فاز المبدع عمار ڨواسمية ابن ولاية تبسة بالمرتبة الثالثة في فئة “الكتابة المسرحية” ضمن الطبعة السابعة عشر (17) من مسابقة جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب “علي معاشي” عن مسرحيته المعنونة بـ “موت المترجم”. كما حاز قبلها على جائزة مشرفة من مصر تمثلت في المرتبة الأولى في مسابقة “ترجمان العرب 2022″، وقد شارك في هذه المسابقة أكثر من 600 متسابق من 28 دولة بترجمات من العربية إلى 10 لغات أجنبية. وكتب عدة مقالات وقصصا قصيرة ومسرحيات وخواطر باللغتين العربية والإنجليزية.
وعن هذا المسار وتتويجه بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب لعام 2023 وأمور ذات صلة، تحدث المبدع عمار ڨواسمية لـ “الموعد اليومي” في هذا الحوار:
تُـوِّجتُم في طبعة هذا العام من مسابقة جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب “علي معاشي” بالمرتبة الثالثة في فِئَة “النَّص المَسرَحي المَكتوب”، كيف تمت مشاركتكم؟

بِاسم اللَّٰه، لطالما فَكرتُ في المشاركة في هذه الجائزة؛ لأنها من جهة تمنح فرصا كثيرة بحكم تعدد فئاتها، ومن جهة أخرى لأنها مقترنة برئيس الجمهورية، مما يُعطيها بُعدًا مَرموقًا وقيمة عالية يُشَرِّفان كل فائز بها وَيُثرِيَان سيرته الذاتية، إضافة إلى قيمتها المادية المُعتَبَرَة. من هذا المُنطلَق، راودتني فكرة المشاركة عِدة مرات، وكنت مترَدِّدًا؛ لأن الكتابة هواية فقط كنت أعمل على صَقلِها، في خِضَم ممارستي لتخصصي الدقيق وهو “التَّرجَمَة”. وربما كان للترجمة تأثير مباشر وفعال في صقل مهاراتي في الكتابة، وتهذيب أسلوبها. وعندما أيقنتُ أنِّي مُستَعِد للمشاركة، انتظرتُ الإعلان الرسمي الذي نَشَرَته وزارة الثقافة والفنون، واتبعت تعليماته بحذافيرها، وجهزت ملف المشاركة كاملا غير منقوص، ثُمَّ أودَعتُهُ بِالطرائق الثلاث المُمكِنَة: في وزارة الثقافة وَالفُنون بالعاصمة، وَفي مديرية الثقافة بولايتي “تبسَّة”، وعَبرَ المنصة الرقمية المؤسَّسَة لهذا الغرض. ثم بدأت فترة الانتظار والترقب بعد انتهاء آجال الإيداع في 31 مارس 2023.
هل كُنتَ تتوقع هذا التتويج؟

الإجابَة المُختَصَرَة: نَعَم! الإجابَة المُفَصَّلَة: في قَرارة نفسي، كُنتُ أرجو أن يَقرَأ نَصِّي مُحَكِّمٌ ذَوَّاق للأدب؛ لأني كَتَبتُه بعنايةٍ وحرصٍ لدرجة أني لَم أُهمِل تَفصيلًا واحدا وَلَو كان ضَئيلًا..! الأمر الآخَر أنَّ نَصِّي مُوَجه لفئة الكِبار من 16 فَما فَوق، وَمِمَّن يَجبُ أن يُلِمُّوا بِالحَد الأدنى بِقضايا اللغة العربية والترجمة. لذلك فتَتويج نَصِّي اليَوم يَعني أنَّ قَارِئَهُ استَخرَج مكنوناته، وفَهم أغراضه، وأحاط بمقاصده. وهذا في حد ذاته تتويج وانتصار للأسلوب الأدبي الحقيقي والمقنع.
ماذا عن عملك المُتَوَّج؟
تَجدُر الإشارة هُنا إلى أن هذه هي المَرَّة الأولى التي أكتُبُ فيها نَصًّا مَسرَحِيًّا جَادًّا. ما سَبق هذه المَرَّة كانت مُحاوَلاتِ هَاوٍ فقط. وحَتَّى عِندَما كَتَبتُ هذا النَّص، لَم أستَطِع التَخَلُّص –وَلا حَتَّى التَمَلُّص– من تَخَصُّصِي؛ لذلك فَقَد كان عُنوان نَصِّي “مَوتُ المُتَرجِم”، وهو العُنوان المُستَوحَى مِن نظرية “مَوت المؤلِّف” التي تحرر النص من مؤلِّفِه وتطرحه أمام تأويلات القارئ. فانطَلَقتُ مِن فِكرة فلسفية ثم بَسَّطتها؛ على سبيل تقريبها للقارئ العادي بأسلوب سهل وماتع في آن واحد.
هذا النص تعليمي تثقيفي بالدرجة الأولى، مما يجعل الفئة المستهدفة له مُتخصصة لا عامة. وأقصد بالتخصص هنا الحد المعرفي الأدنى بقضايا الأدب العربي وفنونه. وأهدفُ مِن خلال كتابة هذا النص إلى نقل العلوم والمعارف والتعريف بها في قالَب مسرحي مُبَسَّط يُتيحُ المعلومة أمام الجميع دون استثناء.
ماذا يعني لك الفوز بمثل هذه الجوائز؟
بالنسبة إلَي، الفوزُ في أي جائزة أدبية هو تحفيز للمُبدِع وَدَفعٌ لَهُ للمُضِيِّ قُدُمًا في مَجال الإبداع. وَإنَّ مَا تَعنيهِ الجوائز الأدبية لي أسمَى مِن قيمتِها المالية أو إثرائِها لِلسِّيرة الذاتية. الفَوز يَعني لِي الاستِعدادَ لانطِلاقَةٍ جَديدَة؛ إذْ أنَّ نِهايَةَ مَطافٍ شَديد هِي بِدايَةُ قِطافٍ جَديد. هَذا الاستِعداد هو مَا يُعطي لِحَياة المُبدِع مَعنًى وَيَرسمُ لِطُموحَاته مَعالِمَه، فَيَمضي مُشرِقًا، وإن أظلَمَت بِفِعل التثبيط ظَلَّ نَجمًا نَيِّرًا يأبَى الأُفول.
ما أَهم محطاتك الإبداعية إلى غَايَة الآن؟
أنا أستاذ اللُّغَة الإنجليزية وَمُـتَـرجِـم. تَعامَلتُ مع العديد من الهيئات والجهات التي تحتاج خدمات الترجمة والتدقيق اللغوي، كما تعاملتُ مع الأفراد الذين يرغبون في ترجمة الكتب والمقالات ومُلَخَّصات الدراسات والأبحاث.
وَلا يقتصر تعاملي في مجال الترجمة على هذه الهيئات والجهات والأفراد، بل يتجاوزه إلى دُور النشر التي ترغب في ترجمة الكُتب التي تُـرَشِّـحُـهَـا لِجان القراءة لديها، وكذا المنصات الإلكترونية التي تتوسط بين العميل والمترجِم، فتوفر فرص عمل كثيرة ومحترمة في أغلب الأحيان.
أَنشُط أيضا في مواقع التواصل الاجتماعية خاصة فايسبوك ويوتيوب، حيث أُنتِج محتوًى تعليميًّا بشأن الترجمة واللغات في شكل منشورات مكتوبة أو فيديوهات مصممة بطريقة ماتعة وبسيطة.
أنتَجتُ بَرنامَج [حِكَايَاتُ التَّرجَمَة: أسئلة وأجوبة] الذي استَضَفتُ فيه قامات الترجمة في العالَم العربي على مدار شهر رمضان 2022.
في مُسابَقَة “تُـرجُـمَـان الـعَـرَب 2022” التي تنظمها المدرسة العربية للترجمة بجمهورية مصر العربية الشقيقة، شَارَك 614 مُتَسَابِقًا مِن 28 دَولَة بِتَرجَمَاتٍ مِنَ العَرَبِيَّة إلى 10 لُغات أجنَبِيَّة، في سِتَّة تَخَصُّصَات (التَّرجَمَة العامَّة والأدَبِيَّة والعِلمِيَّة والصِّحافِيَّة والقَانونِيَّة والدِّينِيَّة) فَازَ فِيها 40 مُتَسَابِقًا، نِلتُ بَينَهُم المَركَز الأوَّل في التوليفة اللغوية (عربية – إنجليزية).
من الإنتاج الفكري لِي كُتُب في مجال الترجمة، سَتَرَى النورَ قَريبًا، هي: “التَّرجَماء” وَ”نُصوص مُسافِرَة” وَ”رُباعِيَّات المُتَرجِم” وَ”تَحتَ مِجهَر المُتَرجِم”.
كما تَرجَمتُ كُتبًا مِنَ العَرَبِيَّة إلى الإنجليزية والعَكس، مِنها: Dialogue Heroes لمركز كايسيد للحوار والتفاهم بين الأديان، والديوان الشعري Soul’s Ecstasy للكاتبة والأستاذة نجاة بالطيب، وَكِتاب “وَهران المَقام” لِفائدة ألعاب البحر المتوسط 2022، وَمِئات النصوص القصيرة والمقالات والملخصات، وغيرها.. وإلى جانب الترجمة، أنا أكتبُ المَقال والقصة القصيرة والمسرحية والخاطرة، باللغتين العربية والإنجليزية. شَارَكتُ في العديد من الملتقيات الوطنية والدولية بصفة مُحاضِر أو حَاضِر أو عضو مُنَظِّم بِمداخَلات تصب في مواضيع التَّرجَمَة وَاللُّغَة العَرَبِيَّة والإنجليزية.
وأعمل في هذه الفترة على كتابة نَص مَسرَحي جَديد، وإنتاج دراسة أكاديمية تَخدم ازدِهار اللغة العربية وتَعميمها في الإدارة الجزائرية، وكذا ترجمة كتب قَيِّمَة من الإنجليزية إلى العَرَبِيَّة من شأنها إثراء مكتبتنا الوطنية وخدمة ذاكرة تاريخنا والمحافظة على إرثنا وموروثنا.
ما تقييمك لواقع الفنان في الجزائر في ظل الجزائر الجديدة، خاصة وأن هناك اهتمامًا كبيرًا من السلطات العليا بالشأن الفني والثقافي؟

حركة الكتابة والتمثيل والرسم والتصوير والإخراج، وكل ضروب الفن الأخرى، منتعشة اليوم، لا كَمًّا فحَسب، بَل جَودَةً أيضًا. من وجهة نظري المتواضعة، أظن أن المشهد الثقافي في بلدنا يشهد حركية بعد ركود وجمود داما عقودٍ..!! ويعود الفضل في هذا إلى وزيرة الثقافة والفنون، السيدة “صورية مُولُوجي” وهي بالمناسبة دكتورة في الترجمة، وهذا من شأنه أن يخدم ميدان الترجمة أيضا، وليس الفنون فقط. والدليل أنها أعلَنَت في تصريح سابق عن بداية التحضير لتأسيس “المجلس الوطني للترجمة” وهو سابقة في ميدان الترجمة إن قُدِّرَ له أن يَرَى النور.
رئيس الجمهورية –من جانبه– حضر مراسم تكريم المتوجين بجائزة “علي معاشي” 2023، وهو حَدَث غَير مسبوق لَم يَحدث في الطبعات السابقة للمسابقة. كما أشرف على تكريم الفنانين، والحوار معهم في قضاياهم وانشغالاتهم. التأسيس لثانوية الفنون هو خطوة نثمنها أيضا، وستخدم شباب اليوم المتعطش للتعبير عن نفسه واهتماماته وميولاته، وهو الأمر المَحمود وغايَة المُنَى. ومع ذلك، فالنقائص ما زالت موجودة. ولعل أهمها هو إعادة النظر في وضعية الفنان وتوفير كل ما يسهل مهامه. فعلى سبيل المثال لا الحصر، الوزيرة تسعى لترسيم “قانون الفنان” وإطلاق مشروع “مركز طبي اجتماعي للفنان”، وهذا من شأنه مساعدة الفنان الذي يجد نفسه وحيدا في مرضه أو ابتلائه. ونسأل الله أن يوفق خطاها ويسدد مسعاها.
حاورته: حاء/ ع