الأيام داخلها بطول السنين

المعتقلات الفرنسية.. وحشية تعدت الخيال وجرائم لا تسقط بالتقادم

المعتقلات الفرنسية.. وحشية تعدت الخيال وجرائم لا تسقط بالتقادم
  • خرق صارخ لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية

 

قررت إدارة الاستعمار الفرنسي مضاعفة عدد مراكز الاعتقال في محاولة منها “السيطرة” على العدد المتزايد للرافضين لوجودها والمنتسبين أو المتعاطفين مع جيش التحرير الوطني، واعتمدت السلطات الفرنسية عملية تقنين لسياستها الاستعمارية وأصدرت عدة قوانين تتعلق بحالة الطوارئ، والمسؤولية الجماعية الذي بواسطته حمّلت المسؤولية لقرى ومداشر وقصفتهم بالمدفعية والطائرات، وقانون حق المتابعة وإنشاء المناطق المحرمة، حيث تضمنت المادة السابعة من قانون حالة الطوارئ قانون إقامة المحتشدات وأعطت صلاحيات واسعة للوالي ووزارة الداخلية، مقنّنة بذلك “إجرامها” و”تعسفها”.

شكلت المعتقلات الفرنسية في الجزائر فضاءا استثنائيا للنضال السياسي المدعم للثورة التحريرية، نظرا لما كان يضمّه المعتقل من شرائح مختلفة من المجتمع الجزائري من سياسيين، نقابيين، علماء مثقفين ومواطنين عاديين اندمجوا في الثورة.

فأدى احتكاك هذه الشرائح مع بعضها، إلى زيادة نضجها السياسي ووعيها بقضيتها الوطنية، كما أزال الشكوك من بعض النفوس التي أضحت تؤمن بعدالة نضالها ورسالتها نحو الانعتاق والتحرر، مما أعطى الثورة نفسا جديدا ودفعا قويا لمواصلة الكفاح.

 

يوميات المعتقلين.. كل يوم يساوي جريمة ضد الإنسانية

قمع الاستعمار الفرنسي لانتفاضة العامري "جريمة ضد الإنسانية" - المغرب الاوسط

عاش الجزائريون في المعتقلات أياما كانت بطول السنين والسنوات كأنها الدهر لا ينتهي.. فمع بداية كل يوم أو حتى نهايته بل ومع بدايتهما أيضا يتكرر سيناريو التعذيب ويتجدد في أشكاله وألوانه في خرق صارخ لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التي كانت فرنسا تسارع للإمضاء عليها في محاولة منها لتغطية جرائمها وما ترتكبه في حق شعب أبي رافض للذل.

ويذكر المجاهدون الذين عاشوا في تلك المعتقلات مختلف أشكال التعذيب البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الفرنسي خلال الثورة التحريرية في شهادات ممزوجة بين الألم والمرارة والنخوة والعزة لمجاهدين أبوا إلا أن يبقوا على العهد لا تثنيهم ممارسات المستعمر الغاشم الدنيئة ولا فترات الاعتقال الطويلة، وفي هذا الصدد يقول المجاهد أحمد زعير وهو سجين سابق بمركز التعذيب “كوندي-السمندو”، “لا يمكن للكلمات وحدها أن تصف فظاعة عمليات التعذيب التي كانت ترتكب ضد الجزائريين الذين يشتبه في وجود صلة لهم بجيش التحرير الوطني”، ويذكر المجاهد كيف تم تجريده من ثيابه وإلقائه على الأرض ليخضع لتعذيب بشع.

ويضيف هذا المجاهد “يقوم الاستعمار بحشد ما معدله 70 جزائريا في آن واحد في قبو مظلم وغير معرض للتهوية ولا تتجاوز مساحته 5 أمتار مربعة في هذه البناية المعزولة، في انتظار الخضوع لعمليات تعذيب رهيبة”، وكان هذا المركز في البداية ثكنة للدرك الفرنسي وبعد اندلاع الثورة التحريرية حوّله الاستعمار في 1956 إلى مركز جهوي لتعذيب الجزائريين من مجاهدين ومسبلين ومتضامنين مع الثورة.

ويقول ذات المجاهد “إن الجزائريين الذين يتم اعتقالهم كان يتم رميهم دون أدنى مراعاة في هذا المكان الضيق، حيث كان لا يمكننا حتى الاستلقاء في انتظار إخضاعنا لجلسات الاستجواب والاستنطاق، ثم يتم إطلاق سراحنا أو سجننا في الحبس أو حجزنا في محتشد الجرف الذي كان موجودا قرب المسيلة أو إلى عين وسارة كما حدث لي”.

 

اقتلاع الأظافر.. استعمال التيار الكهربائي.. أبرز ممارسات الاستعمار

حبل المشنقة بـ1500 أورو، أداة قطع الرؤوس بـ300، وكسر الأصابع بـ4000 أورو! –  الشروق أونلاين

وتروي الشهادات أنه من بين أبرز عمليات التعذيب بمركز “السمندو”، “اقتلاع أظافر” المستنطقين و”الحرمان من النوم” و”وضع الفلفل في المناطق الحساسة” و”إدخال رأس الشخص في برميل مملوءة بالماء” واستعمال التيار الكهربائي، خاصة وأن تصويت “السلطات الخاصة” في مارس 1956 لصالح العسكريين للمطالبة بشرعية اللجوء إلى التعذيب وبروز مؤسسات قضائية خاصة اتخذ كذريعة لفتح معتقلات جديدة عبر أرض الوطن على غرار معتقلات “بوسيي” و”تفيشوا” و”سان لو” و”بول كزال” و”بني مسوس” و”سيدي شاهمي”، إلى جانب فتح مراكز اعتقال خاصة بثوار جيش التحرير الوطني الذين كانت الإدارة العسكرية تعتبرهم “سجناء ألقي عليهم القبض حاملين للسلاح” وممارسة مختلف ألوان التعذيب عليهم في إطار تعتبره فرنسا قانونيا .

 

مركز “موران” بقصر البخاري… الجحيم فوق الأرض

حكاية جزائرية.. العربي بن مهيدي "قاهر جنرالات فرنسا"

أصبح مركز “موران” ابتداء من عام 1956 عبارة عن “جحيم فوق الأرض” بالنسبة للمقيمين به، والبالغ عددهم آنذاك 900 سجين والذين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والاضطهاد بكل وحشية.

وكانت الأيام التي قضاها المعتقلون بذلك المركز تقتصر على إنجاز أشغال شاقة خارج المعتقل تتخللها حصص يومية من التعذيب، كما ذكر أحد الناجين من هذا “الجحيم” المجاهد بلقاسم متيجي أحد طلبة التعليم الثانوي الذين التحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني استجابة للنداء الصادر في 19 مارس 1956 والذي ألقي عليه القبض بعد شهور خلال عملية عسكرية تمت بأدغال الولاية الرابعة التاريخية.

وذكر المتحدث أن الأشغال الشاقة كانت تتم تحت التعذيب وألوان الإهانة، حيث يتم النداء في المساء تحت وقع الضرب بواسطة عقب البندقية، مضيفا أن بعض العسكريين الملحقين بهذا المركز كانوا يجدون “متعة” كبيرة في ضرب السجناء المرهقين جسديا بعد عمل شاق طيلة النهار.

ولا يزال يتذكر المجاهد متيجي أحد ضباط الصف مروض الكلاب “الذي كان يعتبر السجناء بمثابة حيوانات تجرى عليها التجارب، حيث تعرض العديد من زملائي للعض من طرف تلك الكلاب”.

كما يتذكر تصرفات ذلك الجندي الإضافي في صفوف الجيش الاستعماري العريف بوبغلة المكلف بمراقبة الأشغال في الورشات خارج المعتقل الذي كان يقوم حسب تصريحات المجاهد بلقاسم متيجي بجلد “وبدون أدنى سبب” السجناء الذين تم توجيههم لإنجاز الأشغال الشاقة بالمحاجر.

 

نظام “جوكي سبيسيال”.. وجه بشع لوحشية المستعمر

محللون عن فتح فرنسا ملف تعذيب ثوار الجزائر: مناورة وخطوة متأخرة

وتفيد شهادات أخرى لناجين بأعجوبة من مركز “موران” تتعلق بالمعاملات اللاإنسانية التي كان يتعرض لها السجناء على يد “المرتزقة” الملحقين بهذا المركز ابتداء من عام 1957، حيث قام هؤلاء بإدخال أسلوب تعذيب جديد أطلق عليه نظام “جوكي سبيسيال” يتمثل حسب المجاهد محمد ميلودي (أحد الناجين من مركز “موران”) في الانهيال بالضرب على المساجين بواسطة العصي ومقابض الفؤوس والسياط وأنابيب مطاطية.

كما أجبر السجناء على الجلوس فوق مدافئ مشتعلة وآخرون على الدوران لدقائق عديدة مجردين من ثيابهم أمام سخرية المرتزقة الحاضرين بقاعة التعذيب.

لمياء بن دعاس