-
ربط شامل يعزّز الخدمة العمومية ويقلّص الفوارق بين الولايات
-
استثمارات طاقوية تُرافق الفلاحة والصناعة وترفع القدرات الإنتاجية
-
مشاريع متجددة وهيدروجين أخضر تدفع الجزائر نحو انتقال طاقوي واسع
أكد وزير الطاقة والطاقات المتجددة، الدكتور مراد عجال، أن قطاع الطاقة في الجزائر يشهد ديناميكية واسعة تستمدّ قوتها من برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي جعل من تلبية الاحتياجات الأساسية من الكهرباء والغاز أولوية وطنية، وهو ما تجسّد في نسب تغطية قياسية بلغت 99٪ للكهرباء و72٪ للغاز، إلى جانب مشاريع الربط والاستثمار والطاقات المتجددة، التي ترسم ملامح مرحلة جديدة لتعزيز الأمن الطاقوي ودعم التنمية عبر مختلف ولايات الوطن.
توضح تصريحات وزير الطاقة والطاقات المتجددة، الدكتور مراد عجال، أن برامج الربط بالكهرباء والغاز كانت وما تزال في قلب الأولويات التي حددها برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حيث اعتبر الوزير أن تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان والاقتصاد الوطني تمثل محورا مركزيا لعمل القطاع. ويبرز ذلك من خلال الإنجازات المحققة في السنوات الأخيرة، والتي تعكس إرادة واضحة في ضمان وصول خدمات الطاقة لكل المواطنين دون استثناء، سواء في المدن أو في المناطق البعيدة. وتشير الأرقام التي قدّمها الوزير إلى تحقيق نسبة تغطية وطنية بالكهرباء بلغت 99٪، وهو رقم يعكس مستوى غير مسبوق في تاريخ القطاع، مع تجاوز عدد المشتركين 12.5 مليون زبون عبر مختلف ولايات الوطن. ويؤكد هذا التطور أن الجزائر اقتربت من تعميم الخدمة الكهربائية بشكل كامل، ما يساهم في تحسين ظروف العيش ودعم مختلف الأنشطة الاقتصادية والخدمية، ويُعد في الوقت نفسه مؤشرا على فعالية برامج الاستثمار في البنى التحتية الطاقوية. كما أوضح الوزير أن نسبة التغطية بالغاز الطبيعي بلغت 72٪، بأكثر من 8.2 ملايين زبون، وهو ما يدل على توسع كبير في الشبكات خلال السنوات الماضية. وتُظهر هذه النسبة نجاح الجهود المبذولة لتوفير الغاز كمصدر طاقة رئيسي للمواطنين، خاصة في الولايات التي كانت تعتمد سابقا على أنماط تقليدية للتدفئة والطهي، ما قلّص الأعباء على الأسر ورفع مستوى الرفاه الاجتماعي. وأضاف الدكتور عجال، أن القطاع تمكن، منذ سنة 2002، من ربط أكثر من 2.4 مليون منزل بالغاز و456 ألف منزل بالكهرباء، وهو ما يعكس مسارا طويلا من العمل المتواصل الذي جمع بين الاستثمار في الشبكات وتوسيع وحدات الإنتاج. وأكد الوزير أن هذه الجهود ستُستكمل عبر المشاريع قيد الإنجاز، بهدف رفع نسب التغطية أكثر والوصول إلى خدمة طاقوية شاملة، تعكس رؤية الدولة في ضمان العدالة في توزيع الطاقة وتحقيق تنمية متوازنة بين مختلف المناطق.
دعم الاستثمار والفلاحة والصناعة عبر مشاريع الربط الطاقوي
يمتد أثر برامج التغطية الطاقوية، التي تحدّث عنها الوزير، إلى مجالات أوسع من تلبية الاحتياجات المنزلية، ليشمل دعم الاستثمار وتعزيز النشاطين الفلاحي والصناعي، وهو ما جعل الربط بالكهرباء والغاز جزءا من رؤية اقتصادية شاملة. وفي هذا الإطار، يبرز الدور الحيوي الذي لعبه القطاع في مرافقة المشاريع الاستثمارية الجديدة، بما يضمن خلق بيئة مواتية للإنتاج ويعزّز ديناميكية النمو المحلي عبر مختلف الولايات. وأوضح الوزير مراد عجال، أن القطاع نجح، منذ سنة 2022، في ربط أكثر من 95 ألف مستثمرة فلاحية بالكهرباء، وهي خطوة تُعدّ من أكبر العمليات المسجلة في تاريخ القطاع، بالنظر إلى تأثيرها المباشر على رفع مردودية الفلاحين وتحسين إنتاجية الأراضي الزراعية. وأشار إلى أن الهدف يتمثل في بلوغ 100 ألف مستثمرة مربوطة بالكهرباء مع نهاية سنة 2025، ما يعكس استمرار الجهود لتوفير طاقة مستقرة ومتاحة لكل المشاريع الفلاحية، باعتبارها ركيزة أساسية في الأمن الغذائي الوطني. كما شملت عمليات الربط، حسب الوزير، القطاع الصناعي بمختلف فروعه، حيث تم تزويد 43 منطقة صناعية بالكهرباء و29 منطقة بالغاز، بما يضمن تهيئة الظروف اللازمة لتطوير النشاط الصناعي وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي. وتُظهر هذه الأرقام حجم التوجه نحو تعزيز المناطق الصناعية، وتمكينها من البنية التحتية الضرورية لمواكبة متطلبات الاستثمار الصناعي، بما في ذلك حاجتها إلى طاقة موثوقة ومستقرة. وإلى جانب ذلك، كشف الوزير عن ربط 100 منطقة نشاط بالكهرباء و71 بالغاز، ما يعزز حضور الدولة في مرافقة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويفتح المجال أمام توسع نشاطات الخدمات والحرف والمؤسسات الناشئة. ويؤكد هذا التوسع أن الربط الطاقوي لا يُنظر إليه كخدمة تقنية فحسب، بل كآلية اقتصادية تتيح خلق فرص الاستثمار وتدعم التنمية المحلية، في إطار رؤية واضحة تجعل من الطاقة محركًا أساسيًا للنمو عبر كامل التراب الوطني.
برامج السكنات الاجتماعية ومحطات التحلية والسيارات الكهربائية
وتتوسع جهود القطاع، وفق ما أوضحه الوزير، لتشمل جوانب اجتماعية وتنموية مرتبطة مباشرة بحياة المواطنين، حيث أكد الدكتور عجال أن برامج ربط السكنات الاجتماعية بالطاقة تمضي بوتيرة ثابتة، بما يضمن توفير الكهرباء والغاز للعائلات الهشة وتمكينها من الاندماج في مسار التنمية الوطنية. ويعكس هذا التوجّه بُعدًا اجتماعيًا واضحًا لسياسة الدولة الطاقوية، التي تجعل من تحسين معيشة المواطن أحد أهم أهدافها. وفي سياق تعزيز الخدمات المرافقة للتوسع العمراني، أعلن الوزير عن انتهاء القطاع من إنجاز 1000 نقطة شحن للسيارات الكهربائية، وهي خطوة تحمل دلالة على دخول الجزائر مرحلة جديدة في استعمال الطاقات النظيفة داخل قطاع النقل. ويساهم هذا المشروع في توفير بيئة مناسبة لتطوير سوق السيارات الكهربائية، بما ينسجم مع التوجه الوطني نحو تخفيض الانبعاثات وتشجيع التقنيات الطاقوية الجديدة. ومن بين المشاريع ذات الطابع الاجتماعي الحساس، أشار الوزير إلى إطلاق عملية تركيب مجانية لأجهزة خفض انبعاث غاز أحادي أكسيد الكربون لصالح المواطنين، وذلك عبر فروع مجمع سونلغاز. ويهدف هذا الإجراء الوقائي إلى حماية الأسر من مخاطر هذا الغاز السام، عبر تعميم أجهزة السلامة داخل المنازل، في خطوة تعكس حرص القطاع على تعزيز ثقافة الأمان الطاقوي. كما كشف الدكتور عجال عن استكمال ربط خمس محطات لتحلية مياه البحر بالكهرباء، إلى جانب إطلاق الدراسات الخاصة بربط ثلاث محطات جديدة، وهو ما يعزز التكامل بين قطاعي الطاقة والمياه. ويساهم هذا التوجه في ضمان تزويد المحطات بطاقة مستقرة وموثوقة، بما يسمح برفع قدرات إنتاج المياه الصالحة للشرب وتحسين خدمة الإمداد المائي، خصوصًا في المناطق التي تعتمد بشكل كبير على التحلية كحل استراتيجي لمواجهة الندرة المائية.
الانتقال الطاقوي.. الطاقات المتجددة والهيدروجين والربط المتوسطي
ويمتد أثر هذه المشاريع نحو أفق أوسع يتعلّق بالانتقال الطاقوي، وهو المسار الذي أكّد الوزير مراد عجال، أنه يشكل أحد أعمدة الاستراتيجية الوطنية للطاقة. وفي هذا السياق، أوضح أن الجزائر تعمل على تنفيذ برنامج طموح يستهدف إنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة بحلول سنة 2035، ما يعكس إرادة الدولة في الانتقال التدريجي نحو مزيج طاقوي أكثر نظافة واستدامة. ويُعد هذا الهدف من بين أكبر المشاريع الطاقوية في المنطقة، بالنظر إلى حجمه وأثره المستقبلي على الأمن الطاقوي الوطني. وأشار الوزير إلى أن المرحلة الأولى من هذا البرنامج قد انطلقت بالفعل بقدرة 3200 ميغاواط عبر 14 ولاية، وهي خطوة عملية تؤكد سرعة تنفيذ البرنامج على الميدان. وتمثل هذه المرحلة نواة أولى لمشاريع أوسع من شأنها دعم الشبكة الوطنية للكهرباء، وتزويد قطاعات متعددة بطاقة نظيفة ومستقرة، بما ينسجم مع التوجه العالمي نحو تقليل الانبعاثات وتعزيز الطاقات المتجددة. وفي إطار توسيع نطاق هذا التحول، كشف الوزير عن تحضير مشاريع تهدف إلى تزويد المناطق النائية بالكهرباء باستعمال الطاقة المتجددة، وهي خطوة ذات بعد اجتماعي وتنموي، لأنها توفر حلاً عمليًا لتغطية احتياجات مناطق بعيدة جغرافيًا عن الشبكات التقليدية. كما أشار إلى تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر بعد الانتهاء من إعداد استراتيجية وطنية شاملة، ما يجعل الجزائر ضمن الدول السباقة في المنطقة في تبني هذا المورد الواعد الذي يُعتبر مستقبل الطاقات النظيفة العالمية. ولتعزيز مكانتها على الصعيد الإقليمي، أكد الوزير أن الجزائر تعمل على ترسيخ موقعها كمحور طاقوي مهم في البحر الأبيض المتوسط من خلال مشروع الربط الكهربائي بين شمال وجنوب المتوسط. ويحمل هذا المشروع بعدًا استراتيجياً، إذ يسمح بتبادل الطاقة وفتح آفاق تعاون جديد بين دول المنطقة، إلى جانب دعم جهود سونلغاز في الحفاظ على ريادتها في إنتاج الكهرباء وربط شبكة الجنوب بالشبكة الوطنية، بما يضمن تغطية متوازنة وفعالة عبر كامل التراب الوطني.
ميزانية 2026.. أولويات التمويل والمشاريع النووية وتوظيفات سونلغاز
وفي امتداد للرؤية الاستراتيجية التي قدّمها الوزير، جاءت توضيحاته حول ميزانية القطاع ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 لتكشف عن توجّه مالي يستهدف دعم المشاريع الحيوية ذات الأولوية. وأكد الدكتور مراد عجال، أن الاعتمادات المقترحة ستُوجَّه بالدرجة الأولى إلى تعزيز برامج الربط بالكهرباء والغاز، باعتبارها أساس تحسين الخدمة العمومية ورفع جودة التزويد عبر مختلف الولايات. كما تشمل الميزانية تغطية فواتير ولايات الجنوب، ما يعكس حرص الدولة على ضمان العدالة الطاقوية وتخفيف الأعباء عن السكان في هذه المناطق ذات الخصوصية المناخية والجغرافية. ومن بين المشاريع المقررة ضمن ميزانية السنة المقبلة، أعلن الوزير عن إنجاز محطتين لغاز البترول المميع (GPL) بكل من عين قزام وبرج باجي مختار على عاتق الدولة. ويهدف هذا الإجراء إلى تعميم التغطية بالغاز عبر القنوات في كامل ولايات الوطن، بما يعزز الاعتماد على الشبكات الدائمة بدل الحلول البديلة، ويوسّع من دائرة المستفيدين، خصوصًا في المناطق الصحراوية البعيدة التي تتطلب مشاريع مهيكلة لضمان توفر الطاقة بشكل دائم. كما كشف الدكتور عجال عن مشروع مهم يتعلق بقطاع التكنولوجيا الطبية، يتمثّل في تجهيز مركز الأبحاث النووية لإنتاج النظائر المشعة والمستحضرات الصيدلانية الإشعاعية. ويُعتبر هذا المشروع خطوة نوعية لتقليص الواردات ودعم الإنتاج المحلي، بما ينعكس إيجابًا على التكفل بالمرضى ويتيح توفير مستحضرات طبية ضرورية داخل الوطن، مع تعزيز القدرات العلمية والتقنية في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وفيما يخص الجوانب التشغيلية، أكد الوزير أن مؤسسة سونلغاز ستواصل تنفيذ مشاريع طاقوية كبرى سنة 2026، من شأنها توفير 618 منصب عمل جديد، منها 297 منصبًا في ولايات الجنوب. ويبرز هذا التوجه أهمية المشاريع الميدانية في خلق فرص عمل وتعزيز التنمية المحلية، مع الحفاظ على نسق تطوير البنية التحتية الطاقوية عبر مختلف الجهات. واختتم الوزير مداخلته بتحية موظفي القطاع وعمال سونلغاز وفروعها، مثمنًا جهودهم في إنجاح المشاريع رغم التحديات، ومؤكدًا أن قطاع الطاقة والطاقات المتجددة يشكل ركيزة أساسية للاستقرار والازدهار الاقتصادي للجزائر. تعكس مجمل تصريحات وزير الطاقة والطاقات المتجددة، الدكتور مراد عجال، أن الجزائر تسير في مسار طاقوي متكامل يجمع بين توسيع شبكات الكهرباء والغاز، ودعم الاستثمار الفلاحي والصناعي، وتطوير الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، إلى جانب مشاريع اجتماعية واقتصادية تمتد من السكنات الاجتماعية إلى محطات التحلية والمبادرات الوقائية داخل المنازل. وبفضل ميزانية موجَّهة بدقة نحو الأولويات، ومشاريع كبرى تقودها سونلغاز، تبرز ملامح مرحلة جديدة تُرسّخ الأمن الطاقوي وتمنح القطاع مكانة محورية في بناء اقتصاد وطني مستقر ومتوازن.