استراتيجية متكاملة لضمان الأمن المائي

الجزائر ترسم مستقبلها المائي بتحلية مياه البحر بقيادة الرئيس تبون

الجزائر ترسم مستقبلها المائي بتحلية مياه البحر بقيادة الرئيس تبون

تجد الجزائر نفسها أمام تحديات مائية كبرى في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وتراجع معدلات تساقط الأمطار، الأمر الذي يستدعي إلى وضع  استراتيجيات جذرية لمواجهة الأزمة وضمان الأمن المائي.

ومن هذا المنطلق، تبنت الدولة، بقيادة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، رؤية متكاملة تهدف إلى تأمين المياه لجميع المواطنين، عبر مشاريع طموحة تتصدرها تحلية مياه البحر، إلى جانب تعزيز البنية التحتية المائية وتحسين طرق الإدارة وتقليل الهدر.

 

تحلية مياه البحر.. خيار استراتيجي لضمان الاستدامة المائية

ومع تأثر السدود والموارد الجوفية بتغير المناخ، باتت الجزائر تعتمد بشكل متزايد على تحلية مياه البحر كحل دائم لضمان توفير مياه الشرب. وقد أولت الحكومة أهمية قصوى لهذا المسار من خلال تسريع إنجاز المحطات الجديدة وتعزيز القدرة الإنتاجية للمشاريع القائمة.

 

محطات تحلية مياه البحر: مشاريع كبرى تدخل الخدمة

محطة “فوكة 2” – ولاية تيبازة والتي بلغت قدرتها الإنتاجية: 300,000 متر مكعب يوميا، لتزويد 1.5 مليون نسمة بالمياه، حيث كانت مدة الإنجاز 25 شهرا فقط، في مؤشر على تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع الحيوية وذلك بهدف تخفيف الضغط على السدود والمياه الجوفية، وتحقيق توازن في التوزيع المائي.

 

برنامج إنجاز  خمسة محطات تحلية جديدة

كما تم برمجة خمسة محطات تحلية المياه في كل من المرسى، بوهارون، الطارف، شرق العاصمة، غرب الجزائر. بطاقة إنتاجية 1.3 مليون متر مكعب يوميا، حيث ستوفر 42، حيث من احتياجات الجزائر للمياه الصالحة للشرب بحلول 2030، وذلك بهدف رفع نسبة الاعتماد على مياه البحر إلى 60 بالمائة مقابل 17بالمائة في 2020. أما محطة “الطاسيلي” بولاية وهران قدرت سعتها الإنتاجية: 500,000 متر مكعب يوميا، ما يجعلها واحدة من أكبر محطات التحلية في إفريقيا وذلك بهدف تزويد ولاية وهران والولايات المجاورة بالمياه الصالحة للشرب، وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية.

 

تطوير السدود وتعبئة الموارد المائية

ورغم التوجه نحو تحلية مياه البحر، تواصل الحكومة الاستثمار في مشاريع السدود لزيادة المخزون الاستراتيجي من المياه العذبة، حيث يجري العمل على رفع عدد السدود إلى أكثر من 80 سدا موزعة عبر مختلف المناطق مع إعادة تأهيل السدود القديمة لتعزيز قدرتها التخزينية وتعزيز استخدام المياه المعالجة في الري الفلاحي لتخفيف الضغط على المياه الصالحة للشرب إلى جانب زيادة حجم المخزون المائي في السدود من 4 إلى 9 مليارات متر مكعب.

 

تحديث شبكات التوزيع وتقليل الهدر المائي

حيث تعاني شبكة توزيع المياه في الجزائر من نسبة هدر مرتفعة تتجاوز 30 بالمائة بسبب التسربات والأعطاب، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، أبرزها إعادة تأهيل الشبكات المهترئة في المدن الكبرى، مثل الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة و إطلاق مشاريع للتحكم الذكي في توزيع المياه عبر أنظمة متطورة تقلل التسربات مع فرض إجراءات صارمة ضد الهدر وسوء الاستغلال، بما في ذلك منع استخدام مياه الشرب للري العشوائي أو غسل السيارات وذلك لضمان عدالة التوزيع بين مختلف المناطق، خصوصًا في ظل ارتفاع الطلب على المياه.

 

الرقمنة.. رهان الحكومة لإدارة المياه بفعالية

تماشيا مع سياسة الرقمنة التي تنتهجها الجزائر، تم إطلاق برنامج متكامل لتحديث إدارة الموارد المائية، يشمل إنشاء منظومة إنذار مبكر للكشف عن الأعطاب والتسربات والتدخل السريع، استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة شبكات المياه لضبط الاستهلاك، إطلاق تطبيقات إلكترونية تتيح للمواطنين تقديم شكاوى ومتابعة توزيع المياه في أحيائهم

 

تأمين المياه للفلاحة.. استراتيجية لضمان الأمن الغذائي

ويعد القطاع الفلاحي من أكثر القطاعات استهلاكًا للمياه، مما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لضمان استدامة موارده، من بينها تشجيع أنظمة الري الذكي بالتقطير لتقليل استهلاك المياه، توسيع مشاريع الري التكميلي باستخدام المياه المستصلحة وإطلاق مشاريع لتحلية المياه المالحة في الصحراء لدعم الأنشطة الزراعية.

 

 

التعاون الدولي.. الجزائر تستفيد من التجارب الرائدة عالميًا

وفي إطار دعم مشاريعها الطموحة، عززت الجزائر تعاونها مع الدول الرائدة في مجال تحلية المياه وإدارة الموارد المائية، عبر شراكات مع شركات إسبانية، صينية وألمانية لنقل التكنولوجيا الحديثة. ومن خلال التعاون مع مؤسسات مالية دولية مثل البنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي لتمويل مشاريع مائية ضخمة والعمل مع منظمة اليونسكو لدعم البحث العلمي في مجال المياه.

 

الجانب الاجتماعي.. المياه حق مكفول للجميع

وإدراكا لأهمية المياه في تحقيق العدالة الاجتماعية، أطلقت الحكومة مشاريع تهدف إلى توسيع شبكات المياه إلى القرى والمناطق النائية التي كانت تعاني من ندرة الموارد المائية، دعم الفئات الهشة عبر تسعيرات مدعمة للمياه وإطلاق حملات توعوية وطنية لترشيد الاستهلاك، خاصة خلال فترات الصيف.

 

الأثر الاقتصادي لمشاريع المياه

إلى جانب تأمين الموارد المائية، ساهمت المشاريع المائية في خلق آلاف فرص العمل في مجالات البناء، التشغيل والصيانة وجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع تحلية المياه مع تعزيز الأمن الغذائي من خلال دعم القطاع الفلاحي بمصادر مياه إضافية.

 

نحو تحقيق الأمن المائي بحلول 2030

وبفضل الاستثمارات الضخمة والرؤية الاستراتيجية التي يقودها الرئيس عبد المجيد تبون، تسير الجزائر بخطى ثابتة نحو تحقيق الأمن المائي المستدام. ومع استكمال مشاريع التحلية، تطوير السدود، تحسين شبكات التوزيع، واعتماد الرقمنة، تضع الجزائر نفسها في مصاف الدول الرائدة إفريقيا في مجال إدارة الموارد المائية، مع هدف طموح بتحقيق استقلالية مائية شاملة بحلول عام 2030.

إيمان عبروس