وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ ثَمَرَةَ التَّعْلِيمِ النَّبَوِيِّ قَدْ ظَهَرَتْ فِي جِيلِ الصَّحَابَةِ، فَأَخْرَجَ مِنْهُمُ الْعُلَمَاءَ وَالْقَادَةَ وَالْحُكَمَاءَ. وَمِنْ هُنَا نَدْرِكُ أَنَّ كُلَّ مُعَلِّمٍ فِي الأُمَّةِ هُوَ وَارِثٌ لِرِسَالَةِ النُّبُوَّةِ. أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ مُعَلِّمًا إِلَى أَهْلِ الْـمَدِينَةِ، فَلَمْ يَفْتَحْهَا بِسَيْفٍ وَلَا بِقُوَّةٍ، إِنَّمَا فَتَحَهَا بِالْقُرْآنِ وَالتَّعْلِيمِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ بَيْتٌ إِلَّا دَخَلَهُ نُورُ الإِيمَانِ. وَمَا كَانَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ مَلَأُوا الأُمَّةَ عِلْمًا وَهُدًى إِلَّا مَعَلِّمِينَ وَمُرَبِّينَ، لَمْ يَتْرُكُوا قُصُورًا وَلاَ أَمْوَالًا، بَلْ تَرَكُوا عُلُومًا خَالِدَةً، وَتَلَامِيذَ حَمَلُوا عِلْمَهُمْ وَاجْتِهَادَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا كُلِّهَا، فَكَانُوا مَعْلِمِينَ لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ. فَالْمُعَلِّمُ – عِبَادَ اللَّهِ – لَيْسَ مُوَظَّفًا يَنْقُلُ مَعْلُومَةً فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ رِسَالَةٌ وَرَحْمَةٌ، إِذَا أَدَّى أَمَانَتَهُ وَأَخْلَصَ فِي عَمَلِهِ، صَارَ عِلْمُهُ صَدَقَةً جَارِيَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَكَرِّمُوا مُعَلِّمِيكُمْ، وَرَبُّوا أَبْنَاءَكُمْ عَلَى تَوْقِيرِهِمْ، فَإِنَّ الأُمَّةَ الَّتِي تُكْرِمُ الْـمُعَلِّمَ إِنَّمَا تُكْرِمُ نَفْسَهَا، وَالأُمَّةَ الَّتِي تُهِينُ الْـمُعَلِّمَ إِنَّمَا تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِهَا بِالضَّيَاعِ. وَاحْذَرُوا مِنَ الذِينَ يَرُومُونَ الحَطَّ مِنْ قَدْرِ المُعَلِّمِينَ وَالعُلَمَاءِ، وَيُرِيدُونَ ضَرْبَ القُدْوَاتِ، وَإِيَّاكُمْ وَالانْسِيَاقَ خَلْفَ هَذَا المَسْلَكِ الرَدِيِّ، وَالِاشْتِرَاكَ فِي هَذَا القَوْلِ البَذِيِّ، فَأَعْدَاءُ الِإسْلَامِ حِينَ يُرِيدُونَ تَوْجِيهَ سِهَامِهِمْ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ؛ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُونَ بِالطَّعْنِ فِي مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ، وَهُوَ مَنْهَجٌ أَسَّسَهُ رَأْسُ المُنَافِقِينَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنُ سَلُولٍ؛ بِطَعْنِهِ فِي عِرْضِ أُمِّنَا عَائِشَةَ ~، وتبعه على الأَثِرِ أَرَاذِلُ القوم، فَلَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لأَعْدَاءِ اللهِ عَلَى خِيرَةِ مَا فِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَهُمْ مُعَلِّمُوهَا، وَتَفَطَّنُوا لِمُخَطَّطَاتِهِمْ الرَّامِيَةِ إِلَى إِفْراغِ الأُمَّةِ مِنْ رُمُوزِهَا، وَقُدْوَاتِهَا، وَحَمَلَةِ شَرِيعَتِهَا، وَفُضَلَائِهَا. نسأل الله أن يُبَارِكَ فِي مُعَلِّمِينَا وَمُرَبِّينَا، وَأن يجْعَلَ عِلْمَهُمْ صَدَقَةً جَارِيَةً فِي حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ وَفَاتِهِمْ. اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا، وَوَفِّقْهُمْ لِبِرِّ آبَائِهِمْ وَمُعَلِّمِيهِمْ، وَاجْعَلْهُمْ لَبِنَاتٍ صَالِحَةً فِي بِنَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ. ثُمَّ صَلُّوا رَحِمَكُمُ ٱللَّهُ وَسَلِّمُوا عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ٱلَّذِي أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ بِٱلصَّلَاةِ وَٱلسَّلَامِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: “إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۖ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”. ٱللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي ٱلْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. ٱللَّهُمَّ ٱرْزُقْنَا شَفَاعَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَٱحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ، وَٱسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ شَرْبَةً هَنِيئَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا. اللَّهُمَّ احْفَظْ بَلَدَنَا الْجَزَائِرَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ عِبَادَكَ المُرَابِطِينَ المُجَاهِدِينَ فِي فَلَسْطِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَ كُنْ لَهُمْ عَوْناً وَنَصِيراً يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللهُمَّ ارْحَمْ إِخْوَانَنَا المُسْتَضْعَفِينَ فِي غَزَّةَ، اللهُمَّ أَطْعِمْ جَائِعَهُمْ، وَاكْسُ عَارِيَهُمْ، وَاشْفِ مَرِيضَهُمْ، وَأَمِّنْ خَائِفَهُمْ، وَارْحَمْ مَيِّتَهُم، وَتَقَبَّلْ فِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ شَهِيدَهُم.
الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر