الجزائر -وريت الثرى، الأحد رفات 24 من رموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي بمربع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة، وذلك في مراسم دفن رسمية بحضور رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وكبار المسؤولين في الدولة والجيش الوطني الشعبي.
وبعد قراءة فاتحة الكتاب على أرواح الشهداء أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، الطيب زيتوني، في كلمة تأبينية له، بأن عودة الرفات رموز المقاومة الشعبية إلى أرض الوطن “شكلت حدثا تاريخيا حاسما يجسد فيه الاعتزاز بالملاحم البطولية التي بذلها القادة العظماء مخلدين صفحات مشرقة في سجل الامجاد”، مشيرا الى ان “الله سبحانه و تعالى وفقنا لإرجاع رفات القادة العظماء الطاهرة الى ارضهم (…) ولولا الايمان بعدالة قضيتنا واعتمادا على حقنا واعتزازا بماضينا وثباتا على مبادئنا ووفاء بعهدنا وقياما بواجبنا ومرورا بتضحيات شهدائنا واكراما لأرواحهم الطاهرة لما تحقق هذا الانجاز التاريخي الذي سيخلد في سجل الانسانية الجمعاء”.
وأضاف أن التاريخ اليوم “سجل في صفحاته الناصعة هذا المسعى النبيل لرئيس الجمهورية وفاء للعهد وحفاظا لذاكرة الامة وصونها”، معتبرا في ذات السياق أن الجزائر “تعيش هذه اللحظات مع التاريخ تعبيرا عن وفائنا لذاكرة أولئك الرجال الذين حملوا لواء الجهاد في سبيل الله والوطن”.
وتابع الوزير قائلا:” اليوم مناسبة للتأمل نؤدي فيها واجب العرفان والتمجيد لأبطال الجزائر التي ستبقى قلعة للحرية والسلام وفضاء للحوار الجاد المسؤول وقطبا للتفاعل الحضاري والانساني وستظل متمسكة بحقوقها المشروعة في شتى الميادين”.
انطلاق الموكب والرئيس تبون في المقدمة


وكان انطلاق الموكب الجنائزي من قصر الثقافة (مفدي زكريا) أين تم استقبال هؤلاء الشهداء الذي كانت رفاتهم مسجاة بالراية الوطنية، بالموسيقى العسكرية، تقديرا لذكرى وفاتهم واعترافا بتضحياتهم من أجل أن تعيش الاجيال التي تلتهم، حرة مستقلة.
واستقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الموكب الجنائزي وقرأ فاتحة الكتاب ترحما على أرواحهم الطاهرة، ومباشرة بعد قصر الثقافة وضعت رفات الشهداء على عربات عسكرية زينت بالورود قبل التوجه الى مثواهم الاخير بمقبرة العالية، ليدفنوا الى جانب إخوانهم وأبنائهم واحفادهم الشهداء والمجاهدين من مختلف الاجيال، بعد أن حرمتهم فرنسا الاستعمارية قسريا من حقهم الطبيعي والانساني في الدفن على أرض وطنهم الام.
وتقدم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الموكب الجنائزي المهيب في بعض شوارع العاصمة، مرورا بشارع جيش التحرير الوطني، للسماح للمواطنين بالترحم على الارواح الطاهرة لهؤلاء الشهداء، حيث فضل العديد من المواطنين تخليد هذه اللحظات التاريخية من خلال تصوير الموكب الجنائزي بهواتفهم النقالة، تعبيرا عن فخرهم واعتزازهم بهؤلاء الأبطال الذين قدموا حياتهم في سبيل تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي.
بداية الحدث

وكانت جماجم هؤلاء الشهداء قد أعيدت إلى أرض الوطن يوم الجمعة من فرنسا على متن طائرة تابعة للقوات الجوية للجيش الوطني الشعبي مرفقة بطائرات مقاتلة، خلال مراسم استقبال أشرف عليها الرئيس تبون بالمطار الدولي هواري بومدين، وقدمت على شرفهم التشريفات العسكرية مع إطلاق 21 طلقة مدفعية.
وخلال حفل تقليد الرتب وإسداء الأوسمة لضباط الجيش الوطني الشعبي، بقصر الشعب، بمناسبة الذكرى 58 لعيدي الاستقلال والشباب، أكد الرئيس تبون أن الأمر يتعلق بمرحلة أولى لاسترداد رفات شهداء المقاومة الشعبية، مبرزا عزم الدولة على “مواصلة عملية استرجاع ما تبقى من رفات المقاومين الجزائريين حتى يدفنوا في ثرى الأرض التي ضحوا من أجلها”.
ومن جهته أشاد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق السعيد شنقريحة بذاكرة هؤلاء المقاومين “الذين سيبقون أحياء إلى الأبد” و”سيظلون ينيرون كالنبراس نهج الأجيال القادمة”.
وتمكن المواطنون من إلقاء النظرة الأخيرة والترحم على أرواح هؤلاء الابطال الطاهرة الذين وضعت التوابيت الحاملة لرفاتهم ببهو قصر الثقافة مفدي زكريا بالجزائر العاصمة.
مطلب شعبي رسمي

وتشكل اعادة رفات رموز المقاومة الشعبية ضد الغزو الفرنسي، المحفوظة منذ أزيد من قرن ونصف بمتحف التاريخ الطبيعي بباريس، أحد المطالب الرئيسية للدولة الجزائرية حول مسألة الذاكرة، حيث تم طرح المسألة خلال مباحثات بين السلطات العليا للبلدين. وقد تم تأسيس لجنة مكونة من خبراء جزائريين للقيام بتحديد هوية هؤلاء المقاومين الجزائريين.
وقد نوه الوزير الأول، عبد العزيز جراد بدور المؤرخ والمختص في الأنثروبولوجيا فريد بلقاضي الذي اكتشف وجود هذه الجماجم خلال ابحاثه بمتحف الانسان بباريس وكذا الباحث براهيم سنوسي على العريضة التي طرحها عبر الانترنت والتي ساهمت بدورها في التعريف ” بالمجازر المقترفة من طرف فرنسا الاستعمارية بالجزائر خلال 132 سنة.
ومن بين هذه الرفات توجد ستة لقادة من المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي وهم محمد لمجد بن عبد المالك، المدعو بوبغلة الذي قاد مقاومة شعبية في منطقة الجرجرة بالقبائل، وعيسى الحمادي، رفيق شريف بوبغلة والشيخ بوزيان، زعيم انتفاضة الزعاطشة (منطقة بسكرة في عام 1849) وموسى الدرقاوي، مستشاره العسكري والشيخ بوقديدة المدعو بوعمار بن قديدة وكذا مختار بن قويدر التيطراوي.











