ولد العقيد الطاهر عميروشن في السابع من شهر أوت سنة 1930، انفتحت عيناه في شبابه على الواقع المرير لتلك الحقبة الزمنية، فتجرّع لبن البيئة المليئة بالأحداث والوقائع التي أثرت فيه تأثيرا كبيرا وصنعت منه العملاق القائد الفّذ، فقد كان العقيد قبل التحاقه بحركة انتصار الحريات الديمقراطية التي عوضت حزب الشعب بعد حله من طرف الإدارة الاستعمارية الفرنسية، عضوا بالكشّافة الإسلامية الجزائرية مدرسة الوطنية ومنبت الأبطال هو وغيره من المناضلين الكبار، على غرار عبد الحميد بن زين وسعيد صفايح وخليل سعدي.
وبعد دراسته واتباعه دروسا تكميلية، تمّ تعيينه أمين ضبط بمحكمة القصر مسقط رأسه وبلدته التي لطالما استلهم منها روح النضال والكفاح وعاش شمخا شموخ المدينة المترامية في أعالي جبال بجاية بطابعها الريفي وحياتها البسيطة، حيث كان محبوبا لدى رؤسائه، خاصة أحد القضاة الفرنسيين الذين كانوا ضد سياسة الاستعمار مدافعا عن الفكر التحرري والنهج القويم، وكذا زملائه والعاملين معه في سلك القضاء.
كانت فرقة القصر آنذاك من النخبة الخاصة بالمدينة، ولما اندلعت الثورة التحريرية شاركت المجموعة في الخلية الأولى، وبعد تفكيكها صعد طاهر عميروشن إلى الجبل بداية سنة 1956، حيث التقى بالعقيد عميروش آيت حمودة وتوطدت علاقة أخوية حميمية بين البطلين، أين أدرك الرجلان سريعا أنه سيكون عليهما تحمّل مسؤولية تقرير مصير الولاية الثالثة التاريخية، وهوما بوأ السي الطاهر مكانة بين الجنود، إذ يعتبر زعيما حربيا، أثّر على المسؤولين وكل المحاربين الذين عرفوه أو الذين كان لهم شرف التعاون معه.
كانت لعلاقة الشهيد مع العقيد عميروش الفضل في إنشاء مركز قيادة الولاية الثالثة التاريخية، الذي أعطى نفسا جديدا للأركان العسكرية الخاصة بعين المكان وكذا لتنظيم الأرشيف، حيث يقول زميله في النضال المجاهد أتومي والذي عرفه عن قرب “كان الشّهيد عميروشن يتّخذ العديد من المبادرات للثورة التحريرية، إذ تمثّل نشاطه الدائم في التنظيم وإعطاء الأوامر والمراقبة وكذا القيادة، وقد كنت جد محظوظ لأنه كان قائدي الأول في الجبل، حتى أنه عندما كنت لا أزال مراهقا، سهر رفقة العقيد عميروش على مواصلة تعليمي وتكويني، وعليه كان من واجبي تخليد ذكراه والإشادة به إشادة خاصة”.
كانت بنية السي الطاهر الجسدية وقامته الطويلة سببا وجيها لكسبه هيئة مهيبة، حيث كان يتمتّع بروح قيادية وقدرة على فرض السلطة، سمحت طريقته في تنظيم الولاية الثالثة، في إكسابه مكانة مميزة بطريقة جد عفوية إلى غاية سقوطه شهيدا بساحة المعركة في شهر جويلية 1959 .
ويضيف المجاهد أتومي: “كنت محظوظا لكوني صاحبته لمدة أشهر، وكافحت إلى جانبه وتعاونت معه، كنا نرى فيه رجل المستقبل وخطيبا مقنعا وشخصية بارزة في دولة جزائرية مستقلة”، مضيفا أنّه يتذكّر أنّ العقيد عميروش قد وجد فيه المساهم والمعاون الأمثل، وكان متأكّدا من أنه سيصبح أحد العقول المدبّرة التابعة للولاية الثالثة، ولم يخطئ عميروش في اعتقاده هذا، فقد أنشآ معا مركز القيادة الأول للولاية الثالثة بمزوارة ببلدية سيدي عيش، فقد وجد كل منهما في الآخر صفات مماثلة على سبيل المثال الشعور بالروح الوطنية، والحماس الشديد إلى كل ما يتعلق بالكفاح التحريري، ولكن أيضا روح المبادرة وطابع لا يزعزع.
أدار السي الطاهر مركز القيادة بكل إتقان، وبالرغم من الحرب الدائمة وقِدم المعدّات وكل الصّعوبات التي واجهت المجاهدين، استطاع أن يجعل منه هيئة ناجحة، العمل يسير بشكل ممتاز يبذل قصارى جهده محاولا ملء الثغرات عن طريق الحرص الدائم على تأدية الواجب على أكمل وجه، والإيمان بالثورة التحريرية والاتسام بروح التضحية إلى جانب كل هذا، فقد أشرف على ضمان تنقل دائم للمعلومات في مرحلتها الأولية والنهائية، كالمذكرات والمناشير والتعليمات والتقارير والتحاليل، وذلك إلى غاية استشهاد العقيد عميروش، حيث أصبح على إثر ذلك ظل القائد العقيد الأسبق وساهم بطريقة أو بأخرى في تخفيف هذه الخسارة العظمى، وعند وصول القائد عبد الرحمان، انتقل طاهر إلى الأوراس واستشهد في الفترة التي تلت انتقاله إلى هناك.