تاريخ حافل من الإنجازات والتحديات في مكافحة بقايا الإرهاب والتهريب وعصابات المخدرات

الجيش الوطني الشعبي.. صون أمانة الشهداء والحفاظ على قيام الدولة الجزائرية

الجيش الوطني الشعبي.. صون أمانة الشهداء والحفاظ على قيام الدولة الجزائرية

* جيش ساهر على تأمين الحدود والدفاع عن كل شبر من مناطق الجزائر الشاسعة


نجح الجيش الوطني الشعبي، في بلوغ غاية الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية، بفضل التلاحم المستلهم من نضال وكفاح الأجداد، معتمدا على مبادئ الحرب الثورية، ليواصل بعدها مسيرة الدفاع عن كل شبر من هذا الوطن والتصدي لكل من تسول له نفسه الإساءة للبلاد.

عاش الجيش الوطني الشعبي، محطات ووقائع عسكرية بالغة الأهمية، لمدة تفوق ألفي سنة، برزت من خلالها أهمية الموقع الاستراتيجي الذي تحتله بلادنا، وتجلت عبرها العبقرية العسكرية للكثير من قادة هذا الجيش أو محاربيه البارزين خلال مختلف الحقبات التاريخية.

 

من 1945 إلى 1954.. شرارة الثورة

وبحسب منشور عن تاريخ الجيش عبر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الوطني، ففي الثامن ماي 1945، ارتكب المستعمر المستبد الغاشم مجزرة رهيبة في حق عشرات الآلاف من الجزائريين العزّل ذنبهم الوحيد أنهم خرجوا للاحتفال بانتهاء الحرب العالمية الثانية من جهة، والتعبير عن الرغبة في الاستقلال من جهة أخرى، هذه المجزرة التي كانت نقطة تحول مفصلية في تاريخ كفاح الشعب الجزائري وتطوراته العسكرية، حيث أثبتت فشل المسارات السياسية التي اعتمدتها الحركة الوطنية في بداية القرن العشرين ميلادي، ورسخت مفهوم أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، خاصة وأن هذه المجازر جاءت مباشرة بعد تجنيد عشرات الآلاف من الجزائريين إجباريا في صفوف الجيش الفرنسي للمشاركة في تحرير أوروبا من الهيمنة النازية، ولم تقتصر هذه المشاركة الإجبارية على الحربين العالميتين فحسب، بل شملت الحروب الاستعمارية المحضة، على غرار حرب الهند الصينية (فيتنام حاليا)، ورغم أن تجنيدهم كان إجباريا للمشاركة في حروب لا تعنيهم، إلا أن هذه المشاركات سمحت للجزائريين بالتدرب على الأسلحة والمعارك الحديثة واكتساب خبرة قتالية، وكذا الاطلاع على السير الداخلي للجيش الفرنسي. وبعد سنتين من هذه المجازر، أي في سنة 1947، تم تأسيس المنظمة الخاصة، من طرف عناصر من الحركة الوطنية، فكانت بمثابة النواة الأولى للمقاومة المسلحة، هدفها تهيئة الظروف في أسرع وقت ممكن “جمع الأموال، اقتناء السلاح وتنظيم التدريب على القتال” من أجل البدء في العمل العسكري المسلح ضد المحتل، وقد نجحت المنظمة في تنفيذ بعض العمليات مثل الهجوم على مركز بريد وهران سنة 1949، ورغم اكتشاف نشاطها من طرف المستدمر الغاشم، إلا أن أفرادها واصلوا العمل بشكل سري، إلى غاية تفجير الثورة التحريرية المجيدة.

 

ثورة نوفمبر 1954.. ميلاد جيش التحرير الوطني

قام الشعب الجزائري الذي أنضجته سلسلة من مراحل النضال السياسي ومختلف التحولات الثقافية والنفسية التي عرفها، وهو الذي تحمّل شتّى صنوف القهر والاستعباد وكابد الويلات والمآسي منضويا تحت لواء طليعته الثورية، معلنا كفاحه من أجل الحرية، مفجرا في الفاتح نوفمبر 1954 ثورة عارمة شكلت قطيعة تامة وكلية مع القنوات السياسية، وهو ما عبر عنه بوضوح بيان أول نوفمبر 1954، بتأسيس جبهة التحرير الوطني وجناحها المسلح المتمثل في جيش التحرير الوطني، وكرّسهما باعتبارهما وسيلتين لتجسيد الطموح إلى الحرية والاستقلال. وهكذا، وما إن اندلع الكفاح المسلح، حتى عكف المسؤولون السياسيون والعسكريون، على إرساء هياكل جيش التحرير الوطني، فتم في البداية تكوين وحدات تتشكل من مجموعات صغيرة بحوزتها أسلحة خفيفة ولكنها سريعة الحركة تعمل وفق مبادئ حرب العصابات، وبعد مرور سنة على هجوم الشمال القسنطيني (20 أوت 1955)، انعقد مؤتمر الصومام الذي تضمنت أرضيته التاريخية، في شقها العسكري إعادة تنظيم جيش التحرير الوطني في شكل فيالق وكتائب وفصائل ومجموعات، كما تم تدعيمه بإنشاء تنظيم إداري ومالي ولوجيستي، دون إغفال الدور الحيوي للإعلام في تعبئة الشعب الجزائري ومقارعة المستدمر وآلته الدعائية. وشرع جيش التحرير الوطني بعد ذلك تدريجيا في التزود بتجهيزات أكثر تطورا وبأسلحة أكثر قوة، أثبتت فعاليتها في ميدان المعركة، لتتواصل مسيرة الثورة بقوة وثبات بعد أن أصبح جيش التحرير الوطني جيشا منظما يستمد طاقته من عمقه الشعبي، لقن مجاهدوه العدو دروسا في فنون الحرب، وهو الذي اعتبرهم في البداية مجرد خارجين عن القانون وكان يحتقرهم ويقلل من شأنهم، ليتمكنوا في الأخير بفضل إيمانهم وإرادتهم ونكرانهم للذات وعزيمتهم التي لا تقهر وحسهم الاستراتيجي والتكتيكي والدعم الشعبي الكامل لهم، من إجبار العدو المحتل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي كللت باسترجاع السيادة الوطنية بعد كفاح مرير وتضحيات منقطعة النظير.

 

الجيش الوطني الشعبي.. عين ساهرة لبلاد آمنة

سجّل الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، بأحرف من ذهب، ووقفات، ورفع التحدّي في مكافحة بقايا الإرهاب والتهريب وعصابات المخدرات، وتأمين الحدود والدفاع عن كل شبر من مناطق الجزائر الشاسعة.

وبقيت مؤسسة الجيش واقفة انطلاقا من موقف الدولة الجزائرية، مع القضايا العادلة، وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، ومدافعة عن حلم بناء الجزائر الجديدة، ومكافحة الفساد، مع تطوير القوات المسلحة وفق منظور الاحترافية والمساهمة في تنويع الاقتصاد الوطني بالصناعات العسكرية. كما ظل الجيش واقفا مع شعبه، وفق شعار “الجيش الشعب..خاوة خاوة”، فسجل حضورا مميزا في مكافحة وباء كورونا، وأبدى جاهزيته لإسناد المنظومة الصحية بمستشفيات ميدانية، وهو ما تحقق بتحويل مركز رياضي بالعاصمة إلى مستشفى لمواجهة الجائحة. وتمثل مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، لا سيما التهريب والمخدرات والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، بما في ذلك حماية المناطق والمواقع الحساسة، “انشغالا كبيرا أيضا للجيش الوطني الشعبي الذي يستمر، بدعم لا متناه من الحكومة وبالتعاون الوثيق مع مصالح الأمن في مكافحة هذه الظواهر الإجرامية دون هوادة”. من جهة أخرى، يسهر الجيش الوطني الشعبي على مكافحة الجريمة السيبرانية وتطوير الدفاع السيبراني، من خلال “الاستثمار في تكوين العنصر البشري في هذه المجالات وتعزيز قدراته في مجال الدفاع السيبراني ومكافحة جميع أشكال الجريمة الإلكترونية”، لا سيما من خلال إنشاء الوكالة الوطنية لأمن الأنظمة المعلوماتية. ومن الجانب الإنساني، يساهم فيه الجيش الوطني الشعبي، من خلال إيصال المساعدات الإنسانية لفائدة الدول الشقيقة والصديقة، لا سيما المجاورة منها، ويشارك وطنيا في جميع عمليات إنقاذ ومساعدة السكان أثناء الكوارث الطبيعية والاضطرابات المناخية.

 

تكوين نوعي للجيش الوطني الشعبي بمواصفات عالمية

يشكل اهتمام الجيش الوطني الشعبي بالتكوين نهج أصيل متجذّر، ورثه عن جيش التحرير الوطني الذي برغم قلة ومحدودية إمكاناته، اهتم بالتكوين إبان الثورة التحريرية، حيث تخرجت الدفعات الأولى من الطيارين والمهندسين حتى قبل استرجاع سيادتنا الوطنية.

وشهدت الجزائر لسنوات طويلة تخرج دفعات جديدة، بعد أن تلقت تكوينا نوعيا في مختلف التخصصات العسكرية والعلمية، لتعزز صفوف جيشنا بكفاءات شابة متسلحة بشتى المعارف النظرية والتطبيقية التي تلقتها، ستكون بدورها إضافة هامة في مسيرة تطور الجيش الوطني الشعبي وحصناً منيعاً ضدّ كل من تسول له نفسه المساس بسيادة الوطن واستقلاله واستقراره. وتمثل هذه الدفعات التي تتخرج سنويا “ثمرة رهان القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي على العنصر البشري، عبر إحاطته بتكوين جيد يساير ما بلغته كبرى المدارس العسكرية في العالم وكذا نظير الأهمية التي يوليها له السيد رئيس الجمهورية الذي يحرص شخصيا منذ توليه سدة الحكم على الإشراف على تخرج دفعات جديدة بالأكاديمية العسكرية لشرشال “الرئيس الراحل هواري بومدين” ومتابعة مجرياته باهتمام بالغ، مع كل ما تحمله المراسم من جديد من سنة إلى أخرى.

 

مدارس أشبال الأمة.. الاستمرارية والتميز

وحرصا منها على مواصلة الدرب وتعزيز التلاحم بين الجيش وعمقه الشعبي في شتى ربوع الوطن، عملت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي غداة الاستقلال على الاستثمار في الرصيد البشري الزاخر المتشبع بالقيم الوطنية، المشكل أساسا من أبناء الشهداء والمجاهدين ليكون هؤلاء اللبنة الأولى في بناء الجزائر الفتية.

وأنشئت مدارس أشبال الثورة في ماي 1963، لتشكل مشتلة حقيقية تزود مختلف هياكل الدولة الجزائرية بالمئات، بل الآلاف من الإطارات الكفؤة، قبل أن يتم التخلي عن هذا النمط من المدارس سنة 1986. وتكريسا لهذه السياسة الرشيدة، أولت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي أهمية قصوى لهذا التوجه، فتم في ظرف وجيز وبوتيرة متسارعة إحداث ثلاث ثانويات “ذكور وإناث”، بوهران والبليدة وسطيف، وكذا سبع متوسطات بكل من بشار والأغواط وباتنة وبجاية وتمنراست والمسيلة وتيارت.

 

لمّ الشمل ورصّ الصفوف لكسب معركة التجديد

يحرص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على الإشادة بالدور “الفعال والريادي” للجيش الوطني الشعبي في مجال إعطاء دفع للصناعات الوطنية عبر المساهمة بفعالية في المجهود الوطني لترقية وتطوير الاقتصاد الوطني.

وأشار الرئيس مؤخرا، في افتتاحية مجلة الجيش، إلى أنه سيتم التركيز في المرحلة القادمة على “تعزيز النسيج الصناعي الوطني وتطوير الصناعات العسكرية، على نحو يمكّن من استحداث مناصب شغل لشبابنا والتوجه للتصدير بعد تلبية احتياجات السوق الوطنية”. وبعد أن وجه تحياته الخالصة إلى مستخدمي القوات المسلحة التي “تسهر، دون هوادة، على حماية حدودنا المديدة ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة”، جدد الرئيس تبون تعهده بمواصلة مسار تطوير قدرات الجيش الوطني الشعبي من خلال “مواصلة تنفيذ برنامج تطوير قواتنا، ومن ثم الرفع من قدراتها القتالية وجاهزيتها العملياتية من أجل مواكبة المستجدات التكنولوجية المتسارعة”. وخلص رئيس الجمهورية، إلى التذكير أنه “بالنظر إلى المكانة المرموقة التي يحظى بها الجيش الوطني الشعبي في وجدان الأمة، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتزعزع، بل تزداد متانة، ونظرا لمكانته الريادية ضمن مؤسسات الدولة والجهود المضنية التي بذلها لمنع انهيار الدولة خلال سنوات التسعينات والحفاظ على أمانة الشهداء وإرساء موجبات الاستقرار والأمن الوطني”.