تجاوز النمط التقليدي واتخذ سبلا أخرى

التسول بالبيع.. بين من يراه مقبولا ومن يستنكره

التسول بالبيع.. بين من يراه مقبولا ومن يستنكره

ينتشر عدد كبير من المتسولين في كل مكان بالمدن تقريبا، في الأسواق والأزقة والمستشفيات وقرب المساجد وأماكن أخرى، كما أن طرق التسول لم تعد تتمثل في ذلك النمط التقليدي بل تعدته لسبل مبتكرة يراها بعض المواطنين أنها تسول مقنع .

لم يعد من النادر رؤية أشخاص سواء نساء أو أطفال وهم يبيعون بعض الأغراض زهيدة الثمن، كالمناديل الورقية أو علب البسكويت من النوع الرديء بطريقة توحي أنهم يتسولون المشتري ويضطرونه للشراء منهم بحركات وعبارات تطابق تلك التي يستعملها المتسولون عموما.

تسويق أم تسول

إلى عهد قريب، كان المتسوّل في الجزائر، يمارس نشاطه بشكل مباشر مستخدمًا في بعض الأحيان أساليب معروفة من أجل استعطاف الناس، منها حمل بعض الأطفال الرضّع أو حمل وصفة طبية أو التركيز على الإعاقة، وهي الأساليب التي ما تزال منتشرة.

 

توزيع ثم طلب الثمن

قام طفل في العاشرة تقريبًا من عمره، يحمل كيسًا بلاستيكيا ويتنقل داخل قطار بتقديم مجموعة من كتيبات “حصن المسلم” ذات الأغلفة البرتقالية، لمجموعة من الركاب، اعتقد البعض أن الأمر من فعل “جمعية خيرية”، وأن الكتيبات مجّانية غير أن الطفل سرعان ما عاد ليجمع المال نظير تلك النسخ التي وزّعها، طمعًا في جمع أكبر مبلغ ممكن، وتنوعت ردود فعل الراكبين فبينما قام بعضهم بتسليم الطفل مبلغًا من المال، شعر البعض الآخر أنه غير معني لأنّه رفض منذ البداية استلام النسخة، وكثيرٌ منهم أعاد الكتيب إلى صاحبه، معتذرًا بشكل أو بآخر، لينطق أحدهم معلّقا على الأمر: “هذا نوع جديد من التسوّل.. هو تسوّل غير مباشر أو تسوّل بالبيع”، ويرد آخر قائلًا: “إن هذا السلوك لم يكن معروفًا في الجزائر، لكنه بدأ ينتشر في السنوات الأخيرة، بأشكال مختلفة”.

 

العطور والمناديل الورقية

وفي مشهد آخر، تجلس سيّدة منقّبة تبدو في منتصف العمر، على حافة الشارع، وتضع أمامها مجموعة من الكتيبات والمناديل الورقية، وتحمل بين يديها مصحفًا، كأنها تقرأ منه ولا تلتفت إلى أحد، لكنّها تضع أمامها إناءً لجمع ما يجود به المارّة، مقابل الحصول على بعض المناديل، أو حتى بدون أيّة خدمة.

بينما تجلس أخرى عند مدخل الميترو وهي تضع أمامها مجموعة علب بسكويت وترجو من المارة أن يشتروا منها بطريقة تكاد تجبرهم بها على ذلك .

 

طرق مستحدثة والغاية واحدة

يرى مراقبون أن الأساليب الجديدة للتسوّل في الجزائر، تكون قد دخلت البلد في السنوات الأخيرة تقليدًا للمتسولين القادمين من بلاد الشام أيّام الحرب في سوريا المدمّرة، حيث استقبلت الجزائر الكثير من اللاجئين؛ كثير منهم اتجه إلى التجارة مثل فتح المطاعم، وبعض منهم احترف التسّول بطريقة لم تكن معروفة في الجزائر وحقّقوا مكاسب كثيرة.

وهناك من يرى عكس ذلك ويربط الأمر بانتشار مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الثقافات الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء واقتباسها من مجتمعات أخرى، خاصة وأن الطريقة التقليدية للتسوّل باتت لا تدرُّ دخلًا وفيرًا على أصحابها، نظرًا لانتشار التسوّل الكاذب، لذا أصبح المتسوّلون يستخدمون طرقًا كثيرة، هدفها تحريك مشاعر المواطنين واستعطافهم لمنحهم قطعًا نقدية.

من جهة أخرى، هناك من يرى التسوّل بالبيع أو ما يُسمّى كذلك التسوّل بتقديم خدمة، هو أحد أشكال التسوّل التي تمارس عن طريق بيع المناديل الورقية وبعض الكتيبات الدينية صغيرة الحجم، وبعض الأشياء الصغيرة، والملاحظ هنا هو عدم تحديد سعرٍ لها، والهدف منها هو تحريك مشاعر الشفقة وكذلك إثارة العواطف وكأن المتسوّل يريد تمرير رسالة قيمية، أنني أمارس مهنة بيع ولستُ متسولًا.

ومهما كانت الأسباب، فإن الظاهرة في انتشار مستمرّ، وفي الوقت الذي يذمّها البعض، فإن البعض الآخر يرى فيها أوجهًا إيجابية، فعلى الأقلّ يكون المتسوّل الكسول قد تخلّص من سلوكه القديم، ويقوم بخدمة ولو بغير قيمتها.

لمياء. ب