الشهيد جبار الطيب من أهم مهندسي النشاط العسكري بالقاعدة الشرقية إبان الثورة التحريرية، بالنظر إلى الإسهامات التي قدمها في تحضير مجاهدي جيش التحرير الوطني وقيادته لعدة فيالق كبدت المستعمر الفرنسي خسائر كبيرة.
ويقول المؤرخون إن هذا البطل، المدعو “بغدادي”، قد تقلد عدة رتب وتولى عدة مهام شارك من خلالها في تشكيل النواة الرئيسية للقاعدة الشرقية، مشيرا إلى أنه قد تدرج من قائد قطاع ثم قائد ناحية وبعدها مساعد قائد فيلق ومسؤول عن التسليح قبل أن يصبح قائد فيلق.
وفي كتابه “القاعدة الشرقية.. الجزء الأول- الشهيد الطيب جبار” الصادر عن دار النشر بهاء الدين، الذي يسرد فيه إسهامات الثوار وقادة جيش التحرير الوطني في تأسيس
وإمداد هذه القاعدة بالعتاد والكفاءات البشرية في القتال، ذكر الأستاذ السابق بجامعة سوق أهراس، جبار جبار، أن شقيقه قد أشرف على تكوين وتأهيل المجاهدين داخل التراب التونسي لوضع الأسس الأولى لتشكيل القاعدة الشرقية في خريف سنة 1956.
وتطرق مؤلف الكتاب إلى بدايات نضال الطيب جبار، حيث قاد أول معركة له ضد العدو في كمين نصبه في أكتوبر سنة 1955 بين قريتي المشروحة وعين سنور وتمكن من غنم أسلحة أوتوماتيكية وقنابل يدوية، الأمر الذي سمح له بأن يصبح قائدا لقطاع أولاد بشيح بشمال سوق أهراس، كما أن الانتصارات التي حققها وخبرته في حرب العصابات قد ساهمت في ترقيته إلى رتبة قائد ناحية.
من جهته، ذكر المجاهد الراحل الرائد الطاهر سعيداني مؤلف كتاب “القاعدة الشرقية.. القلب النابض للثورة”، بأن الطيب جبار كان في اتصالات دائمة مع قيادات المنطقة الشرقية، لاسيما عمر جبار والسبتي بومعراف وسليمان بالعيشاري ومحمد الشريف عصفور وعبد الرحمان بن سالم ومحمد عواشرية الذين أعجبوا كثيرا باستراتيجيته العسكرية وأقحموه في عملية التنظيم العسكري إلى أن أصبح مساعدا لقائد الفيلق الثاني في جوان 1957 وعين كمسؤول على التسليح بغار ديماو (تونس)، ثم أسندت له مهمة الإشراف على تشكيل وتدريب الفيلق الخامس بتونس الذي أصبح قائدا له في أفريل 1958 .
وأضاف الراحل الطاهر سعيداني في كتابه بأن القاعدة الشرقية التي كانت تضم عدة مناطق من شمال شرق الوطن على غرار سوق أهراس والطارف وتبسة، لم تجد صعوبة للانخراط في الكفاح المسلح وتنفيذ الخطط العسكرية بنجاعة وذلك بفضل العمل الاستباقي الذي قام به مناضلو هذه الناحية على غرار الزين عباد وباجي مختار الذي استشهد بمنزل خالة الشهيد الطيب جبار، مما مكن هذا الأخير من الانخراط تلقائيا في صفوف الثورة التحريرية.
كما ذكر بأن القاعدة الشرقية كانت مهيأة قبل اندلاع الثورة التحريرية بفضل مساهمتها في الثورة التحريرية التونسية وانخراط العديد من الجزائريين في العمل السياسي، أبرزهم الطيب جبار الذي التحق بالحركة الوطنية سنة 1946 واشتهر بالاستقامة وغيرته على الوطن، مما جعله يواجه في كثير من المرات أعوان سلطات الاحتلال الفرنسي قبل اندلاع الثورة التحريرية بسنوات قليلة.
أما الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بسوق أهراس، العربي أوذاينية، فأكد بأن الشهيد “بغدادي” قد تقلد عدة رتب في منظومة جيش التحرير الوطني واشتهر بكفاءته على مستوى القاعدة الشرقية لاسيما في تموين الولايات التاريخية الثانية والثالثة والرابعة بالمؤونة والسلاح، قبل أن يتم تكليفه بقيادة الفيلق الخامس المكون من عدة كتائب والذي كانت له مهمة ميدانية تكتسي طابعا خاصا في العمليات الحربية.
وأضاف أن البطل قام في 3 أكتوبر 1958 بعملية “نوعية” بمنطقة “بوخندف” بجبال حمام بني صالح، حيث واجه الحشود الضخمة الفرنسية المدججة بطائرات مقاتلة والقوات الخاصة.
وهو ما أكده المؤرخ جبار جبار في كتابه الذي ذكر فيه بأن تلك العملية سرعان ما تطورت إلى معركة شرسة، قد شاركت فيها كل كتائب القاعدة الشرقية بالتموين بالمؤونة والجنود طيلة أكثر من 3 أيام وانتهت بإلحاق خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد في صفوف جيش العدو، كما انتهت باستشهاد 36 مجاهدا من جيش التحرير الوطني من بينهم قائد الفيلق الخامس الطيب جبار الذي استشهد في محاولة لإسقاط طائرة حربية للمستعمر في 3 أكتوبر من عام 1958 بمنطقة “بوخندف” بجبال حمام بني صالح.
وقد احتلت آنذاك وقائع تلك المعركة العناوين الرئيسية لأبرز الصحف الاستعمارية، التي أبدت قلقها من تطور الوضع العسكري على الحدود الشرقية، وتداعياته على الخطط والمشاريع العسكرية للاستعمار الفرنسي.
للتذكير، فقد أحيت ولاية سوق أهراس في 3 أكتوبر الماضي الذكرى الـ65 لاستشهاد البطل الطيب جبار بحضور السلطات المدنية والعسكرية وجمع من المجاهدين ومواطنين.