أمة الإسلام: إن دينكم الإسلامَ الذي ارتضاه الله لكم شرعة ومنهاجا، لهُو دين الحق والعدل: صحيحٌ في عقيدته، عدلٌ في شريعته، قويمٌ في أخلاقه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن جليلِ أحكامه السَّامية أن جعل السلامَ شعارا له في هذه الحياة ودثارا، حقا وصدقا، لا شعارا فضفاضا، أو إعلانا زائفا، وإليكم بعض الإشارات على عظيم قدره، ورفيع منزلته في المنظور الإسلامي: إن الإسلام والسَّلام مشتقان من جَذْرٍ لغوي واحد، حيث قال الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السَّلم كافة” البقرة: 208 ، جاء في التفسير: “السَّلم بفتح السين وكسرها، قراءتان سبعيتان، ولغتان فصيحتان بليغتان، والمعنى: كونوا على ملَّةٍ واحدة، واجتمعوا على الإسلام، واثبُتُوا عليه، فالسلم هنا بمعنى الإسلام، قاله مجاهد وطاوس والضحاك وعكرمة وقتادة والسدي، وهو ترجيح الإمام الطبري، وفُسِّر السَّلم بما هو ظاهر، أي بالمصالحة والموادعة وترك القتال، وعليه فالإسلام والسلم بالمعنى الأول متفقان جذرا لغويا، ومعنى دلاليا، وقد اعتبره القرآن من أعظم مقاصد الشريعة، وجعل التحقق به شرطا لحياة سعيدة مستقرة مزدهرة، وغايتُنَا في الأخرى أن نكون من أصحاب جنة النعيم، التي سمَّاها الوحيُ دار السلام، فقال تعالى: “والله يدعو إلى دار السلام” يونس: 25، ندخلُها بسلام آمنين، وتحِيَّتُنا فيها سلام. أيها المؤمنون الصادقون: إن الدارس لأحكام شريعتنا الغرَّاءِ بتمعُّنٍ وتفحُّصٍ وإنصافٍ، يجدُ إعلانَ الإسلام صريحا واضحًا في تقرير إرساءِ السَّلام بين بني الإنسانِ، بغضِّ النَّظَر عن الدِّين أو اللَّون أو العِرقِ، إذِ الإنسانُ مكرَّمٌ بأصل خِلقته بنصِّ القرآن القاطع “ولقد كرمنا بني آدم” الإسراء: 70، وقد كفلَ له الدينُ كاملَ الحقوق الإنسانية من حرية وعدالة وتعليمٍ ومعتقدٍ، ولا يجوز التَّعَدِّي على نفسه أو ماله أو عرضه بغير وجه حقٍّ، ومن تكريم الله للإنسان أنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيضَ على أسود إلا بالتقوى، مصداقا لقوله تعالى: ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير” الحجرات: 13، وقال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ” يا أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر