الشهيد «بلا قبر» حمو بوتليليس يدرج ضمن قائمة الشهداء الأبرار الذين ضحت بهم البلد لنيل سيادتها، هو مفخرة للجبهة الغربية كونه كان رمزا للتضحية والجهاد وحب الوطن، ورفض القمع والاستغلال مناهضا في سبيل الغالية النبيلة والمجد الخالد ليكون فداء لاستقلال حصد أرواح زهاء المليون ونصف المليون شهيد كلهم سقوا أرض الجزائر الغالية بدماء العزة والكرامة.
ولد الشهيد في الخامس من سبتمبر سنة 1920 بمدينة وهران في الحي العريق “المدينة الجديدة”، فقد كان والده حمو حبيب جزارا في سوق المدينة الجديدة والذي كان يعرف «سوق لامورسيار» قبل أن يتغير اسمه إلى سوق سيدي عقبة.
وقد تابع دراسته في نفس الحي الذي جعل منه فتى ذكيا متعلما تعليما مفرنسا، كما لم تكن اللغة العربية الفصحى غريبة عنه بفضل ما تعلمه في صباه في المدرسة القرآنية، وبفضل الدروس التي كان يلقيها الشيخ الطيب المهاجي أو بمدرسة الإصلاح التي أسستها جمعية العلماء المسلمين.
وقد كان حمو بوتليليس يهوى كرة القدم وهو لم يتجاوز ستة أعوام عند تأسيس الاتحاد الرياضي الإسلامي الوهراني في 1926 بقهوة لطرش بطحطاحة، ومارس أيضا ألعاب القوى والرياضة والتي كانت آنذاك جزءا من حياة الناس اليومية، كما شارك في عدة مسابقات في ألعاب القوى وخاصة سباق الـ 1500 م لكن دون أن يكون من الطراز الأول أو يترك بصمة بها ليكون ديدنه التضحية والنضال في سبيل الغاية النبيلة .
بعد الرياضة جاء دور المدرسة الكشفية في المرحلة الثانية من حياة حمو بوتليليس، ففي سنة 1936 لعبت الكشافة الإسلامية دورا فعالا في حياته في مجال الصداقة ومحبة الوطن، حيث مكنته رفقة الفتيان الجزائريين من تعلم أسس النظام والانضباط وحب الغير، والسمو الأخلاقي والروحي وترسخت قيم التكشيف الأصيل في نبض دمه وعروقه، حيث أصبحت جزءا هاما من كيانه متشبعا بروح الوطنية التي ظهرت جليا بعدها.
ولأول مرة رفع العلم الجزائري في 30 جويلية 1937 في تجمع ترأسه السيد مصالي الحاج بمرأب «روسي» بوهران باسم حزب الشعب الجزائري، فكان حدثا مهما خاصة وأنه في اليوم الموالي التقى حمو بوتليليس ومناضلي هذا الحزب بفندق السلام بمصالي الحاج، أين التحق بالنضال السياسي تحت لوائه.
ثم ظهر أصحاب البيان والحرية MTLD وكان الشهيد بوتليليس أحد قادته، كما كان المنظم الرئيسي للتظاهرات الشعبية يوم الفاتح من ماي سنة 1945، وبعدها كلف بمهمة مستشار داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية، كما يعتبر حمو الرئيس الأول لخلية المنظمة السرية، ضمن محمد خيضر وأحمد بن بلة وبوشعيب أحمد.
اعتقل في السادس عشر من ماي سنة 1949 ثم أطلق سراحه مؤقتا في نوفمبر وأعيد إلى السجن في التاسع والعشرين من أفريل سنة 1950، حيث حكمت عليه المحكمة الجنائية بست سنوات سجنا بتهمة انضمامه إلى المنظمة السرية، وحرمانه من الحقوق المدنية لمدة عشر سنوات.
وحكمت عليه نفس المحكمة في مارس 1952 بسبع سنوات سجنا بتهمة سرقة أموال مقر بريد وهران، وقد زار عددا من المعتقلات بالجزائر.
وكان من المقرر أن تنتهي مدة سجنه في الثاني والعشرين من أكتوبر 1957، لكن أطلق سراحه يوم الواحد والعشرين من أكتوبر 1957، منذ ذلك التاريخ اختفى ولم يعثر عليه، هكذا استشهد الرجل وكان شهيدا بدون قبر وحقق الهدف الذي نذر نفسه لتحقيقه مثل باقي إخوانه في الشهادة وتحرير الجزائر لينعم أبناؤها فيما بعد بالاستقلال.

