احتضنت دار القرآن بجامع الجزائر ندوة علمية وطنية موسومة بـ”دور البحث العلمي في نهضة المجتمع ودعم التنمية”، بحضور ثلة من العلماء والأساتذة والباحثين والمهتمين بالشأن العلمي والفكري من مختلف المؤسسات والجامعات الوطنية.
وافتتحت الندوة بكلمة ألقاها رئيس المجلس العلمي لجامع الجزائر، الشيخ الدكتور موسى إسماعيل، الذي رحب بالحضور الكريم، وعلى رأسهم السيد عميد جامع الجزائر، مثمنا مشاركته ورعايته السامية لأشغال الندوة كما شكر الحاضرين على تلبيتهم الدعوة للمشاركة في هذا اللقاء العلمي الهادف. وأكد الدكتور موسى إسماعيل في مداخلته، على أهمية هذا الموعد العلمي الذي يتزامن مع إحياء ذكرى يوم العلم، واستحضار أمجاد العلماء الذين واجهوا الجهل والخرافة، وسعوا إلى بناء أمة حضارية قائمة على أسس العلم والمعرفة. وقال “إننا ننتمي إلى حضارة إسلامية عريقة جعلت من العلم عنوانا للرفعة، كما قال الله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وكان أول ما نزل من الوحي (اقرأ باسم ربك الذي خلق) تأكيدا على مركزية القراءة والبحث العلمي في ديننا الحنيف”. وأضاف أن العالم اليوم يشهد تطورا علميا غير مسبوق في شتى الميادين، خاصة مع النقلة الكبرى للذكاء الاصطناعي، وهو ما يستدعي مضاعفة الجهود لتطوير برامج البحث العلمي، ومواكبة التحولات التقنية الكبرى، مع الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للأمة. وأكد الدكتور موسى إسماعيل، أن الدول المتقدمة بلغت مراتب الريادة بفضل تطوير أساليب البحث ودعمه، داعيا الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية الوطنية إلى تبني رؤية شاملة للنهوض بالبحث العلمي في الجزائر، وتحفيز الباحثين على الإبداع والابتكار، مع توجيه خاص للمهتمين بالعلوم الإسلامية للاستفادة من أدوات البحث العلمي المعاصر. وفي السياق ذاته قدم الأستاذ الدكتور بلقاسم عدوان من جامعة باتنة مداخلة قيمة تناول فيها بالدراسة والتحليل “تحديات البحث العلمي في زمن الذكاء الاصطناعي”. واستهل الدكتور عدوان كلمته، بالتأكيد على أن البشرية تمر اليوم بمحطة تاريخية فاصلة تضاهي الثورة الصناعية الأولى، التي نقلت الإنسان من الاعتماد على قوة العضلات إلى قوة الآلة، أما الآن فقد دخل العالم عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تعالج الآلات والخوارزميات ملايين البيانات بسرعة هائلة، وتنتج قرارات ونتائج تفوق في أحيان كثيرة الذكاء البشري. وأكد على أن هذا التحول التكنولوجي يشكل فرصة تاريخية للأمم والشعوب، إلا أن خطرها يكمن في أن من لم يستغل هذه اللحظة قد يقصى عن ركب الحضارة. وأضاف: “العالم كله منفتح على هذه الثورة، وإذا لم نواكبها ضمن خطط واضحة واستراتيجيات مدروسة، سنجد أنفسنا في الهامش”. وأشار المتحدث، إلى أن هناك تحديات علمية وتقنية وأخلاقية تواجه البحث العلمي في هذا العصر، إذ يتطلب الأمر تحديث مناهج البحث، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي، مع وضع ضوابط أخلاقية تحمي المجتمعات من الانحرافات الفكرية والأخلاقية التي قد تصاحب الانفتاح غير المنضبط على تقنيات العصر. وفي ختام مداخلته، دعا الدكتور بلقاسم عدوان، الجامعات ومراكز البحوث الجزائرية، إلى تدارك التأخر الذي سجل في هذا المجال، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي ليس وليد اليوم، بل هو مشروع انطلق منذ خمسينيات القرن الماضي، والفرصة ما تزال متاحة للالتحاق بركب التطور والنهضة العلمية. هذا، وقد شهدت الندوة تفاعلا كبيرا من الحضور، وأثرت النقاشات العلمية والحوارات البناءة أجواء اللقاء، مع التأكيد على ضرورة تنظيم مثل هذه الملتقيات العلمية الدورية لبحث قضايا البحث العلمي والتحديات الراهنة التي تواجه المجتمع الجزائري.
محمد بوسلامة
