أقسَمَ اللهُ تعالى أحَدَ عشَرَ قَسَمًا على أنَّ الفلاح لِمَنْ زَكَّى نفسَه، وأنَّ الخيبة لِمَنْ أهملَها وتَرَكها وهواها؛ فقال سبحانه ” وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” الشمس: 1-10. فعَلَّقَ سبحانه وتعالى الفلاحَ بتزكية النفس، وعَلَّقَ الخيبةَ والخُسران بتدنيسها. وقد وُصِفَت النفسُ في القرآن بثلاث صفات: نفس مُطمَئِنَّة، ونفس لوَّامة، ونفس أمَّارة بالسوء. فالنفس إذا سكنتْ إلى الله، واطمأنَّتْ بِذِكْرِه، وأنابتْ إليه، واشتاقتْ إلى لقائه، وأَنِسَتْ بِقُربه؛ فهي مُطمَئِنَّة، وهي التي يُقال لها عند الوفاة ” يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ” الفجر: 27، 28. وإذا كانت بضدِّ ذلك؛ فهي أمَّارةٌ بالسُّوء، تأْمُرُ صاحبَها بما تهواه: من شهوات الغي، وإتباع الباطل، فهي مأوى كُلِّ سوء، وإنْ أطاعَها قادَتْه إلى كُلِّ قبيح، وكُلِّ مكروه. فإذا أراد الله تعالى بها خيرًا جعل فيها ما تزكو به وتصلح، وإذا لم يُرد بها ذلك تَرَكَها على حالها التي خُلقَتْ عليها من الجهل والظلم.
وأمَّا النفس اللَّوامة؛ فهي النَّفْسُ التي تُندِّم على ما فات، وتلوم عليه. قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما ” كُلُّ نفسٍ تلوم نفسَها يوم القيامة: تلوم المُحسِنَ نفسُه أن لا يكون ازداد إحسانًا، وتلوم المُسيءَ نفسُه أن لا يكون رجع عن إساءته. وعلى كلِّ حالٍ؛ فإنَّ النَّفْسَ في اليوم الواحد؛ بل في الساعة الواحدة تكون أمَّارةً، وتارةً لوَّامة، وتارة مُطمَئِنة. والحُكم للغالب عليها من أحوالها، فكونها مُطمئنةً وَصْفُ مدحٍ لها. وكونها أمَّارةً بالسُّوء وصْفُ ذَمٍّ لها. وكونها لوَّامةً ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه. والناس مع أنفُسِهم على قِسمين: قِسْمٌ ظفرتْ به نفسُه، فملكته وأهلكته، وصار طوعًا لها، تحت أوامرها. وقِسْمٌ ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعًا لهم، مُنقادةً لأوامرهم. فمَنْ ظَفَر بنفسه أفلح وأنجح، ومَنْ ظفرت به نفسُه خسر وهلك. قال تعالى ” فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى” النازعات: 37-41.



