عادت الجزائر بقوة على المستوى الديبلوماسي، وكان لعودتها الأثر الواضح على مستوى عديد الملفات الدولية، حيث أبانت عن مستوى يعكس حجمها على المستوى الدولي.
وأظهرت الدبلوماسية الجزائرية فاعليتها وديناميكيتها ،خاصة بعد تعافي المؤسسات المتداخلة في العمل الدبلوماسي والقنصلي وخيوط تواصلها الخارجي من حيث التأثير، كما أن حضور الجزائر في المنظمات الدولية والإقليمية هو في حالة عودة متدرجة إلى سابق عهده من حيث الحضور القوي كمّيا وكيفيا وفي عديد المجالات.
الديبلوماسية تتصدى للمخزن وتدعم فلسطين عن بعد
أثبتت تجربة التكيف مع إكراهات الكوفيد 19 أنه من الممكن للإرادة الإنسانية، التغلب على الإكراهات على أعلى مستوى، وهذا ما فعلته الديبلوماسية الجزائرية، التي دافعت باستماتة عن الشعوب المضطهدة، من خلال اجتماعات دولية افتراضية تم فيها استعمال أحدث التكنولوجيات.
وكانت هذه التقنية فرصة للدبلوماسيين الجزائريين وللنواب للتعبير عن مواقفهم من خلال إعلان مقاطعة إسرائيل والانسحاب من ندوة افتراضية حول انعكاسات كورونا بتاريخ 2 أفريل الماضي، وأيضا دعم فلسطين، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني خلال ندوة افتراضية حول الإرهاب، بتاريخ 10 أفريل الماضي، ومجابهة مكائد نظام _المخزن_، خلال نفس الندوة، فاتخذوا جملة من المواقف الدبلوماسية المشرفة، عبر مؤتمرات دولية حضروها فقط وفقا لتقنية التحاضر عن بعد.
لا تراجع عن الدفاع عن أم القضايا… فلسطين في القلب
تسجل الجزائر دائما حضورها بأحرف من ذهب، كلما تعلق الأمر بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وتجدد الجزائر دوما وفي مختلف المناسبات دعمها اللامشروط في سبيل استرجاع حقوقه غير القابلة للتصرف في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفقا للشرعية الدولية، واللوائح الأممية ذات الصلة.
وتؤكد الجزائر أن جوهر القضية الفلسطينية يكمن على وجه التحديد في احتلال الأراضي الفلسطينية، وكذلك في استمرار القوة القائمة بالاحتلال من الإفلات من العقاب، مشددة على أن أي حل نهائي لابد وأن يضمن معالجة هذين الإشكالين”.
وتؤكد الجزائر، أنه لا يمكن تحقيق السلام في فلسطين دون أن يتخذ المجتمع الدولي، ولاسيما مجلس الأمن، موقفا “حازما وشجاعا”، لإعادة بعث مسار التسوية السياسية، لإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، والسماح للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وجدد صبري بوقدوم وزير الشؤون الخارجية، خلال أشغال الاجتماع الطارئ الافتراضي، لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، “إدانة الجزائر القوية والصريحة للأعمال الهمجية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني”، مؤكدا على موقفها “المبدئي والثابت في دعم القضية الفلسطينية العادلة ووقوفها مع الأشقاء الفلسطينيين في هذه الظروف العصيبة”.
ودعا بوقدوم “المجتمع الدولي وبالخصوص مجلس الأمن للاضطلاع بمسؤولياته التاريخية والقانونية والأخلاقية في حماية الشعب الفلسطيني”، كما دعا إلى “العمل الفوري لوضع حد لآلة القتل والدمار ومواجهة الاعتداءات الوحشية على حياة وممتلكات هذا الشعب الشقيق وضمان احترام قواعد القانون الدولي”.
العودة القوية لإدارة الملف الليبي
تركّز الجهد الدبلوماسي الجزائري على الملفّ الليبي من خلال اتصالات ومشاورات مع مختلف الأطراف الليبية وكذا دول الجوار، بعد غياب عن الساحة الدولية، وعادت الجزائر لتؤكد على مواقفها الدائمة والثابتة والمتضامنة مع الشعب الليبي منذ بداية الأزمة، من خلال ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية عبر حوار ليبي- ليبي يفضي إلى إقامة مؤسسات شرعية وموحدة عبر انتخابات نزيهة وشفافة، بما يضمن وحدة الشعب الليبي وسيادته على كامل أراضيه.
وأبدت الجزائر تحكمها في الملف الليبي بشهادة الداخل والخارج، حيث خاضت سلسلة من اللقاءات والمشاورات من خلال زيارة وزير الخارجية صبري بوقدوم إلى ليبيا وكذا الزيارة التي أجراها رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، للجزائر والذي قال إنها مؤهلة لدعم وقيادة المصالحة في بلاده، مؤكدا على أهمية تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب بين البلدين.
وتدعم الجزائر ليبيا على أعلى مستوى من خلال تصريحات الرئيس تبون الذي أكد استمرار الجزائر في دعم المصالحة الوطنية بليبيا واستعدادها لفتح المجال الجوي واستئناف الرحلات من وإلى ليبيا وفتح المنافد البرية المغلقة من العام 2014.
وعلى الصعيد الاقتصادي، حركت الديبلوماسية الجزائرية آلتها باتجاه خدمة اقتصاد البلدين، حيث تعتزم كل من الجزائر وليبيا رفع حجم التبادلات التجارية بين البلدين لتصل إلى 3 ملايير دولار في السنوات المقبلة، وذلك بعد احتضان الجزائر للمنتدى الجزائري – الليبي وكذا صالون الإنتاج الوطني الموجه للسوق الليبية الذي تم تنظيمه في ماي الفارط.
وتستعد الجزائر لإعادة فتح المعبر الحدودي الدبداب – غدامس بولاية إيليزي، الذي سيعطي لا محالة حركية تجارية تكون حلقة هامة من أجل بعث النشاط الاقتصادي والتجاري بالمنطقة، وسيشكل إشارة قوية للدولة الجزائرية عن نيتها الصادقة ورغبتها في إرساء قواعد شراكة اقتصادية مميزة مع الشقيقة ليبيا”.
نجاح في حشد دعم إفريقي لقضية الصحراء الغربية
نجحت الدبلوماسية الجزائرية في حشد الدعم للقضية الصحراوية في أروقة الاتحاد الإفريقي لوضع حد للتطورات الخطيرة التي شهدتها الصحراء الغربية نهاية السنة الماضية بعد إقدام المغرب على انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار.
ودافعت الجزائر باستماتة عن حق الشعب الصحراوي في تحقيق مصيره وتوقيف العدوان المغربي على الصحراويين، مؤكدة أن النزاع في الصحراء الغربية هو مسألة تصفية استعمار لا يمكن حله إلا من خلال تطبيق القانون الدولي والعقيدة الراسخة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بهذا الخصوص، أي الممارسة الحقيقية من قبل الشعب الصحراوي لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، وفقا لأحكام اللائحة الأممية رقم 1514 المتضمنة منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وهي اللائحة التي تحتفل المجموعة الدولية بذكراها الستين هذه السنة.
وكان دفاع الجزائر عن آخر مستعمرة على أعلى مستوى من خلال التصريحات القوية للرئيس عبد المجيد تبون الذي أكد أن النزاع في الصحراء الغربية لن ينتهي أبدا بالتقادم، وأوضح رئيس الجمهورية، في اجتماع لمجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، على مستوى رؤساء الدول والحكومات أن العمل على إنهاء النزاع في الصحراء الغربية كآخر مستعمرة إفريقية وأكد أن انتهاك المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار التفاف على مسار المفاوضات”.
واستقبلت الجزائر رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية قادما من اسبانيا لاستكمال علاجه، حيث أدى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، زيارة اطمئنان على صحة إبراهيم غالي، الذي كان متواجدا بالمستشفى المركزي للجيش _محمد الصغير نقاش_ بعين النعجة للعلاج، وعكس ما كانت تحلم به الرباط، غادر غالي، الأراضي الإسبانية نحو الجزائر بعد تعاونه الكامل وبشكل طوعي مع المحكمة العليا الإسبانية التي رفضت كل التهم الملفقة ضده من جمعيات مدعومة من نظام المخزن.
دفاع مستميت عن إفريقيا لضمان حصولها على اللقاحات
دافعت الآلة الديبلوماسية بشدة عن القارة الإفريقية التي تشهد ارتفاعا مستمرا لحالات الإصابة بفيروس كورونا، بسبب غياب اللقاحات، حيث دعا وزير الشؤن الخارجية، صبري بوقدوم، مجموعة العشرين، للعب دور أكبر في ضمان الوصول العادل للقاحات لكل دول العالم، وتبادل المعرفة والخبرة ودعم المبادرات الإقليمية، على غرار ما يقوم به فريق عمل الحصول على اللقاحات في إفريقيا.
وأوضح بوقدوم أن “جائحة كورونا كشفت أوجه القصور والضعف في النظام الدولي بما في ذلك الافتقار إلى التضامن الذي يتسبب حاليا في عدم المساواة والتفاوت في الوصول إلى اللقاحات ضد هذا الوباء”.
وأشار الوزير الى أن البلدان الإفريقية تبقى من بين الدول التي “تتعرض بشكل مباشر لهذا التحيز” لا سيما في ظل غياب “تحصين واسع النطاق، الأمر الذي سيبقي اقتصادات الدول الإفريقية تتأثر سلبا بهذه القيود”.
كما حذر الوزير من “احتمال تزايد مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي في إفريقيا بشكل كبير”، مما يخلق، كما قال، “مناخا ينطوي على إمكانية عالية لعدم الاستقرار والصراع”.
30 دبلوماسيا جديدا في مهمة لتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية
وقررت الجزائر تماشيا مع برنامج الرئيس القاضي بضرورة خلق فرص استثمارية وتحسين مناخ الاستثمار، تفعيل الديبلوماسية الاقتصادية، حيث تم تجنيد أكثر من 30 ديبلوماسيا جزائريا من أجل تعبيد الطريق أمام المتعاملين الاقتصاديين لتعزيز صورة الجزائر بالخارج، من خلال التأكيد على تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لتوحيد الجهود رغبة في الولوج إلى الأسواق الخارجية.
وفي هذا الصدد، أكد مسؤولون ديبلوماسيون استقبال عدد كبير من المتعاملين الاقتصاديين الذين يبحثون عن المعلومات الخاصة بالولوج إلى الأسواق الخارجية.
بالمقابل، تم تكوين 30 ديبلوماسيا جزائريا سوف يلتحقون بمناصبهم في القريب العاجل أين سيقومون بوظيفة المكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية على مستوى السفارات والقنصليات الجزائرية بالخارج.
ويشمل مسعى ترقية المنتوج الوطني في الخارج العمل المباشر مع المتعاملين الاقتصاديين والتعرف ميدانيا على القدرات وإمكانات التصدير المتاحة وكذا الحاجة إلى الاستثمار الأجنبي في الجزائر مع تفعيل وإنشاء مجالس أعمال مع مختلف الدول ولاسيما الإفريقية منها لدعم المبادلات الاقتصادية .
من جهته، يعتبر وزير الشؤون الخارجية صبري بوقدوم بأن الخيار الاستراتيجي لنشاط الجهاز الديبلوماسي، يتجسد من خلال مرافقة فعلية وآنية للمتعاملين الاقتصاديين في مساعيهم لولوج الأسواق الخارجية، مضيفا بأن الممثليات الدبلوماسية والقنصلية تؤدي دورا مهما في الترويج للمنتجات والخدمات الجزائرية والعمل على بعث تنافسيتها في الأسواق الخارجية.
وأشار بأن مجموعة التدابير العملية التي بادرت بها وزارة الشؤون الخارجية تهدف للدفع والإسهام في الرفع من القدرات التنافسية لمتعاملينا في دخول الأسواق الخارجية وفي إقامة شراكات اقتصادية رابحة _ رابحة، والتي تتماشى مع التوجهات الجديدة التي أقرها رئيس الجمهورية في إطار تنويع الاقتصاد الوطني وترقية الصادرات خارج المحروقات.
وتؤكد الحكومة على أهمية التكوين في مجال الدبلوماسية الاقتصادية وإشراك التخصصات المالية والاقتصادية، وتفعيل دور الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية.
أيمن. ر










