الجزائر تواجه التصعيد الفرنسي بثبات

فرنسا تحاول الخروج من المأزق باختلاق عدو وهمي

فرنسا تحاول الخروج من المأزق باختلاق عدو وهمي

تثير التوجهات السياسية لفرنسا في الآونة الأخيرة الكثير من التساؤلات، خاصة في الداخل الفرنسي وبين الأوساط الأوروبية، التي تعبر عن رفضها لما يصفه البعض بمحاولة الرئيس إيمانويل ماكرون لتقمص دور “رجل الحرب”.

ويبدو أن باريس، من خلال تصعيدها الخطابي ضد الجزائر وروسيا والولايات المتحدة، تبتعد عن النهج السليم للتاريخ، وهو ما يثير الريبة حول دوافع هذا التوجه.

 

أزمة داخلية ومحاولات تصديرها

وعلى مدار الأشهر الماضية، سخرت فرنسا أدواتها الإعلامية لمهاجمة الجزائر بطرق مختلفة، مدعومة باستطلاعات رأي موجهة لتبرير هذا النهج العدائي. واليوم، يتكرر المشهد مع روسيا، حيث يتبنى ماكرون خطابًا تصعيديًا غير مسبوق تجاه موسكو. القراءة الجزائرية لهذا التحرك الفرنسي جاءت دقيقة، إذ رأت أن باريس تحاول تصدير أزمتها الداخلية المستعصية، والتي تجاوزت كلفتها 3.3 تريليون يورو، فضلا عن تصدع سياسي يهدد استمرارية الجمهورية الخامسة. وكعادتها، لجأت السلطة الفرنسية إلى الحل التقليدي: خلق عدو خارجي لتشتيت انتباه الرأي العام، في محاولة لتمديد عمرها السياسي. كما انعكس هذا التوجه على توزيع الأدوار داخل السلطة الفرنسية، حيث ركز ماكرون على الحرب الروسية-الأوكرانية والتحذير من تخلي واشنطن عن أوروبا في حال عودة ترامب إلى الحكم، فيما أسند ملف العلاقات مع الجزائر إلى وزير الداخلية برونو ريتايو والتيارات اليمينية المتطرفة، التي تحاول إقناع الفرنسيين بأن المهاجرين الجزائريين يشكلون تهديدًا أمنيًا لبلادهم.

 

الجزائر تواجه الحملة الفرنسية بحزم وندية

كما واجهت الجزائر هذا التصعيد الفرنسي بصرامة ودبلوماسية محنكة، واستطاعت تفكيك المزاعم التي حاول الإعلام الفرنسي الترويج لها، مثل الادعاءات بشأن المساعدات المالية المزعومة أو امتيازات اتفاقية 1968. وبالنتيجة، وجدت باريس نفسها متورطة في حملة تضليلية افتقدت إلى أي أساس واقعي. كما كشفت الجزائر، عن تصدع السلطة الفرنسية بين الرئيس ماكرون والوزير الأول فرنسوا بايرو، ووزير الداخلية الذي يبدو مهووسا بكل ما يتعلق بالجزائر. وأكدت الجزائر استعدادها للرد السريع والحازم على أي إجراء فرنسي يمس الاتفاقيات الثنائية بين البلدين.

 

ماكرون وافتعال الأزمات الدولية

ولم تقتصر النزعة التصعيدية الفرنسية على الجزائر، بل امتدت إلى الولايات المتحدة، حيث شن الإعلام الفرنسي هجمة على الرئيس ترامب بسبب رغبته في إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية. كما حاول ماكرون تقديم نفسه كزعيم أوروبي قادر على حماية القارة تحت المظلة النووية الفرنسية، لكن الواقع الاقتصادي لبلاده، ومعارضة الأثرياء لزيادة الضرائب لتمويل السياسات الدفاعية، جعل هذه الطموحات تبدو غير واقعية. إن فرنسا، المثقلة بتاريخها الاستعماري، لم تكن بحاجة إلى هذا النهج التصعيدي، لكنها اختارت طريق الاستفزاز عبر مناورات عسكرية مع المغرب قرب الحدود الجزائرية، إلى جانب خطابها المتشدد تجاه موسكو وواشنطن.

 

رهانات خاسرة وخروج من التاريخ

حيث كشفت السياسات الحالية لفرنسا عن فكر استعماري متجدد، غير قابل للنجاح في سياق عالمي متغير. فبدلاً من التركيز على معالجة أزماتها الداخلية، تحاول باريس تصدير أزماتها إلى الخارج، لكنها في المقابل تتخبط في تناقضاتها، مثلما حدث عندما روجت لادعاء دعم الجزائر بـ800 مليون يورو سنويًا، في حين منحت قرضًا بقيمة 781 مليون يورو للمغرب لشراء قاطرات من شركة فرنسية. ولعل التصريح اللاذع الذي أدلى به ماتيو سالفيني، الرجل الثاني في الحكومة الإيطالية، يلخص الموقف الأوروبي تجاه ماكرون، حيث قال: “لن نقبل أبدا بجيش أوروبي يقوده المجنون ماكرون الذي يتحدث عن حرب نووية”. أما فرنسا، التي تحاول تقديم نفسها كبديل لواشنطن، تفتقر إلى الأدوات الفعلية لتحقيق ذلك. ومهما حاولت التصعيد، فإن أوروبا تدرك أن باريس، باتباعها سياسة الحرب، لا تفعل سوى إقصاء نفسها عن مسار التاريخ.

إيمان عبروس