الأمم المتحدة تعترف بأن بعض العناصر التي حاولت التسلل تابعة فعلا لتنظيم “الجيش السوري الحر”
الجزائر- ألقت المفرزات الأخيرة التي جرها ملف مساعي عناصر من”ميليشيا ” -أحد أبرز أطراف النزاع في سوريا- المسماة “الجيش السوري الحر”، لدخول الجزائر وموقف السلطات الرسمية منها ودخول مفوضة اللاجئين التابعة للامم المتحدة على الخط، جملة من القراءات والمفاتيح التي انتشلت بدورها تساؤلات وطروحات من سياق أحداث وتصريحات سابقة ذات الصلة بالملف.
كانت البداية مع قرار الجزائر منع مجموعات من الرعايا العرب (أغلبهم سوريون ويمنيون) حاولوا التسلل إلى التراب الجزائري عبر الحدود الجنوبية، وهو ما أوضحته الداخلية عبر قاسيمي الذي تحدث قائلا “هناك معلومات مغلوطة وزائفة تماما وهي غير مطابقة للواقع ” وأضاف “لقد تم تقديم هؤلاء الأشخاص على أنهم مهاجرون إلاّ أنهم ليسوا كذلك. لماذا ليسوا بمهاجرين؟ ببساطة لأن الأمر يتعلق بجنود من الجيش السوري الحر الذين كانوا في حلب”. وأكثر من ذلك تساءل قاسيمي “لماذا لم يطلب هؤلاء اللجوء في تركيا لما وصلوا إليها لو كانت حياتهم حقا مهددة ؟”، مؤكدا أنهم استفادوا من جوازات سفر مزورة قبل أن يتم تحويلهم عبر الطائرات إلى السودان بعدها إلى موريتانيا.
وتحمل تصريحات قاسمي، التي لا تحتاج عناء كبيرا لفك “التضمين” فيها ، اتهامات إلى عواصم عربية ومتوسطية متورطة في “تمرير” هذه العناصر إلى الحدود الجزائرية، وأول منصات هذه الرحلة ليس إلا تركيا ، وبالتالي العملية ليست هجرة أو لجوءا بقدر ما هي مساع لاختراق الحدود بعناصر منضوية تحت مليشيات مسلحة تشكل أحد أطراف النزاع المسلح في سوريا ، ما يسقط أحد أبرز الشروط التي يجب أن تتوفر في “اللاجئ” بموجب اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين والقاضية بأن : “اللاجئ هو شخص مدني. والشخص الذي يستمر في الاشتراك في أنشطة عسكرية لا يمكن النظر في منحه اللجوء.”
ويعتبر التنظيم المسلح المسمى “الجيش السوري الحر” المجموعة الرئيسية المنشقة عن الجيش السوري وتحظى بدعم من أنقرة سياسيا خاصة في شمال سوريا، ولا يخفى على أحد حجم التنسيق والتعاون الوثيق بين “الجيش الحر” والقوات التركية منذ بداية الأزمة السورية ومساعي الإطاحة بنظام بشار الأسد، ولا تزال هذه الفصائل إلى اليوم طرفا في الميدان، مثلما أكده أحد قيادييه بحر الأسبوع حينما صرح قائلا “سنعتبر القوات العربية “قوات احتلال شأنها شأن القوات الروسية والإيرانية” وأن “هناك تنسيقا كاملا على أعلى المستويات بين المعارضة السورية وتركيا”، وبأنهم “لن يجروا أي تعاون مع أي قوات عربية ستدخل منبج أو شرق الفرات”.
وفضلا عن ذلك، كانت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية قد كشفت في عام 2014 من خلال تقرير مطول لها عن وجود تعاون بين عناصر “الجيش السوري الحر” وإسرائيل، استنادا إلى تقارير مراقبي الأمم المتحدة في هضبة الجولان في 2012 و 2013 التي جاء فيها إنه يوجود تعاون بين إسرائيل والمعارضة السورية على “نطاق واسع” ، كما اشار المقال إلى أن التقارير التابعة للأمم المتحدة، التي قُدمت للاطلاع عليها إلى الدول الـ 15 الأعضاء في الأمم المتحدة وتظهر في موقع الإنترنت للأمم المتحدة، تفاصيل عن اللقاءات التى تجرى على الحدود بين ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي ومسلحين من المعارضة السورية ، كما أنه تم نقل العشرات من جرحى “الجيش الحر” للعلاج في تل أبيب خلال مواجهات مع النظام السوري بهضبة الجولان. وكان مصدر عسكريّ إسرائيلي رفيع المستوى، في حديثٍ لموقع (WALLA) العبريّ، كشف أنّ الهدف الأساسيّ الذي تسعى إليه تل أبيب من وراء منح المساعدات الإنسانية وتطبيب الجرحى من المعارضة السورية، هو تحويلهم إلى ما سمّاه بسفراء لإسرائيل في سوريّة، بعد عودتهم إليها، مؤكدا أن مستشفيات تل أبيب عالجت 1000 مقاتل من المعارضة السورية.
ولعل المثير في القضية هو اعتراف الامم المتحدة نفسها، التي انتقدت قرار الجزائر ، بان بعض العناصر التي حاولت التسلل عبر الحدود الجنوبية تابعة فعلا لتنظيم “الجيش السوري الحر” بدليل ما ورد في بيان المفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين من إشارة إلى أن “بعض السوريين” الذين تحدث عنهم المسؤولون الجزائريون مسجلون كلاجئين، لكن المنظمة أغفلت النظر عن الشق الآخر من المعطيات وهو أن البعض الباقي عناصر عسكرية في الجيش الحر وأنهم عملوا على تغليف “تسللهم” إلى الجزائر باللجوء ضمن جماعات اللاجئين الذين كانوا بمعيتهم، ما يطرح أيضا مسألة “هوية البقية” ومدى التعاون مع عناصر “الجيش الحر” والقوى التي تقف وراءه.
وتتزامن هذه المحاولات مع المساعي الحثيثة للجزائر وتونس على مستوى الجامعة العربية لإعادة سوريا إلى مقعدها، خاصة في ظل التصدع الحاصل بين الرياض و”لواحقها” من جهة وأنقرة والإخوان من الجهة الثانية، ما قد يحقق قبولا “نسبيا” لمبادرة الجزائر.
كما تتزامن هذه المحاولات أيضا مع تقرير “معهد يورشاليم” الإسرائيلي بخصوص 2019 وإعادة بعث الفوضى الأمنية في شمال إفريقيا في ظل “وضع هش” تعيشه دوله على جميع المستويات على حد تعبيره، فضلا عن المحطات المهمة التي تنتظر الجزائر في ربيع العام الجاري وهي الرئاسيات التي لا تزال غامضة لدى الكثير من الدوائر الاستخباراتية الشرقية والغربية وتبحث عن خيوط تؤشر لها حجم الفراغات من عدمها.










