تخطى المراحل الصعبة وواكب تطوراتها

القطاع الصحي إبان الثورة.. جهاد وعلاج حتى الرمق الأخير

القطاع الصحي إبان الثورة.. جهاد وعلاج حتى الرمق الأخير

مع اندلاع الثورة التحريرية المباركة، كان قطاع الصحة منعدما تماما، واعتبرت الفترة الأولى الممتدة بين (1954/1956م) المرحلة الأصعب في تاريخ القطاع الصحي الذي عانى في بداية الثورة التحريرية من نقص فادح على مستوى الإطارات والدواء على حد سواء.

ظل قطاع الصحة بصورة عامة منعدما تماما، وحتى الإطارات الطبية في المرحلة الأولى كان تكوينها في معظمه بدائيا، وظل الوضع على ما هو عليه إلى غاية التحاق الطلبة الجامعيين والثانويين بصفوف ثورة نوفمبر بعد إضراب 19 ماي 1956، بمن فيهم طلبة الطب والصيدلة والتمريض، فكان ذلك دافعا قويًّا للنُّهوض بهذا الجانب المهم، وتشكَّلت بذلك النواة الأولى للقطاع الصحِّي التابع لجيش وجبهة التحرير الوطني.

 

المرحلة الثانية من الثورة والبداية الفعلية للقطاع

شهد القطاع الصحي تطوُّرا ملحوظا في المرحلة الثانية الممتدة بين (1956 -1962)، إذ نشطت عمليات التكوين في مجال التمريض في مختلف الولايات التاريخية، بعد أن كانت بطيئة ومقتصرة على بعض المناطق دون أخرى، كما التحق بعض الجزائريين الشباب بمدارس التمريض الفرنسية وحصلوا على تكوين في المجال الصحي ليلتحقوا بعدها بصفوف جيش التحرير بعد إتمام دراستهم وتدريبهم.

 

تكوين ممرضين لتلبية متطلبات الحرب

عمدت قيادة الثورة التحريرية إلى تأسيس مدارس لتكوين الممرِّضين ببرامج دقيقة محدَّدة بفترة زمنية تلبية لمتطلَّبات الحرب، وكان يتمُّ التكوين باللغتين العربية والفرنسية، وذلك على مستوى مراكز تدريب جيش التحرير الوطني أو قرب مستشفياته، واقتُبس تنظيم الوحدات الصحيَّة أيام الثورة من التوزيع الإقليمي لجبهة وجيش التحرير بولاياته الست التاريخية.

.. ومستشفيات متنقلة لتفادي اقتحام جنود الاحتلال

في البداية أقيمت مراكز يُعالج فيها المرضى من المجاهدين في الحالات العادية، والجرحى المصابين بعد المعارك بين جيش التحرير وقوات الاحتلال الفرنسي، بحيث استُحدثت مستشفيات نموذجية قارَّة -والتي ظهرت بوادرها في الولاية التاريخية الثانية- وسُرعان ما تحوَّلت لمستشفيات متنقِّلة خوفا من اقتحام القوات الفرنسية لهذه المراكز والاستيلاء على الأدوية والعتاد، وغالبا ما كان المقرُّ عبارة عن كوخ أو مغارة، وليس بالمفهوم المتداول حاليا للمستشفى.

بينما يضطرُّ القائمون على هذه المراكز الصحيَّة إلى إرسال الحالات الحرجة إلى المراكز الخلفية بالحدود الجزائرية المغربية أو الحدود الجزائرية التونسية.

 

الطبيب يد للعلاج وأخرى للقتال

وكان الطبيب والممرِّض الجزائري يحمل السِّلاح ويتدرَّب على القتال، مثله مثل أي جندي تابع لجيش وجبهة التحرير الوطني، وكان يُعرف بين الجند بقطعة قماش بيضاء يلفُّها حول عضده مزيَّنة بهلال أحمر.

 

مصاعب بالجملة لم تقف في وجه الطبيب الجزائري

رغم كل المصاعب والمتاعب وقلَّة العتاد الطبي، ومباغتة قوات الاحتلال لمراكز العلاج، فقد أثبت الطبيب والممرِّض الجزائري أثناء الثورة التحريرية، أن التصميم على تحقيق النصر كفيل بأن يشحذ الهمم ويعليها، فالغاية كانت الشَّهادة أو نصر من الله وحريَّة.

وبعد الاستقلال كرَّس الأطباء والممرِّضون جهودهم لإعمار الجزائر بالعمل في المستشفيات والعيادات الطبيَّة، ليستمر أداء الواجب تجاه الوطن.

 

المرأة الممرضة دور جبار في النهوض بقطاع الصحَّة أيام الثورة التحريرية

تميزت المرأة الجزائرية بحضور مميِّز ومشرِّف بين صفوف جيش التحرير الوطني، لا سيما وأدوارها المُركَّبة تلك التي عُرفت بها أيام ثورتنا المجيدة، بحيث قامت بدورها في إسعاف الجرحى من المجاهدين والمدنيين، وقدَّمت الإرشادات والنصائح للنساء وحثَّتهن على النظافة وأرشدتهن إلى طرق الوقاية من الأمراض المختلفة.

ولما أدركت قيادة الثورة التحريرية أهمية خدمات التمريض التي يمكن أن تقدِّمها المرأة الممرِّضة، بادرت بالاتِّصال بالممرِّضات اللواتي زاولن التكوين في المدارس الفرنسية أو في القواعد الخلفية في كل من تونس والمغرب، بغية الالتحاق بصفوف المجاهدين، وهذا قبل فتح مدارس التكوين الخاصة بالجبهة.

وقد التحقت الكثير من فتيات الجزائر المتعلِّمات بسلك التمريض التابع لجيش التحرير عقب إضراب الطلبة في 19 ماي 1956، بعد حصولهن على التكوين اللازم في هذا المجال.

 

أسماء ارتبطت بالقطاع الصحِّي أيام الثورة التحريرية

هذه تعريفات مختصرة لأسماء ارتبطت بالثورة التحريرية وعايشت مختلف أطوار قطاع الصحة قبل وبعد الاستقلال.

الشهيد الدكتور بن زرجب بن عودة (1921 – 1956):

عاش الدكتور بن زرجب في أوساط شعبية بسيطة، وانخرط مبكِّرا في الحركات السياسية النِّضالية بالجزائر، حصل على شهادة الطب سنة 1948 بعد مناقشته لموضوع سرطان الدم، ليعود بعدها لتلمسان حيث تفرَّغ لعلاج المرضى بمقر سكناه وتقديم الإسعافات للمجاهدين في الجبال وتدريب الممرِّضين، إلى أن قبضت عليه السلطات الاستعمارية الفرنسية بعدما اكتشفت اقتنائه لآلة رونيو لسحب الوثائق والمناشير التي تدعو للثورة التحريرية، فأُدخل السِّجن ثم أعدم يوم 16 جانفي 1956م بدوار أولاد حليمة بالقرب من سَبدو.

المجاهد الدكتور التيجاني هدَّام (1921 – 2000):

ولد التيجاني هدّام بتلمسان في سنة 1921م، طبيب جرَّاح، زاوج بين التكوين الطبي العلمي والتكوين الديني، لبَّى نداء الجزائر الجريحة وانضمَّ لصفوف جبهة التحرير مجاهدا وطبيبا، وكان له الفضل الكبير في تأسيس القاعدة الصحيَّة أيّام الثورة التحريرية.

ق. م