تعد طريقة الطهي المسماة “المردومة” من ضمن التراث التقليدي الجزائري الأصيل الذي يعرف انتشارا واسعا في عدة مناطق من الوطن، حيث أصبحت تستهوي الكثير من الزبائن.
وتشتق كلمة المردومة من الردم ويقصد بها ردم الطعام تحت الأرض لطهي اللحوم الحمراء والبيضاء، وذلك في درجة حرارة عالية جدا في أفران خاصة تحت الأرض لتنضج خلال ساعتين أو ثلاث، ويصبح مذاقها لذيذا يستهوي عشاق هذا النوع من الأكلات.
ذوق يسحر الزبائن
فالطقوس المتعارف عليها في هذه الأكلة التقليدية تعتمد أساسا على إضافة بعض التوابل والثوم لمختلف قطع لحم الخروف أو البقر والدجاج وكذا الأرنب ورؤوس الغنم المعروفة بـ “البوزلوف” وبعض أنواع السمك، توضع كلها في فرن إسمنتي عميق تحت الأرض لطهيها بطريقة تقليدية تسحر الزبائن بلذة الطعم المدخن.
المردومة تتطلب تفانيا كبيرا
فالفرن الخاص بأكلة “المردومة” هو عبارة عن حفرة عميقة إلى حد ما، يوضع بداخلها اللحم في رفوف حديدية ثم يتم وضعها داخل الحفرة ليتم إشعال الحطب والفحم بها وباستعمال جرار آلي معلق به سلسلة حديدية.
ويتم إنزال هذه الرفوف وتغلق عليها بإحكام لكي تطهى الأكلة في مدة زمنية لا تتعدى الثلاث ساعات.
وحسب ما ذكره صاحب محل متخصص في هذا النوع من الأكلات، فإن تحضير هذا النوع من الأكلات التقليدية يتطلب تفانيا كبيرا في العمل، حيث تختار قطع اللحم التي تطهى على الفحم والحطب بعناية.
وأضاف أن عشرات المواطنين يقصدون محله لتناول هذا الطبق الشهي في أجواء عائلية مميزة.
من جهتهم، أكد زبائن توافدوا على المحل من أجل تذوق مختلف أنواع اللحم التي تطهى بهذه الطريقة التقليدية، والتي تعبر عن الأصالة الجزائرية بأنهم يتلذذون هذا النوع من الأطباق.
كما أبدى البعض الآخر فضولهم لحظة إخراج الرفوف المملوءة بمختلف أنواع اللحوم من الفرن من خلال التقاط صور لها، وسط أجواء عائلية لا تنسيهم ذوق المردومة الذي لا يقاوم.
انطلقت من الصحراء ثم اجتاحت الوطن
كانت تشتهر بطبق المردومة أكثر المناطق الصحراوية، كأدرار وتيميمون، قبل أن تفرض نفسها تدريجيا عبر عديد الولايات الشرقية، وولايات الوسط، حتى أضحت بمثابة “موضة” تستقطب عشاق الأكل المميز، في كل مكان.
علما بأن الأكلة تشمل طهي كل أنواع اللحوم، في درجة حرارة عالية جدا، لتكتسب مذاقا لذيذا، وتحافظ بعض المطاعم على الطريقة التقليدية في تحضير هذه الأكلة، حيث تستغل حفرا تحدثها خصيصا لذلك بفضاءاتها الداخلية، في حين يستغل أصحاب مطاعم أخرى الأرصفة المحاذية لمداخلها، لإحداث حفر عميقة، يحضرون داخلها أكلة المردومة، وذلك دون الحصول على رخصة من الجهات الوصية، حيث أن الحفر تشكل خطرا على الراجلين الذين يضطرون إلى اقتسام الطريق مع السيارات، بعد استيلاء أصحاب المطاعم على الأرصفة.
تحضر بمناطق أغلبها بعيدة عن التجمعات السكانية
لم يبق تحضير هذه الأكلة التقليدية مقتصرا على المطاعم التقليدية بالمناطق الصحراوية، أو المطاعم الموجودة عبر الطرقات الرئيسية بين الولايات، فحتى المطاعم بالمدن الكبرى أصبحت تحضر هذا الطبق، لكن بعض هذه المطاعم تحضرها، وفق ظروف وشروط مختلفة تماما عن الطريقة التقليدية، التي كانت تحضر بها.
إن الأكلة التي تعد بالمناطق الصحراوية أو الريفية، تحضر تحت الأرض، حيث يتم وضع أطباق اللحوم والدجاج، تحت الأرض، وتغطى بالرمال أو التراب، حسب طبيعة المنطقة، ويطهى الطعام بطريقة طبيعية عن طريق الحرارة المنبعثة من الفرن التقليدي.
في حين تحضر بالمطاعم الحضرية، بطريقة مختلفة عن التقليدية، حيث يتم إحداث حفرة داخل المطعم أو بفنائه بالنسبة للمطاعم الكبيرة، أو تجهيز حفرة على مستوى المطاعم الصغيرة، ويتم وضع الأطباق داخل الحفرة وغلقها باستعمال غطاء حديدي،
وتتم تهيئة هذه الحفر بالإسمنت، فهي ليست ترابية، كما لا يغطى الطعام بالرمل أو التراب، مثل الأكلة التي تحضر في المناطق الصحراوية أو الريفية ببعض ولايات الشرق والوسط.
يمكن القول إن الاختلاف بين المردومة التي تحضر بالمناطق الصحراوية والريفية وتلك التي تحضر في المطاعم الحضرية، هي أن الأولى تحضر باستعمال الحطب والفحم فقط، ويتم تغطية الحفرة بالتراب، في حين في المطاعم الحضرية تحاط بالإسمنت، كما أنها مغطاة بغطاء حديدي، وكثيرا ما يضيف أصحاب المطاعم موادا سريعة الاشتعال، لتشتعل النار في الفحم أو الحطب بسرعة وبقوة.
ق. م