-
سفينة “نورا ميرسك” ترسو في طنجة محمّلة بحاويات خطيرة
-
طنجة المغربية تتحول إلى محطة عبور لأسلحة الاحتلال
-
منظمات حقوقية تتهم السلطات بالتواطؤ والصمت
-
الغضب الشعبي يتصاعد وسط تسارع وتيرة التطبيع
تشهد الموانئ المغربية موجة جديدة من الجدل، بعد رسو سفن أجنبية محملة بالأسلحة الموجهة لدعم جيش الاحتلال الصهيوني، في وقت يخيّم فيه صمت رسمي مقابل تصاعد الغضب الشعبي والحقوقي، فقد أعادت هذه الواقعة تسليط الضوء على مسار التطبيع المتسارع الذي يسلكه نظام المخزن، رغم الرفض الواسع داخل الشارع المغربي، لتتحول موانئ المملكة إلى محطة عبور لشحنات عسكرية تُغذّي آلة الحرب في غزة، في مشهد يضع الرباط أمام تساؤلات أخلاقية وسياسية ثقيلة.
وفي خضم هذا الجدل المتصاعد، تتجه الأنظار نحو التفاصيل الميدانية التي فجّرت القضية من جديد، بعدما أكدت منظمات حقوقية وصول سفن محمّلة بأسلحة وذخائر إلى الموانئ المغربية، في ظروف تثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة حمولتها والمسارات التي تتبعها.
سفن “ميرسك” ترسو مجددا في الموانئ المغربية وسط صمت رسمي
أعلنت “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الكيان الصهيوني (BDS) – فرع المغرب”، عن وصول السفينة “نورا ميرسك” التابعة لشركة “ميرسك أوفيشيل” الدولية إلى ميناء طنجة المتوسط، وهي محمّلة بأكثر من 40 حاوية مصنفة ضمن “حمولة خطيرة”، قبل أن تُنقل لاحقا إلى موانئ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا التطور أعاد فتح ملفّ التعاون غير المعلن بين سلطات الموانئ المغربية والشركات المتورطة في تزويد جيش الاحتلال بالعتاد الحربي، رغم التحذيرات المتكررة من منظمات مدنية. وأوضحت الحركة في بيانها، أن العملية جرت في ظل صمت رسمي مطبق، معتبرة أن التسهيلات المقدمة لهذه السفن تمثل شكلا من أشكال التواطؤ مع آلة الحرب التي تواصل جرائمها في غزة، ووفق البيان، فإنّ النيابة العامة بالرباط رفضت تسلّم إشعار بوقوع جرائم قدّمه ناشطون حقوقيون بشأن الشحنات العسكرية التي تمر عبر الموانئ المغربية، ما زاد من حدة الجدل الشعبي والحقوقي. ولم تكن هذه الواقعة الأولى من نوعها، إذ سبق أن أثارت السفينة “ميرسك كينسينغتون” القضية ذاتها حين أنزلت حمولتها في ميناء طنجة المتوسط يوم 6 أكتوبر الجاري، قبل أن تُعاد شحنها نحو الأراضي المحتلة. وبذلك تتكرّر المشاهد ذاتها، بينما تواصل السلطات التزام الصمت، تاركة المجال مفتوحا أمام تأويلات سياسية وقانونية تُحمّل المغرب مسؤولية أخلاقية في دعم العدوان. ومع اتساع دائرة الغضب الشعبي، لم تعد القضية محصورة في بيانات الحركات المدنية، بل انتقلت إلى أروقة القضاء، حيث حاولت منظمات حقوقية كبرى دقّ ناقوس الخطر ومساءلة السلطات حول طبيعة هذا التواطؤ الصامت. غير أنّ ما واجهته هذه المبادرات القانونية من رفض وتعطيل زاد من شكوك الشارع وأشعل النقاش مجددا حول استقلالية المؤسسات وموقع العدالة من القضايا الوطنية الكبرى.
شكاوى حقوقية ورفض قضائي يثير التساؤلات
قدّمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان شكاوى رسمية إلى رئاسة النيابة العامة بالرباط، مطالبة بفتح تحقيق عاجل في أنشطة السفن التابعة لشركة “ميرسك” الدنماركية، والمتورطة في نقل شحنات عسكرية نحو الكيان الصهيوني. غير أنّ هذه المساعي اصطدمت، بحسب الجمعية، برفض صريح لتسلّم الملفات أو ختمها، وهو ما اعتبرته المنظمة “إخلالا بالمسؤولية القانونية والأخلاقية” من قبل الجهات القضائية. وفي بيانها الأخير، أكدت الجمعية أنّها تقدمت يوم الجمعة الماضي بشكوى جديدة تتعلق بالسفينة “نورا ميرسك”، بعد شكوى سابقة قُدمت في 19 سبتمبر الماضي بخصوص مرور شحنات مماثلة عبر الموانئ المغربية، غير أن مصير تلك الشكاوى بقي مجهولا، وسط تجاهل رسمي زاد من غضب الرأي العام. ووصفت المنظمات الحقوقية هذا الموقف بـ“الصمت المريب” الذي يطعن في مصداقية المؤسسات ويُظهر ازدواجية خطيرة بين الخطاب الرسمي الداعي إلى احترام الشرعية الدولية، والممارسة الميدانية التي تفتح أبواب الموانئ لسفن محملة بما تسميه الجمعيات “ذخائر الموت”. وفي ظل هذا المشهد الملبّد بالأسئلة، تتصاعد الأصوات المطالبة بوقف كل أشكال التعامل مع الشركات المتورطة في دعم آلة الحرب “الإسرائيلية”، معتبرة أن الموقف الرسمي المغربي بات في عزلة عن نبض الشارع الذي لا يزال يرفض التطبيع ويرى في هذه السفن وصمة على الشواطئ الوطنية. ومع تواتر التقارير عن عبور سفن عسكرية أخرى، تتعمق الفجوة بين الدولة والمجتمع المدني الذي يرى في صمته خيانة للضمير الإنساني والقضية الفلسطينية. غضب شعبي وتمسك بالمقاطعة وسط تصاعد موجة التطبيعجدّدت حركة المقاطعة (BDS) دعوتها السلطات المغربية إلى منع رسوّ سفن “الإبادة” التابعة لشركة “ميرسك” الدنماركية، المتورطة في نقل العتاد العسكري لجيش الاحتلال، مؤكدة أن هذه الخطوة تمثل انتهاكا واضحا لالتزامات المغرب الدولية ولقرارات محكمة العدل الدولية التي دعت إلى وقف تزويد الكيان الصهيوني بالأسلحة. وشددت الحركة على أن الشارع المغربي يرفض أن تتحول موانئ بلاده إلى منصات لوجستية لحرب تُزهق أرواح الأبرياء في غزة. ويأتي ذلك بعد أيام من وصول السفينة “ماريان دانسيا” إلى ميناء الدار البيضاء محمّلة بـ18 حاوية من القذائف الموجهة لجيش الاحتلال، حيث سُمح لها بالتزود بالوقود رغم رفض دول أخرى استقبالها، في مشهد أثار استنكارا واسعا واعتُبر دليلا على تغلغل مسار التطبيع في مؤسسات حساسة. ويرى مراقبون، أن هذه الوقائع المتكررة تكشف تحوّلا مقلقا في علاقة المغرب بالكيان الصهيوني، لم يعد يقتصر على التعاون الدبلوماسي أو الاقتصادي، بل تجاوزهما إلى مجالات تمسّ جوهر الموقف الوطني والتاريخي من القضية الفلسطينية. وبينما تلتزم الحكومة الصمت، يبدو الشارع المغربي أكثر تصميما على مواجهة هذا المسار بكل الوسائل السلمية الممكنة، دفاعا عن كرامته وهويته وموقفه الثابت من العدوان. وهكذا، وبين صمتٍ رسمي متواصل وغضب شعبيّ لا يهدأ، تبدو صورة المغرب اليوم منقسمة بين ماض حمل راية التضامن مع فلسطين، وحاضر يختبر صموده أمام إغراءات التطبيع وضغوط التحالفات الدولية. فبين الموانئ التي تستقبل سفن السلاح، والشوارع التي ترفع أعلام فلسطين، تتجسّد المفارقة الأخلاقية والسياسية في أوضح صورها.
تطبيع في الظل.. من التعاون الاقتصادي إلى الدعم اللوجستي
ولم تعد علاقات المغرب مع الكيان الصهيوني حبيسة الاتفاقيات المعلنة في مجالات التكنولوجيا أو الزراعة أو السياحة، بل امتدت إلى مستويات أكثر حساسية تمس الأمن القومي والأخلاق السياسية للدولة. فالسماح لسفن عسكرية أجنبية بعبور الموانئ الوطنية محمّلة بالذخائر، وإن جاء تحت غطاء تجاري، يثير تساؤلات حقيقية حول حدود هذا التعاون وعمق التنسيق غير المعلن بين الطرفين. وتشير تقارير إعلامية إلى أن بعض الصفقات التي أُبرمت خلال العامين الماضيين تضمنت بنودا غامضة تتعلق بالنقل البحري والتبادل اللوجستي، ما يجعل احتمال تورط شركات مغربية في تسهيل حركة العتاد الحربي قائما، هذه التطورات تُعيد إلى الأذهان تحذيرات سابقة من منظمات حقوقية ودولية، حذّرت من أن مسار التطبيع “يتمدّد بهدوء” ليشمل ما هو أخطر من مجرد التبادل التجاري. ويحذر محللون من أن استمرار هذا الانزلاق قد يضع المغرب في مرمى الانتقادات الدولية، ويُقوّض صورته التاريخية كمدافع عن القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل تأكيد محكمة العدل الدولية على تجريم تزويد الاحتلال بأي وسيلة دعم عسكري، وهنا يبرز السؤال: هل لا يزال بإمكان الرباط التوفيق بين تحالفاتها الجديدة والتزاماتها الأخلاقية القديمة؟
بين الميناء والشارع.. مفترق طريق يختبر ضمير الأمة
وتتحول الموانئ اليوم إلى مرآة تعكس موازين الصراع داخل المغرب نفسه، بين سلطة تسعى إلى توطيد علاقاتها الدولية بأي ثمن، وشعب يتمسك بموقفه التاريخي إلى جانب فلسطين. فالمشهد في الشوارع المغربية، من طنجة إلى الدار البيضاء، لا يزال ينبض بالرفض، حيث تخرج المسيرات أسبوعا بعد آخر لتُذكّر بأن الذاكرة الشعبية لا تُشترى بالصفقات. اللافت أن هذه التظاهرات لم تعد تُرفع فيها الشعارات التضامنية فحسب، بل صارت تعبيرا عن أزمة ثقة أعمق بين المواطن ومؤسساته، بعد أن شعر كثيرون بأن صوتهم لم يعد يجد طريقه إلى مراكز القرار. وبذلك، تجاوزت قضية السفن الإسرائيلية بعدها الإنساني لتتحول إلى اختبار سياسي لمكانة الشعب في رسم السياسات الوطنية. وفي المقابل، يواصل النظام المغربي تجاهل هذه الرسائل، مكتفيا بالصمت أو البيانات الدبلوماسية المواربة. لكن المؤكد أن هذا الصمت لن يدوم طويلا، فالأحداث تتسارع، والعالم يراقب، والضمير الشعبي لا ينسى. وبينما تتأرجح المواقف الرسمية بين التحالفات الخارجية والضغوط الداخلية، تبقى فلسطين الميزان الأخلاقي الذي يحدد من يقف في صف العدالة ومن يختار طريق المصلحة. وفي نهاية هذا الجدل المتصاعد، تتضح ملامح مشهد مغربيّ مأزوم بين سلطة تلوذ بالصمت وشعب يرفع صوته دفاعا عن كرامة الموقف الوطني، فالسفن التي ترسو في الموانئ لم تعد مجرد ناقلاتٍ للحديد والنفط، بل صارت رموزا لاصطفاف سياسي وأخلاقي يختبر حدود السيادة والمبدأ في آن واحد. إذ كيف يمكن لبلد كان من أوائل الداعمين للقضية الفلسطينية أن يجد نفسه اليوم موضع اتهامٍ بتسهيل عبور العتاد نحو من يشنّ حرب إبادة على الأبرياء؟ هذا السؤال، الذي يتردّد صداه في الشارع، يتجاوز السياسة إلى جوهر الهوية الوطنية نفسها. ومع اتساع دائرة الوعي الشعبي وازدياد انخراط المنظمات الحقوقية، باتت قضية “سفن الإبادة” تتخذ بعدا أعمق من كونها حدثا ظرفيا، إذ تحوّلت إلى مرآة تعكس التناقض بين خطاب رسمي يرفع شعار التضامن، وممارسة ميدانية تُناقضه بالفعل. فكلّ ميناء تستقبله سفن العتاد العسكري يضيف طبقة جديدة من الشك والخذلان، ويُضعف ما تبقى من الثقة بين المواطن ومؤسساته. وبينما تتذرع السلطات بالصمت، يزداد الشارع وعيا وإصرارا على مساءلة من يضع سيادة البلاد في موضع الالتباس، ويُقايض الموقف الأخلاقي بالمصلحة العابرة. ولعلّ الأخطر في هذا المسار ليس مجرد رسوّ سفينة أو عبور شحنة، بل اعتياد الصمت أمامها، لأن الصمت حين يتكرّر يتحوّل إلى سياسة.
م. ع