لها تاريخ عتيق بالمنطقة

“الحريرة”… نجمة التراث المطبخي الجزائري

“الحريرة”… نجمة التراث المطبخي الجزائري

لا يمكن لأي زائر لمدينة وهران ألا يتذوق “الحريرة” التي تعتبر نجمة التراث المطبخي بعاصمة غرب البلد بلا منازع، والحساء المفضل عند الوهرانيين الذين يتناولونه بنهم كبير لحد الآن بعد مرور عدة قرون على ظهوره.

وتتحدى “الحريرة الوهرانية” التي تعتبر واحدة من الأطباق التقليدية الشهية التي لا يمكن أن يجهل أي بيت أو مطعم طريقة تحضيرها المختلفة وقيمتها الغذائية، كل أنواع الحساء المعروفة في مطابخ شمال إفريقيا أو حوض البحر الأبيض المتوسط، حسب ما أكدته مهتمات بالتراث المطبخي.

 

طبق يعكس ثقافة المنطقة

ورغم أن التنافس في أصل طبق “الحريرية”، ما يزال يشكل حديث العديد من الطهاة المختصين في الأطباق التقليدية، بالنظر إلى اختلاف تحضيره من منطقة إلى أخرى، فكل واحد يحاول أن ينسب إليه طبقا محددا، لاسيما إذا أخذ شهرة بفضل مذاقه الرائع. وحتى يكون الجميع رابحا يحاول هؤلاء وضع لمسات خاصة على طبق محدد، فإن كانت النتيجة تقريبا واحدة، فإنه، أحيانا، يختلف المحتوى، ويعكس، بالتالي، جانبا من ثقافة المنطقة، وهذا ما جعل طبق الحريرة تختلف طرق تحضيره من ولاية إلى أخرى. ولعل تقارب العادات والتقاليد أعطى ذلك الطبق وصفات عديدة، تعطي للراغبين في تحضيرها عشرات الوصفات التي تختلف في مقادير بسيطة جدا، للاستمتاع بنتيجة في غاية اللذة، فيما تشير المراجع التاريخية إلى أن جذور هذا الطبق التقليدي تعود إلى الأندلس، وفق ما أبرزته الباحثة في التراث، فتيحة لكباد.

من جهتها، ترى الأستاذة في المدارس الخاصة للتكوين في الطبخ، بخلاية وهيبة أن “الحريرة الوهرانية” تعتبر “طبقا مميزا” ويختلف عن الحساء المعروف عالميا والذي يعتمد في طهيه على الخضر فقط، مضيفة أن هذه “الوجبة ولدت بوهران ولم تأت من الخارج ولها تاريخ عريق وتوارثت وصفاتها الأجيال التي ساهمت في تطويرها، وهذا ما أعطاها نكهة خاصة أكسبتها شهرة عالمية”.

رمز الكرم والضيافة

وأوضحت الباحثتان لكباد وبخلاية أن “الحريرة الوهرانية” التي تعتبر أكلة غير مكلفة وبسيطة وسهلة التحضير تعد رمزا للكرم وعنوان الضيافة، حيث أن كل الأسر الوهرانية تقدمها للضيوف مع أطباق أخرى شهية على غرار طبق الحلو وتكون مرفوقة في أغلب الأحيان بخبز تقليدي مثل “المطلوع” أو خبز محمص أو “البوراك”.

كما نجدها سيدة الموائد في المناسبات الاجتماعية السعيدة على غرار حفلات الزفاف والختان، فضلا على أنها تتربع على عرش مائدة الإفطار في شهر رمضان المبارك على حد تعبيرهما، حيث أشارت المتحدثتان من جهة أخرى إلى أن مقاديرها محلية وتقدم في جميع الفصول الأربعة ويتناولها المرضى والأصحاء ويقبل عليها محدودو الدخل والميسورون.

وإن كان اسم هذه الأكلة تشترك فيه ولايات غرب البلد، غير أن طريقة التحضير تختلف من منطقة إلى أخرى ومن مطبخ إلى آخر حسب قولهما، غير أنهما تؤكدان في سياق متصل أن “الحريرة الوهرانية” تعد طبقا شعبيا تقليديا يحق أن يتفاخر به كل الجزائريين الذين يحافظون على تراثهم المادي وغير المادي.

ولا يختلف اثنان أن رائحة “الحريرة الوهرانية” المنبعثة من المطابخ فريدة من نوعها ولا يمكن مقاومتها، وذلك راجع إلى مكوناتها التي تعتمد على اللحم والخضر الطازجة والتوابل منها الكروية والقصبر والزنجبيل المطحون وغيرها من البهارات التي تباع بالسوق الشعبي لحي “المدينة الجديدة” الذي يعرف إقبالا من الزبائن من مختلف أرجاء الوطن لاقتنائها لتحضير هذا الحساء.

كما أن سر تميز “الحريرة” يكمن في المزيج الذي يضاف إلى هذا الحساء قبل أن ينضج والذي هو عبارة عن فرينة مخمرة يتم تحضيرها أياما قبل طهيها أو في بعض الأحيان استعمال تشيشة الشعير.

ق. م