العازف على آلة الغايطة الشيخ لحبيب … موسوعة فنية صنعت البهجة في أفراح الجنوب الغربي

العازف على آلة الغايطة الشيخ لحبيب … موسوعة فنية صنعت البهجة في أفراح الجنوب الغربي

 

يعد من الشخصيات الفنية التي سخّرت نفسها لخدمة التراث الشعبي الأصيل بمنطقة الجنوب الغربي الجزائري خاصة منطقتي الساورة والنعامة، احترف مهنة العزف على آلة الغايطة فصنع بها البهجة والفرحة في جل أفراح المنطقة خاصة ببلديتي عين الصفراء والصفيصيفة بولاية النعامة وحتى المناسبات الوطنية والدينية، عرف كيف يحرك أحاسيس ومشاعر فئة كبيرة من المجتمع، داعب العزف على آلة الغايطة التي كانت رفيقته لأكثر من 50 سنة فاكتسح بها عالم الفن بالغرب والجنوب الغربي الجزائري وأصبح هو ملكها رغم كل الظروف التي أحاطت به وانعكست على عالم الفن والتراث الشعبي الأصيل في ظل غزو الموسيقى الصاخبة، فأصبح محل طلب لإحياء أفراح المنطقة بهذه الآلة الموسيقية التقليدية البسيطة، بل أصبح مطلوبا حتى خارج الحدود خاصة بالشرق المغربي … إنه الفنان الكبير وملك الغيطة الشيخ لحبيب.

الشيخ لحبيب أو الشادل لحبيب وهو اسمه الأصلي من مواليد 1926 بالعين الصفراء ولاية النعامة، تعلّم العزف على آلتي القصبة والغايطة على يد عمه وهو في ريعان شبابه تنقل إلى ولاية بشار، أين أسس فرقة فنية محلية، تزوج سنة 1948 ببشار، فأحيا حفل زفافه بنفسه مع فرقته… فأصبح يبدع في العزف على هاتين الآلتين خاصة بعد شرائه لآلة الغايطة سنة 1958 من أحد العازفين من منطقة غرداية.

ومع فجر الاستقلال شارك في الاحتفالات بهذا النصر العظيم سنة 1962 في أول حفل فني له، وهنا أصبح صيته ينتشر وأصبح بآلة الغايطة يعزف عدة طبوع محلية فنية منها: رقصة العلاوي التي تشتهر بها منطقة الجنوب الغربي، رقصة النهاري التي تشتهر بها منطقة اولاد نهار بتلمسان والرقادة  التي تشتهر بها عدة مناطق من الشرق المغربي خاصة منطقة بركان المغربية، ورقصة الحيدوس أو الصف المعروفة به مناطق الجنوب الغربي الجزائري والشرق المغربي، إلى جانب عدة تقاسيم بدون دف أو بندير تلقاها من الفنان المغربي حمو قاسو من منطقة “ييش” المغربية .

للإشارة، أن الفرقة الخاصة بالغايطة تتشكل غالبا  من الرئيس الذي يعزف على آلة الغايطة برفقة مساعدين أو ثلاثة على الأكثر يضربون على آلة الدف أو البندير، وقد عمل معه في البداية الشيخ جيلالي شاطر من بلدية تيوت سنة 1968، وكحيل المجدوب سنة 1971 من عين الصفراء الذي واصل العمل معه إلى غاية اعتزاله الفن، بل واصل بعد رحيله العمل مع ابنه الذي انتهج نهج والده.

والعازفون على آلة البندير يجب أن يجيدوا حساب الرقص أو الرشم مثلما يعرف، وهي حركات يقوم بها الراقص تتمثل في حساب العريشة ( من 01 الى 06 درجات او ضربات )   وحساب السبايسية كذلك يتم التفاهم عليها بين الراقص والعازفين على آلة البندير. كما أقحم الشيخ لحبيب براح خاص وهو من يتولى تقديم الراقصين من الرجال طبعا وتقديم تحياتهم وتهانيهم بهذه المناسبة أو هذا الفرح مثل منشط الحفل او مقدمه، وقد تعامل كثيرا مع الشاعر قبوشة محمد الذي أضاف لهذه الفرقة نكهة خاصة خاصة وأن أشعاره أو تهانيه كان يغلب عليها الطابع الفكاهي، وكان يشتهر نشاط هذه الفرقة خاصة في الفترة الصيفية موعد الأفراح وبالضبط من شهر مارس إلى أكتوبر .كما على الفنان أو العازف أن يكون بلباس تقليدي محلي يعطيه هيبة ووقارا وهو عباءة صفراء (نوع التيصور) والعمامة او الحواق خاصة التي تشتهر بها منطقة سيدي بلعباس ذات لون أصفر ذهبي وسروال عريض… كما يجب على رئيس هذه الفرقة وضع رزنامة خاصة بمواعيد الدعوات الموجهة له حتى لا يتخلف عن أحدها أو يبرمج موعدين في وقت واحد، حيث كان يحرص هو بنفسه على موافقة إحياء هذه الحفلات والانضباط فيها حتى لا يفقد ثقة محبيه وهو ما جعله محبوبا من طرف كل سكان المنطقة بل وحتى من المناطق المجاورة كولايات بشار، سعيدة، البيض، تلمسان والجهة الشرقية للمملكة المغربية.

الشيخ لحبيب كان من خلال انتهاجه لهذا النوع من الفن وهو العزف على آلة الغايطة يهدف إلى عدة أهداف منها الدينية كالتشهير بهذا العرس، الثقافية وهي إحياء التراث المحلي والمحافظة عليه، اجتماعية وهي لمّ شمل الأهل والأحباب خاصة السكان المجاورين في مشاركة ابن حيهم فرحته من خلال السهرة المقامة والتي غالبا ما تمتاز بالتضامن من خلال جمع مبلغ من المال للعريس، اضافة إلى تشجيع الشباب على الزواج.

الشيخ لحبيب انسان طيب ومتواضع يحب الصمت كثيرا ويحب فنه، حيث كان يوصي ابنه شادل محمد  بضرورة الحفاظ على هذا الموروث الثقافي النادر بعد أن علمه أصول هذا الفن، حاثا إياه على إكمال مشوار ابيه خاصة بعد اعتزاله هذا الفن سنة 2008 … وبذلك انتهج الابن شادل محمد طريقة ابيه وحافظ على أهم مساعد له وهو الفنان كحيل مجدوب (العازف على آلة البندير) ، فيما ادى تقدم السن وتدهور صحة الشيخ لحبيب إلى الابتعاد عن الساحة الفنية إلى أن فارق الحياة في 24 12/ / 2017 تاركا وراءه إرثا ثقافيا وموسوعة فنية عمرها 51 سنة ما زالت تؤدى معالمها في حفلات أعراس المنطقة.

سعيدي محمد أمين