لسع الماء البارد بقاع البحر، تتساءل في حيرة ما الذي أتى بها هنا، ألم تكن تغط بنوم عميق، ألم تترصدها تلك الأفعى التي تظهر كل مرة في زاوية الغرفة، ربما هي في مرحلة اللاوعي ولا تدرك ما الذي يحدث، تحاول بقوة السباحة ودفع الماء خلفها لتصعد إلى السطح، نور الشمس يتلألأ، أسوار تظهر فجأة تحجب ضوء الشمس عنها، صوت ضحكات جنيات البحر، تسحَقُنا الحياة في اللحظة التي توقعنا الأفضل، تتساءل في نفسها أين المخرج؟ تستيقظ مذعورة… طعم الملح في فاهها. أبعدت كتاب ألف ليلة وليلة من الرف بجانب سريرها، تسمع أصواتا كثيرة متداخلة من بينها صوت أمها وهي تصرخ استيقظي عليك البحث عن عمل هل سنقتات على كتبك أيام الشتاء..؟ أم سنوقدها لنتدفأ بها يوم الصقيع!؟ تضطرب هي فجأة تشعر بالبرد.. بلل ما بذاكرتها يذكرها بغرق ما ذات شتاء، تلتحف مرة أخرى بطانيتها، الحياة قاسية لا ترحم الضعفاء.. أمها بزوايا البيت تصرخ، الأفعى وحفيفها هذيان آخر، كأنها تمطر بالغرفة ذهبا.. لم يكن مفعول الأفيون، لم تدخن منذ فترة طويلة ما تعانيه هو تلف بالدماغ بالجهة اليسرى، ربما ما قاله الطبيب حقيقة وصور الأشعة لم تكذب، فكل ما حولنا زيف وكذب، لماذا لا تكذب هذه الحقيقة، اضطراب في الرؤية.. داخل غابة مظلمة، كيف يُرى الظلام هي تحسه، تخبر أمها أنها رأت أشباحا تعبث تحت سريرها. تستولي على آخر زجاجة عطر اشترتها، تسخر والدتها منها.. هذا ما يفعله الفراغ، حمق وهذيان وبطالة، أخرجي للعالم كفاك توحد، تقول في رعشة المنية أمي أنا مصابة بسرطان في الدماغ، تلف ما أصاب ذكرياتي. ترد بتهكم أنت واهمة من في مثل سنك لهم أطفال كثر ووظيفة وحياة مكتملة، الغابة السوداء داخلي لا تكف عن العواء، وحفيف الأفعى تترصدني بالزاوية وأنفاس أشباح أتحسسها، صور تظهر وتغيب حزن يخيم على كليهما، تخرج من عوالمه الخفية إلى الحياة تبحث عن ذاتها، تهزم الوهم والمرض. يراودها حلم جديد في أن تمارس الحياة كما تتمنى أن تعيش اللحظة، تقول في نفسها العالم جميل وواسع. مبهج هذا اليوم لولا أشباح الغرفة وصوت أمي، لقلت إني في الجنة. الفصل شتاء.. ثلوج على رؤوس الجبال وسماء رمادية تنبئ أن الشتاء قاسٍ هذا العام كقسوة العالم وأمي والسرطان.
نورة فضيل