الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية

الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية

عني القرآن الكريم عناية بالغة بالحوار، وذلك أمر لا غرابة فيه أبداً، فالحوار هو الطريق الأمثل للإقناع، الذي ينبع من أعماق صاحبه، والاقتناع هو أساس الإيمان الذي لا يمكن أن يفرض وإنما ينبع من داخل الإنسان، وقدم لنا القرآن الكريم نماذج كثيرة من الحوار، منها ما دار بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين الرجل الذي آتاه الله الملك، وقصة موسى عليه السلام، حيث طلب من ربه أن يسمح له برؤيته، وقصة عيسى عليه السلام، إذ سأله ربه عما إذا كان طلب من الناس أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله تعالى، وقصة أصحاب الجنتين، وقصة قارون مع قومه، وقصة داود عليه السلام مع الخصمين، وقصة نوح عليه السلام مع قومه، وقصة ابني آدم، وقصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح. ومن اطلع على هذه النماذج وغيرها يتأكد له أن القرآن الكريم يعتمد اعتماداً كبيراً على أسلوب الحوار في توضيح المواقف، وجلاء الحقائق، وهداية العقل وتحريك الوجدان، والتدرج بالحجة احتراماً لكرامة الإنسان وإعلاء لشأن عقله الذي ينبغي أن يقتنع على بينة ونور.

وكذلك إن المتأمل لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بإنصاف لَيُدركُ أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقًّا وصدقًا؛ لأنه لا يُمكن لإنسان أن يجمع في حياته وسلوكياته خلاصة الفضائل الإنسانية، وقمَة الوسائل البشرية في التعامل مع الناس إلاَّ أن يكون نبيًّا معصومًا يُوحَى إليه، وكل متخصص وخبير في مجاله يستطيع أن ينهل من معين حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالداعية المصلح سيجد بُغيته، والسياسي سيتعلَّم دروسًا بليغة، والقائد العسكري سينال مطلبه، والطبيب النفسي سيتعلَّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف لا ؟ وقد قال الله عز وجل: ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ”، وكذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل مَنِ استخدم الحوار على الإطلاق؛ فهو صلى الله عليه وسلم يعلم وظيفة الحوار، وفوائده، وأساليبه، وآدابه، وفنونه، وقد مارسها صلى الله عليه وسلم على أحسن ما يكون طوال حياته مع المسلم والكافر، مع الرجل والمرأة، مع الشيخ والطفل على حدٍّ سواء.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم الحوار كوسيلة للتواصل والتراحم مع الآخرين، ونجد في سيرته صلى الله عليه وسلم نماذج كثيرة متنوعة للحوار، وترد في أشكال شتى لتقدم لنا الدروس التي يحسن بنا الانتفاع بها، منها: ما روى أبو أمامة أن غلاماً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا نبي الله أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قربوه، ادن، فدنا حتى جلس بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ قال: لا! جعلني الله فداك، قال كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ قال: لا! جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا! جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه، فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا. رواه احمد.