هو رمز الصمود والوحدة الوطنية في وجه الاستعمار

الجزائر تحتفل بذكرى إضراب الثمانية أيام لتكريم تضحيات أجدادها وتعزيز مسيرة البناء والتقدم

الجزائر تحتفل بذكرى إضراب الثمانية أيام لتكريم تضحيات أجدادها وتعزيز مسيرة البناء والتقدم

احتفلت، الثلاثاء، الجزائر بذكرى تاريخية عظيمة تبرز فيها مقاومة الشعب الجزائري وصموده أمام قوى الاستعمار، ألا وهي الذكرى الـ68 لإضراب الثمانية أيام التاريخي الذي شكل محطة هامة في مسيرة ثورة التحرير الجزائرية.

في هذا اليوم، لا تقتصر الذكرى على مجرد تذكر حدث، بل هي مناسبة للتأمل في تضحيات أجدادنا الذين سطروا صفحة جديدة من المجد في تاريخ الجزائر.

 

إضراب الثمانية أيام.. تاريخ مشرف

في 28 يناير 1957، انطلقت حملة الإضراب العام في الجزائر، والتي استمرت لثمانية أيام متتالية. هذا الإضراب كان دعماً لثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي الذي كان يسعى لتفكيك الوحدة الوطنية وعزل الشعب عن ثورته. وقد شارك في هذا الإضراب جميع شرائح المجتمع الجزائري، من عمال وتجار وحرفيين، في كل المدن الجزائرية. وكان الإضراب تعبيراً قوياً عن التلاحم الكبير بين الشعب الجزائري وقيادة الثورة، ورفضًا قاطعًا لمخططات الاستعمار. وقد اختار الشعب الجزائري هذا الأسلوب السلمي للضغط على السلطات الاستعمارية، متسلحًا بالإرادة والعزيمة، ليبعث برسالة لا لبس فيها إلى فرنسا: أن الثورة الجزائرية ليست فقط للثوار في الجبال، بل هي قضية شعب كامل، يعيش في المدن والقرى ويشترك في المواجهة بأشكال متعددة.

 

أهداف الإضراب ونجاحه

لقد كانت أهداف الإضراب تتجاوز مجرد التوقف عن العمل فقط، فقد كان هدفه الأساسي هو إيصال رسالة للسلطات الفرنسية مفادها أن الشعب الجزائري متحد ومصمم على تحرير وطنه، بغض النظر عن الوسائل التي سيتخذها لتحقيق ذلك. كما كان الإضراب خطوة هامة لفك عزلته عن الثورة، وتوضيح أن الشعب بأسره يقف خلف المقاومين في الجبال، وأنه لن يظل صامتًا إزاء قمع الاحتلال. في الوقت الذي حاول فيه الاستعمار أن يفصل بين المدنيين والمجاهدين، كانت هذه الخطوة بمثابة رد قوي على محاولاته. كانت الرسالة واضحة: لا يمكن الاستعمار أن ينفصل بين أجزاء الشعب الجزائري، لأنهم في وحدة واحدة ومصيرهم مشترك. ورغم قسوة الإجراءات التي اتخذها الاستعمار الفرنسي، من اعتقالات وتعذيب وتهجير، إلا أن الإضراب حقق أهدافه المرسومة، وكان له تأثير كبير في تعزيز روح المقاومة الوطنية.

 

رد فعل الاستعمار الفرنسي

لم تقف فرنسا مكتوفة الأيدي أمام هذه الحملة الكبيرة. بل ردت بعنف غير مسبوق، حيث اعتقلت الآلاف من المواطنين، وحطمت الممتلكات، وأطلقت حملات تشريد واسعة ضد الجزائريين في المدن الكبرى. لكنها في النهاية، لم تستطع أن تمنع زخم الثورة التي أخذت طابعًا شعبيًا واسعًا. فالإضراب العام لم يكن مجرد تعبير عن رفض الاحتلال، بل كان بمثابة إشارة إلى أن الشعب الجزائري قد أصبح على وعي تام بقوة وحدته الشعبية، وأنه على استعداد لدفع أي ثمن من أجل التحرير.

 

إضراب الثمانية أيام.. تأثيره العميق على الثورة الجزائرية

إن إضراب الثمانية أيام لم يكن مجرد حدث سياسي عابر، بل كان خطوة استراتيجية هامة في مسار الثورة الجزائرية. فقد أسهم في تعزيز الروح الوطنية، ورفع معنويات المجاهدين في الجبال، الذين شعروا بأن الدعم الشعبي يزداد يوما بعد يوم. وفي الوقت نفسه، شكل الإضراب ضغوطًا كبيرة على المستعمر الفرنسي، الذي كان يواجه تحديات كبيرة في كيفية إدارة الأراضي المحتلة في ظل الحراك الشعبي المتصاعد. وكان لهذا الإضراب أثر كبير في تعزيز صورة الثورة الجزائرية على المستوى الدولي، حيث بدأ العالم يدرك أن الجزائر ليست مجرد منطقة تقع تحت الاحتلال الفرنسي، بل هي أرض مليئة بالأبطال والشهداء الذين يسعون للحرية والاستقلال.

 

الجزائر اليوم.. وفاء لتاريخ مشرف

واليوم، وبعد 68 عامًا من إضراب الثمانية أيام التاريخي، لا تزال الجزائر تذكر هذا الحدث كواحدة من المحطات المفصلية في تاريخها الحديث، فالشعب الجزائري الذي قدم مليون ونصف المليون شهيد في سبيل الاستقلال، لا يزال متمسكًا بحقه في الذكرى، ويستمر في الحفاظ على الذاكرة الجماعية التي ترسخ قيم النضال والتضحية. وتحت شعار “تاريخ مجيد وفاء وتجديد”، تحيي الجزائر هذا اليوم لتجديد العهد مع الماضي، ولتسير في طريق البناء والتقدم. وفي هذه الذكرى، يتطلع المواطن الجزائري إلى المستقبل بثقة، تحت القيادة الرشيدة للسيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي يقود الجزائر نحو استكمال مسار البناء الوطني، من خلال تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الوحدة الوطنية. إن الجزائر، كما كانت في الماضي، تظل اليوم حرة منتصرة، ولن يوقفها أي تهديد أو تحدي في طريقها نحو تحقيق تطلعات شعبها في العيش الكريم والمستقبل المشرق. ويبقى إضراب الثمانية أيام التاريخي ليس مجرد ذكرى نحتفل بها، بل هو درس دائم في التضحية والوحدة الوطنية، وإشارة واضحة إلى أن الشعب الجزائري، حينما يتحد، لا يمكن لأي قوة أن توقفه. وإن الوفاء لهذا التاريخ المجيد، يعني الاستمرار في تعزيز الوحدة والعمل من أجل بناء جزائر قوية، حرة، ومزدهرة.

تغطية: إيمان عبروس