أنوار من جامع الجزائر

المعلم رسالة ورحمة – الجزء الأول –

المعلم رسالة ورحمة – الجزء الأول –

عِبَادَ ٱللَّهِ، فَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى ٱللَّهِ تَعَالَىٰ؛ فَهِيَ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِلْأَوَّلِينَ وَٱلْآخِرِينَ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ “وَلَقَدْ وَصَّيْنَا اَ۬لذِينَ أُوتُواْ اُ۬لْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمُۥٓ أَنِ اِ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ”. أَيُّهَا ٱلْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ التَّعْلِيمَ يُجَسِّدُ بِصِدْقٍ جَوْهَرَ الرِّسَالَةِ الْـمُحَمَّدِيَّةِ: فَهِيَ رِسَالَةُ تَعْلِيمٍ وَتَرْبِيَةٍ وَرَحْمَةٍ. لَمْ يُبْعَثِ النَّبِيُّ ﷺ لِيُرْهِبَ النَّاسَ أَوْ لِيُثْقِلَ عَلَيْهِمْ، بَلْ بُعِثَ لِيَأْخُذَ بِأَيْدِيهِمْ، يُعَلِّمُهُمُ الْعِلْمَ بَعْدَ جَهْلٍ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فَقَالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: “إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا” تَأَمَّلُوا فِي سِيرَتِهِ العَطِرَةِ الْـمُبَارَكَةِ، لِتَقِفُوا عَلَى هَدْيِهِ الشَّرِيفِ فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ الخَيْرَ، وَلِنَقْتَبِسَ مِنْهُ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا مَا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ. جَاءَهُ رَجُلٌ يَوْمًا يَسْأَلُهُ عَنِ السَّاعَةِ، فَأجَابَهُ النَّبِيُّ ﷺ: “وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟”، انْظُرُوا كَيْفَ حَوَّلَ أَنْظَارَهُ مِنْ فُضُولٍ لاَ يَنْفَعُ؛ إِلَى عَمَلٍ يُصْلِحُ الْقَلْبَ، وَهُوَ الاسْتِعْدَادُ لِيَوْمِ القِيَامَةِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ، ثُمَّ بَشَّرَهُ قَائِلًا: “أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ”. فَطَارَ الصَّحَابَةُ فَرَحًا بِهَذَا التَّعْلِيمِ الرَّقِيقِ. وَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فِي الْـمَسْجِدِ فَبَالَ -أَجَلَّكُمُ اللهُ- ، فَهَمَّ الصَّحَابَةُ بِزَجْرِهِ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: “دَعُوهُ، لاَ تُزْرِمُوهُ”، ثُمَّ قَالَ لَهُ بِلُطْفٍ: “إِنَّ هَذِهِ الْـمَسَاجِدَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ”. فَانْقَلَبَ الْـخَطَأُ دَرْسًا، وَاسْتَحَالَ الْجَفَاءُ مَوَدَّةً. وَأَخَذَ يَوْمًا بِيَدِ سَيِّدِنَا مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: “يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلاَ تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ: اَللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”، فَجَعَلَ مَحَبَّتَهُ لَهُ بَرِيدًا يَحْمِلُ مَا أَرَادَ أَنْ يُوصِلَهُ إِلَيْهِ مِنْ تَعْلِيمٍ، فَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ التَّعْلِيمِ وَالْمَحَبَّةِ. أَيُّهَا الأَحِبَّةُ، بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ والرِّفْقِ في التَّعْلِيمِ صَاغَ النَّبِيُّ ﷺ جِيلَ الصَّحَابَةِ، فَرَفَعَهُم مِنْ قَوْمٍ أُمِّيِّينَ مُتَفَرِّقِينَ إِلَى خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيمَ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يَكُنْ يَوْمًا مِهْنَةً عَابِرَةً، بَلْ هُوَ رِسَالَةٌ وَرَحْمَةٌ؟. فلكم معاشر المعلمين الأسوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحبيب العلم لأبنائنا وتزيينه لهم وتقريبهم من منابعه العذبة وربطهم بمصادره ومراجعه، لنتعاون جميعا من أجل النهوض بهذه الأمة لتستعيد بالعلم مجدها التليد، وتسترجع خيريتها بين الأمم “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ا۟خْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ اِ۬لْمُنكَرِ وَتُومِنُونَ بِاللَّهِۖ “، وَنُبَشِّرُكُمْ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ، وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ”. أَقُولُ قَوْلِي هَٰذَا، وَأَسْتَغْفِرُ ٱللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَٱسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ.

 

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر