-
الجزائر.. هوية جامعة تتكامل فيها اللغات
في سياق وطني يتعزّز فيه الوعي الجماعي بأهمية صون مقومات الهوية الجامعة وترسيخ أسس التلاحم بين مختلف مكونات المجتمع، جاءت الندوة العلمية-الإعلامية الموسومة بـ«الأمازيغية واللحمة الوطنية: الإسهامات المؤسساتية، الأكاديمية والعلمية» لتؤكد أن اللغة الأمازيغية باتت رافدا أصيلا في بناء وحدة وطنية متماسكة.
لقاءٌ حمل دلالات سياسية وثقافية عميقة، وجسّد توجها رسميا يضع التنوع اللغوي والثقافي في صميم مشروع وطني يقوم على الانسجام، التكامل، وتعزيز الانتماء المشترك.
وفي هذا الإطار، برزت الندوة بوصفها رسالة وطنية تتجاوز بعدها اللغوي، لتؤكد أن الأمازيغية ليست موضوع نقاش ثقافي فحسب، بل ركيزة جامعة في بناء التلاحم الوطني.
الأمازيغية… مكوّن جامع يعزّز الوحدة الوطنية
أكدت المداخلات التي احتضنتها الندوة العلمية الإعلامية، أن اللغة الأمازيغية تمثل أحد الأعمدة الأساسية للهوية الوطنية الجزائرية، بما تحمله من عمق تاريخي وقيم حضارية مشتركة، جعلتها عبر مختلف المحطات عامل توحيد لا تفرقة. فقد جرى التأكيد على أن الأمازيغية رصيدا وطنيا مشتركا يشترك فيه جميع الجزائريين دون استثناء. وفي هذا السياق، شدد الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، الهاشمي عصاد، على أن ترقية الأمازيغية تندرج ضمن مسار وطني واعٍ يهدف إلى تعزيز اللحمة الوطنية، موضحا أن الانتقال من مرحلة الإدماج إلى مرحلة التثبيت والتعميم يعكس نضج المقاربة المؤسساتية للدولة في التعامل مع مكونات الهوية. هذا التحول، بحسبه، يكرّس الأمازيغية كحق دستوري ورافد جامع يعزز الانتماء الجماعي. كما أبرزت الندوة أن التلازم بين اللغتين العربية والأمازيغية يشكّل أساس الهوية الجزائرية المتوازنة، حيث تغني كل منهما الأخرى في إطار وحدة وطنية جامعة. وتم التأكيد على أن صون هذا التوازن اللغوي والثقافي يعكس وعيا جماعيا بأن التنوع، عندما يُدار ضمن إطار وطني جامع، يتحول إلى عنصر قوة واستقرار. وانطلاقا من هذا الفهم، شدّد المشاركون على أن ترقية الأمازيغية ينبغي أن تُقرأ باعتبارها خيارا وطنيا استراتيجيا يهدف إلى تحصين الجبهة الداخلية، وترسيخ قيم التعايش والتكامل بين مختلف مكونات المجتمع الجزائري، في سياق إقليمي ودولي يتطلب مزيدا من التماسك والوعي بالذات.
من الاعتراف الدستوري إلى التفعيل الميداني.. مسار يكرّس التلاحم
حضور اللغة الأمازيغية في النقاش الوطني بات جزءا من مسار مؤسساتي واضح المعالم، انتقل من مرحلة الاعتراف الدستوري إلى منطق التفعيل الميداني ضمن السياسات العمومية. فالندوة شكّلت مناسبة لتأكيد أن ترقية الأمازيغية أصبحت التزاما وطنيا يندرج ضمن رؤية شاملة لتعزيز الوحدة الوطنية عبر تثمين كل مكوّنات الهوية الجامعة. وقد أبرزت المداخلات أن دستور 2020 مثّل نقطة تحوّل حاسمة، حين نقل الأمازيغية من خانة المطالب الثقافية إلى مرتبة الحق اللغوي الدستوري، ما أرسى أرضية قانونية صلبة لتوسيع حضورها في التعليم، الإعلام، والإنتاج الثقافي. هذا التحول، بحسب المتدخلين، لم يكن معزولا عن إرادة سياسية واضحة تعتبر التنوع اللغوي رافعة للتلاحم، لا عامل تفرقة أو تنازع. وفي هذا السياق، جرى التأكيد على أن الانتقال إلى مرحلة “التثبيت والتعميم” يقتضي تنسيقا فعليا بين مختلف القطاعات، وتجاوز المقاربات الجزئية، من أجل إدماج الأمازيغية بشكل متوازن ومنسجم داخل الفضاء العمومي. فترقية اللغة، كما طُرح خلال الندوة، ليست هدفا في حد ذاته، بل وسيلة لتعميق الانتماء الوطني وتعزيز الشعور بالمواطنة المشتركة. ويعكس هذا التوجه قناعة متزايدة بأن الوحدة الوطنية لا تُبنى بالإقصاء أو الإلغاء، بل بالاعتراف المتبادل والتكامل بين مكوّنات الهوية. ومن هذا المنطلق، جاءت الندوة لتؤكد أن مسار ترقية الأمازيغية، حين يُدار في إطار مؤسساتي هادئ، يتحول إلى عامل استقرار وتماسك، ويساهم في تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع. وإذا كان الإطار المؤسساتي والتشريعي قد وفّر الأساس القانوني لترقية الأمازيغية، فإن الرهان الحقيقي اليوم يرتبط بقدرتها على التحول إلى عنصر حيّ وفاعل في الفضاء العمومي، بما يعزّز التلاحم الوطني ويترجم الوحدة إلى ممارسة يومية.
الإعلام شريك في صناعة التلاحم وتعزيز المشترك الوطني
برز قطاع الإعلام، خلال أشغال الندوة، كأحد أهم الرهانات العملية لترسيخ حضور الأمازيغية في المجتمع، كأداة تواصل ومعرفة وإنتاج ثقافي قادرة على مرافقة التحولات الاجتماعية وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني. وقد أجمعت المداخلات على أن الإعلام فاعل أساسي في تشكيل الوعي الجماعي وبناء المشترك بين مختلف مكونات المجتمع. وفي هذا السياق، شدّد وزير الاتصال، زهير بوعمامة، على أن الإعلام الوطني مطالب اليوم بلعب دور محوري ومسؤول في ترسيخ حضور اللغة الأمازيغية في الفضاء العمومي، مؤكدا أن الأمازيغية “تاريخ وهوية وقيم راسخة”، وأن التعاطي معها يجب أن يتم بمنطق وطني جامع، بعيدا عن التوظيف الضيق أو المقاربات الانفعالية. هذا الطرح يضع الإعلام في قلب معركة الوعي، بوصفه وسيلة لتعزيز اللحمة لا إثارة الانقسام. وأبرز بوعمامة، أن إشراك الإعلام في مسار ترقية الأمازيغية يندرج ضمن التوجه الوطني الذي أطلقه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، والرامي إلى منح هذه اللغة قيمتها الفعلية داخل المجتمع، سواء من خلال التعليم أو عبر الإنتاج الإعلامي المتنوع. وهو ما يعكس انتقال الدولة من مرحلة الاعتراف إلى مرحلة التفعيل، عبر آليات عملية تستهدف الجمهور الواسع بمختلف شرائحه. ولم يقتصر النقاش على الجانب الخطابي، بل تطرّق إلى مكاسب ملموسة تحققت في هذا المجال، من بينها إنشاء قناة تلفزيونية مخصّصة للأمازيغية، وتوسيع البث الإذاعي الجهوي، إلى جانب برامج تكوين الصحفيين والمترجمين. وهي خطوات اعتُبرت محطات مفصلية في مسار تثبيت الأمازيغية داخل المشهد الإعلامي الوطني، وتعزيز حضورها كجزء طبيعي من الحياة اليومية للمواطن. كما أكدت الندوة على أن جودة المحتوى الإعلامي تمثل التحدي الحقيقي في المرحلة المقبلة، إذ لا يكفي توسيع فضاءات البث، بل يتطلب الأمر إنتاج مضامين مهنية، هادئة، ومسؤولة، تُبرز الأمازيغية في بعدها الجامع، وتسهم في ترسيخ ثقافة التعايش والانفتاح. وهو ما يجعل الإعلام رافعة أساسية لتحويل التنوع اللغوي إلى قوة ناعمة تخدم الوحدة الوطنية. بهذا المعنى، بدا واضحا أن الإعلام يشكل حلقة وصل حاسمة بين السياسات العمومية والوجدان الشعبي، وأن ترقية الأمازيغية عبر وسائطه المختلفة ليست هدفا لغويا فحسب، بل مشروعًا وطنيًا يعزّز التلاحم، ويُعيد تأكيد أن قوة الجزائر تكمن في وحدتها بتعدّد مكوّناتها. وفي امتداد هذا المسار المؤسسي، يبرز الإعلام كأحد أهم الجبهات التي يُختبر فيها صدق هذا التوجه، ليس فقط من حيث الحضور اللغوي، بل من حيث المعالجة، الخطاب، والمسؤولية الوطنية.
الإعلام.. من نقل اللغة إلى ترسيخ اللحمة
حضور الأمازيغية في الإعلام الوطني تحوّل إلى جزء من معركة رمزية أعمق تتعلّق بتثبيت مقومات الهوية الجامعة وترسيخ الانسجام المجتمعي. فالإعلام، باعتباره الواجهة اليومية للخطاب العام، يملك القدرة على تحويل اللغة الأمازيغية من موضوع نقاش إلى ممارسة طبيعية تعكس وحدة المجتمع وتعدّد روافده دون تصادم أو إقصاء. وفي هذا السياق، شدّد وزير الاتصال، زهير بوعمامة، على أن الأمازيغية “ركيزة أصيلة من ركائز الهوية الوطنية الجزائرية، وعنصرا جامعا يعزز اللحمة الوطنية”، مؤكدا أن مسؤولية الإعلام لا تقتصر على البث أو النقل، بل تمتد إلى بناء وعي هادئ ومتزن يحترم الرموز الجامعة ويحصّن المجتمع من الخطابات المتشنجة. دعوة تعكس إدراكًا رسميًا لدور الإعلام كفاعل مؤثر في تشكيل المزاج العام. وتجلّى هذا التوجه في السياسات العمومية المعتمدة خلال السنوات الأخيرة، من خلال دعم المحتوى الإعلامي بالأمازيغية، وتوسيع فضاءات التعبير، وتشجيع التكوين المتخصص للصحفيين والمترجمين، بما يضمن معالجة مهنية ومسؤولة لقضايا الهوية. وهي خطوات تهدف إلى تجاوز المعالجة السطحية، والانتقال نحو إعلام يربط اللغة بالمعرفة، والثقافة، والمواطنة. كما أن توقيع اتفاقية التعاون بين وزارة الاتصال والمحافظة السامية للأمازيغية شكّل محطة عملية لترجمة هذا الوعي إلى التزام مؤسساتي واضح، يرمي إلى إدماج الأمازيغية في مختلف وسائط الإعلام، كلغة تواصل وتنوير تخدم الرأي العام وتعزز الثقة بين الإعلام والمجتمع. وبهذا المعنى، يصبح الإعلام شريكا فعليا في مشروع الوحدة الوطنية، حين يعالج الأمازيغية كرافد جامع لا كعنوان للانقسام، ويضعها في سياقها الطبيعي كجزء من هوية جزائرية متكاملة، تتقوّى بتعدّدها وتترسّخ بانسجامها. تؤكد الندوة العلمية-الإعلامية حول الأمازيغية واللحمة الوطنية أن مسار ترقية هذه اللغة أصبح جزءا من رؤية وطنية شاملة تراهن على تثبيت الوحدة الوطنية عبر الاعتراف المتوازن بكل مكوّنات الهوية الجزائرية. فالانتقال إلى التخطيط، ومن المبادرات المتفرقة إلى العمل المؤسسي المنسق، يعكس نضج المقاربة الرسمية في التعامل مع مسألة التنوع بوصفه عنصر قوة لا مصدر انقسام. وقد أبرزت مداخلات المسؤولين، أن ترقية الأمازيغية، كما العربية، تشكّل ركيزة أساسية لتعزيز الانتماء الجماعي وترسيخ التماسك المجتمعي، في سياق إقليمي ودولي يشهد محاولات متكررة لاستغلال قضايا الهوية لإحداث الشقاق. ومن هذا المنطلق، يبرز الخطاب الرسمي والإعلامي كجدار حماية رمزي وثقافي، يحصّن المجتمع ويعزّز ثقافة التعايش والاحترام المتبادل بين مختلف مكوّناته. كما كشفت الندوة، عن الدور المحوري للإعلام الوطني في مرافقة هذا المسار، ليس فقط من خلال نقل المواقف الرسمية، بل عبر إنتاج مضمون مسؤول يكرّس القيم المشتركة، ويُخرج الأمازيغية من إطار التوظيف الظرفي إلى فضاء المعرفة والتنوير والإبداع. وتأتي اتفاقية التعاون بين وزارة الاتصال والمحافظة السامية للأمازيغية، كتجسيد عملي لهذا التوجه، بما تحمله من التزام واضح بتوسيع حضور الأمازيغية في الفضاء الإعلامي، وتحسين جودة المحتوى، ودعم التكوين المتخصص. وتبرز هذه الندوة، كحلقة إضافية في مسار وطني متدرّج يقوم على قناعة راسخة بأن وحدة الجزائر تُصان بتثمين تنوّعها، وأن قوة الدولة والمجتمع تكمن في قدرتهما على تحويل الاختلاف إلى انسجام، والتعدد إلى لحمة. مسار يؤسس لإعلام واعٍ ومسؤول، ويكرّس هوية وطنية جامعة، قادرة على مواكبة التحولات، وحماية الذاكرة، وبناء مستقبل متماسك بثقة وهدوء.
