ما زالت حافلات الموت تتسبب في كوارث خطيرة على الطرقات السريعة مما يتسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى، والغريب في الأمر أن وزارة النقل لم تطبق الإجراءات الردعية على سواق هذه الحافلات رغم أن مخالفاتهم تتعدى تجاوزات الحديث عبر الهاتف النقال أثناء السياقة.
المتجول في شوارع العاصمة يلاحظ الغبار المتراكم على زجاج العديد من الحافلات المهترئة، بسبب الإهمال، ما جعل بعض المواطنين يقومون بكتابة عبارات ساخرة “على لسانها”، من قبيل: “اغسلوني” و”هل من تقاعد؟”.
يقول “عبد الرحمان” من ولاية بومرداس إن هذه الكتابات هي: “الطريقة الوحيدة التي تجعل مالكها يقوم بتنظيفها، لأنه لا يستطيع أن يتحمّل مثل هذه العبارة”. يشرح أكثر: “إن همّ مالكي هذه الحافلات، التي يفترض أنها أحيلت على الكاراجات منذ زمن، هو الحصول على المال فقط، ولا يلتفتون إلى تنظيفها والعناية بها، لأنهم ضامنون أن تمتلئ بالركّاب في الحالات كلّها”.
ويضيف أن “الأمر لا يتعلّق بالإهمال على مستوى النظافة فقط، بل على مستوى تجديد المقاعد وزجاج النوافذ. اركب واحدة منها، على سبيل الصدفة، وسوف تجد مقاعدها مهترئة، ونوافذها إما بلا زجاج، فيصيبك برد الشتاء، وإما معوّض بمادة أخرى، مثل الألواح الخشبية، بحيث لا يمكن فتحها، فتخنقك حرارة الصيف”. يتساءل: “هم يحصلون يوميًا على مبالغَ ضخمةٍ، فما المانع من أن يصرفوا بعضها، من أجل أن تكون مركباتهم مهيأة بشكل لائق؟”.
علب سردين في هيئة حافلات
تحولت حافلات الخواص إلى هاجس للمواطن البسيط العاجز عن اقتناء سيارة، حيث يقول عدد من المسافرين الذين كانوا على مستوى محطة الرويبة للحافلات إن ملاك الحافلات حولوها إلى محتشدات وعلب السردين، بدليل أن العديد من الناقلين قاموا بنزع عدد من مقاعد حافلاتهم لضمان عدد إضافي من الركاب ليعلق عليها مسافر آخر يدعى “حسين” قائلا: “هذه الحافلات لا تتعدى طاقتها الإستعابية 35 راكبا، غير أنك إذا أحصيت عدد الركاب فستجده يتعدى الـ 50”.
في حين تقول نوال: “من مظاهر جشع أصحاب هذه الحافلات، أنهم لا ينطلقون، حين تُشغل مقاعدها كلها، بل ينتظرون حتى يمتلئ الرواق أيضًا، بحيث يصبح الركوب مظهرًا من مظاهر العذاب وانتفاء الحشمة، في ظل تداخل الذكور بالإناث، وكل احتجاج من أحدهم يُقابل من طرف القابض بعبارة “من أراد الراحة، فعليه بسيارة أجرة”. إنه الجشع المعجون بالوقاحة، في ظل الحاجة إلى النقل”.
القابضون يشتكون غياب التغطية الاجتماعية
من جهة أخرى، وفي بحث صغير عن هوية القابضين الذين يوظفهم ملاك تلك الحافلات، نجد نسبة كبيرة منهم من المراهقين، فهم غير مؤمّنين ويتقاضون أجورًا بالكاد تكفي ما يحتاجونه لأنفسهم في يومياتهم.
يقول “توفيق” وهو قابض حافلة على متن خط الرويبة – العاصمة: “ما كنتُ لأقبل بأن أكون قابضًا في “حافلات الموت” لولا البطالة وحاجتي إلى أن أتكفّل بنفسي، وعادة ما ينعكس المزاج السيئ، الذي تشحنني به هذه الوظيفة، إذ أشتغل من الخامسة صباحًا إلى الثامنة ليلًا، على سلوكي مع الزبائن”.
ويضيف “يُلزمنا قانون النقل بإعطاء التذكرة للزبون، فهي ما يضمن له التأمين في حالة وقوع حادث ما، لكن كثيرًا من القابضين يأخذون النقود ويحتفظون بالتذاكر، مستغلين جهل الناس بحقوقهم، حتى يحتفظوا بمبلغ من المال، حين يُحاسبهم أصحاب المركبات على أساس التذاكر الممنوحة”.
نظافة وأناقة الحافلات التابعة لـ “مؤسسة النقل الحضري”، والتزامها بالوقت والعدد القانوني للركّاب، يجعل منظر الحافلات القديمة، التي يملكها الخواص، بشعًا ومثيرًا للخوف والتقزز، وهي تدخل وتخرج في محطات “02 ماي” في الجزائر العاصمة، وضاحية بن شرقي في قسنطينة، 500 كيلومتر شرقًا، وبودواو، 38 كيلومتر وسط، وبوحنيفية، 400 كيلومتر غربًا، وتلخصه عبارة سمعناها من شاب قال إنه من مواليد عام 1995: “أحلم بأن أجد حافلة منها، تصغرني بعام واحد على الأقل”.
أين قروض عمار غول؟
وكان وزير النقل الأسبق عمار غول قد أعلن أنه تم الاتفاق على منح قروض بلا فائدة، تسدّد في عشر سنوات، لأصحاب الحافلات القديمة الراغبين في تجديد مركباتهم، “وقد بلغت نسبة التجديد 20 % إلى غاية نهاية عام 2015”.
غير أن هذا المشروع توقف بمجرد أن غادر الوزير مقر الوزارة، ليبقى السؤال: متى ستختفي حافلات الموت من طرقاتنا؟.