمجرد دخول رمضان خاصة بعد رصد هذه المصالح عودة النشاط الموازي بقوة رغم أنها نجحت بمعية المصالح المعنية بالإجراء في تقليص عدد نقاط البيع غير النظامية من أكثر من 100 نقطة إلى 21 فقط، لكن الملاحظ أن العدد عاود الارتفاع بمجرد حلول رمضان، وهو ما دفع بالسلطات المدنية والأمنية إلى اعادة الانتشار الأمني بما يسمح بالعناصر الأمنية ملاحقة المتورطين والحد من تمركز هذه الأسواق غير القانونية.
“حماية المستهلك” تحذر من منتوجات التجارة الموازية
تواصل منظمة حماية المستهلك حملاتها التحسيسية الرامية إلى تفادي اقتناء المنتجات من الباعة الفوضويين بالنظر إلى تبعات هذا السلوك على أكثر من صعيد، وأشارت عبر قنواتها الرسمية وعلى صفحتها على الفايسبوك بضرورة الحذر من تلك المقتنيات مجهولة المصدر، بحيث يتعذر على الضحية الذي من المحتمل تعرضه للأذى ملاحقة الواقفين وراءها، فلا مقر ثابت يمكن العودة إليه ولا سجلات قانونية يمكنها تحديد هوياتها ولا حتى معرفة مسبقة قد تقوده إليه، في أوضاع لطالما وقعت ودفع أصحابها حياتهم ثمنا لها، معتبرة أن شهر رمضان يدفع بالكثير إلى ارتكاب تجاوزات لمجرد استقطاب الزبائن الذين يميلون إلى الفضاءات التجارية الأقل تكلفة، ولا يجد حرجا في شراء منتوجات معرضة لمختلف العوامل الطبيعية من شمس وغبار وغيرها وربما انتهت مدة صلاحيتها، وهو ما أضحت تتميز به هذه الأسواق بالنظر إلى أن عصابات المافيا تعمد إلى التخلص من منتوجاتها المنتهية الصلاحية عبر تسويقها لصغار التجار غير النظاميين، ليقوم هؤلاء بعلم أو غير علم منهم بإعادة بيعها للزبائن.
وحذرت أكثر من مرة من العصائر التي يبيعها هؤلاء للظروف الكارثية التي تصنع بها وكذا مجمل المواد الغذائية ومعها التوابل التي ليست إلا صبغات على غرار الزعفران، داعية المواطنين إلى التحلي بالثقافة الاستهلاكية لتجنب الوقوع في فخ التسويق الموازي الذي قد يحمل لهم أسباب الموت دون حتى فرصة القصاص من المتورطين.